هل سيصبح الإسلاميون كالأحزاب السياسية المسيحية في الغرب؟

وزير الخارجية الألماني: من الخطأ اعتبار التوجه الإسلامي في السياسة غير متوافق مع الديمقراطية

TT

هل يمكن أن تصل الحركات الإسلامية والأحزاب القائمة على أساس المرجعية الدينية الإسلامية إلى الاقتناع بفكرة الدولة المدنية وممارسة السياسة على أساس من احترام المبادئ الديمقراطية، تماما كما هو الحال بالنسبة للأحزاب المسيحية الأوروبية؟

من وجهة نظر وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي يمكن أن تسير الأمور في هذا الاتجاه في بلدان الربيع العربي التي حقق الإسلاميون فيها تقدما ملموسا أوصلهم إلى كرسي الحكم. حيث شبه الوزير الألماني الأحزاب الديمقراطية الإسلامية في العالم العربي بالأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا مثل الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي الألمانيين. وقال فسترفيلي خلال زيارته الرسمية لتونس الاثنين: «التوجه الإسلامي للآراء السياسية لا يمثل مشكلة، تماما كما هو الحال بالنسبة للتوجه المسيحي في الآراء السياسية، المهم هو الروح الديمقراطية».

يشار إلى أن فسترفيلي عضو في الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا وأن الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تونس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أسفرت عن فوز حزب النهضة الإسلامي بـ 41 في المائة من إجمالي الأصوات وهو ما أهله لقيادة الائتلاف الحكومي الحالي في تونس. ودعا فسترفيلي عقب لقائه مع نظيره التونسي رفيق عبد السلام الذي ينتمي لحزب النهضة للانفتاح على هذه القوى السياسية، وقال إن من حق هذه القوى أن تقبل كشريك في الحوار. وقال فسترفيلي: «ستصبح الأحزاب الإسلامية الديمقراطية بديهية هنا مثل الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا». وشدد فسترفيلي على أنه من الخطأ اعتبار التوجه الإسلامي في السياسة غير متوافق مع الديمقراطية. وأكد وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام احترام حزبه لحقوق الإنسان، وقال ردا على التحفظات الأوروبية تجاه حزبه: «أعتقد أن هذه المخاوف غير محقة». وتهدف زيارة فسترفيلي لتونس بعد عام من بدء الثورة هناك لتكوين صورة عن الجهود التي تبذلها تونس باتجاه إرساء الديمقراطية، ويشكل فوز الإسلاميين في عدد من الدول العربية هاجسا أوروبيا، حيث يسعى الأوروبيون بحكم كونهم الأقرب جغرافيا إلى العالم العربي وشمال أفريقيا بشكل خاص إلى محاولة التواؤم مع حقيقة أن الإسلاميين أصبحوا قوة سياسية تتصدر المشهد السياسي في هذه البلدان. ووصف وزير الخارجية الألماني التقدم الذي أحرزته تونس في هذا الاتجاه بأنه مشجع وقال: «إذا تم تعزيز عملية الديمقراطية فإن باستطاعة تونس أن تصبح نموذجا للتقدم في المنطقة». وتدعم ألمانيا تونس في عملية بناء الهياكل الديمقراطية خلال عامي 2012 و2013 بنحو 32 مليون يورو وذلك للمساهمة على سبيل المثال في تنفيذ مشاريع خاصة بالديمقراطية والقضاء وتدريب الصحافيين ودعم حقوق الإنسان والإعلام. وتعكس زيارة فسترفيلي لتونس مدى حرص الأوروبيين على مد جسور التواصل بينهم وبين الإسلاميين، وحرص الإسلاميون على الإفادة من تجارب الأوروبيين في مجالات حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية ومبدأ فصل السلطات.

وتساعد برلين تونس ماليا من خلال إعادة جدولة 60 مليون يورو من ديونها. وقال فسترفيلي، مشيرا لمساعدة بلاده لتونس: «ألمانيا ستدعم تونس، ليس فقط بالمشورة والكلمات بل بأفعال محسوسة». ودعا فسترفيلي لتوسيع العلاقات الاقتصادية لتونس مع بلاده. وهذا يؤشر إلى أن الانفتاح الديني الإسلامي مطلوب من وجهة نظر غربية لتحقيق انفتاح سياسي يقود بدوره إلى مربط الفرس بالنسبة للأوروبيين وهو الانفتاح الاقتصادي، حيث توجد 280 شركة ألمانية في تونس على سبيل المثال في الوقت الحالي مما يجعل ألمانيا ثالث شريك تجاري لتونس بعد إيطاليا وفرنسا.

ومع كل محاولات استشراف المستقبل، وقياس توجهات الحركات الإسلامية فإن استيعاب هذه الحركات للقيم الديمقراطية غربية المنشأ ربما يحتاج إلى بعض الوقت، إذ إن الأمر لا يتوقف على قناعات هذه الحركات الفكرية وحسب ولكنه يتعدى ذلك إلى قناعات القواعد الانتخابية لهذه الحركات التي ترى أنها وصلت إلى الحكم عن طريق قواعدها الانتخابية والتي لا تريد أن تفرط في ولائها لها إذا ما ابتعدت عن جوهر الخطاب السياسي الديني الذي أقنع شارعها لإيصالها إلى سدة الحكم في بلدانها.