مصر: مؤتمر «السنة النبوية بين الواقع والمأمول» يوصي بمواجهة الفساد دون الخروج عن الإسلام

المشاركون رفضوا دعوات القرآنيين.. واعتبروا أحاديث الصحيحين «البخاري ومسلم» غير قابلة للطعن فيها

مفتي مصر خلال لقائه وفدا من المنتدى العالمي للوسطية للتأكيد على أن الإسلام حرص على أن يبث في نفوس أتباعه البُعد عن المغالاة في كل الأمور («الشرق الأوسط»)
TT

أوصى المشاركون في فعاليات المؤتمر الدولي الأول لخدمة السنة النبوية، بعنوان «السنة النبوية بين الواقع والمأمول»، في ختام اجتماعاتهم بالقاهرة، باعتبار أحاديث الصحيحين «البخاري ومسلم» غير قابلة للطعن فيها بأي حال من الأحوال. قائلين إن باب الاجتهاد في الحكم والتعليق على أحاديث غير الصحيحين «باب مفتوح لعلماء الأمة المتخصصين، بشرط امتلاك ملكات ذلك الأمر وتطبيق القواعد المتبعة فيه تطبيقا علميا دقيقا».

وبعد ثلاثة أيام من البحث والنقاش، نبه حضور المؤتمر، الذي انتهت فعالياته يوم الأربعاء الماضي، على أن الحكم على الحديث لا ينبغي أن يصدر إلا من العالم المجتهد المتخصص في علوم السنّة، مشددين على رفضهم الشديد لمحاولات من يطلقون على أنفسهم «القرآنيين» بالاعتماد على القرآن الكريم فقط وإغفال السنة النبوية المطهرة، مؤكدين أن «السنة النبوية جاءت شارحة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم».

ودعا المؤتمر إلى إنشاء مجمع لكبار علماء الحديث من شتى الأقطار العربية والإسلامية تحت مظلة الأزهر الشريف، لمناقشة القضايا المتصلة بالسنة النبوية، حاضرا ومستقبلا، والتنسيق بين مهندسي الحاسبات العاملين في هذا الحقل الشريف والباحثين والمحققين المختصين بعلوم السنة، لتخرج الأعمال الموسوعية دقيقة من الناحية العلمية، عن طريق الاعتناء بترميز المادة العلمية المخزنة في البرامج الحاسوبية بما يجعلها تلبي حاجات الباحثين التفصيلية، وتوصلهم إلى مشتملات ما هو مُحمَّل فيها، وتوفير خاصية الخدمة الأفقية لاستحضار المعلومات المخزّنة في البرامج الحاسوبية فيما يتعلق بذلك المجال المقدس الشريف. كما أوصى المؤتمر بعدم تحقيق كتاب سبق تحقيقه تحقيقا علميا دقيقا، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، حتى لا تُهدر الجهود فيما لا طائل منه، والعمل على الاعتناء بمؤلفات تجمع الأبواب الفقهية من كل مصادر السنّة في كل مسألة من المسائل الشرعية.

واختتمت في القاهرة فعاليات مؤتمر «السنة النبوية بين الواقع والمأمول»، الذي استمر لمدة ثلاثة أيام ونظمته جمعية «المكنز الإسلامي» برعاية الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبحضور الدكتور علي جمعة، مفتي مصر، الذي افتتح أعمال المؤتمر، وشارك في فعالياته، ضمن جمع من علماء وأساتذة مختصين بدراسة الحديث الشريف وعلومه في العالم العربي والإسلامي من مختلف جامعات المملكة العربية السعودية والمغرب والجزائر وتونس وقطر والإمارات العربية والعراق والكويت وسوريا ولبنان والهند والبحرين والأردن.

وشدد الدكتور الطيب، في كلمته التي ألقاها نيابة عنه رئيس مكتبه الفني، الدكتور حسن الشافعي، على وجوب مواجهة الظلم والفساد بكل أشكاله وأنواعه، وأن تحقيق ذلك يكون بلا سلاح أو دم وبلا خروج عن الإسلام، الذي يدعو لوجوب التصدي للفساد والظلم بلا عنف.

وطالب شيخ الأزهر بتفعيل دور السنة النبوية لتصنع ثقافة الأمة الإسلامية وتجدد جوانب حياتها المعاصرة والمستقبلية، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها من عولمة وانفتاح ثقافي وفكري، والحد من المحن التي تعتصر المسلمين.

وهاجم الدكتور الطيب دعوات من يطلقون على أنفسهم «القرآنيين»، ويدعون إلى الاعتماد على القرآن الكريم فقط وتجاهل السنة النبوية، قائلا: «كلامهم يخالف كلام الله في قرآنه الكريم.. (من يطع الرسول فقد أطاع الله)»، مضيفا: «علينا فضح هؤلاء القائلين باتباع القرآن فقط، لأن السنة النبوية جاءت مبينة وشارحة لما في القرآن، ولا يمكن أبدا تجاهلها بأي حال من الأحوال».

وشدد الإمام الأكبر على ضرورة مواجهة دعاوى النيل من مكانة السنة النبوية في التشريع، أو محاولة المغرضين تحريفها، مطالبا العلماء المسلمين بالاهتمام بالسنة، وفق المنهج العلمي الدقيق، مؤكدا استمرار تحمل الأزهر مسؤولياته بالدفاع عن السنة والقرآن واللغة العربية، باعتبارها أجنحة الحضارة الإسلامية، والتصدي لمحاولات الإساءة للإسلام.

وأوضح الدكتور الطيب أنه «رعى المؤتمر إيمانا بأهمية مثل هذه المؤتمرات لتفعيل وحفظ السنة النبوية، وأن الأزهر يشرف برعاية السنة النبوية، وطلابه، ومد يد العون لكل من يريد القيام بهذه المهمة للنهوض بواقع الأمة المعاصر، وحفظ السنة النبوية في ظل حملة الهجوم التتاري ضدها من أعداء الإسلام، الذين يريدون الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر بدعوى شرعية القرآن دون السنة النبوية».

ونوه شيخ الأزهر بأن المشكلات أتت من مزاحمة غير المتخصصين في الحديث في علوم الدين، وأن الأزهر سيظل ملاذ الأمة في الفتن والنوائب لرسم طريق الخروج من هذه المثالب، مضيفا أن «الأزهر يتبنى منهج الوسطية، الذي يتميز به عن جامعات ومراجع إسلامية أخرى، وأن الأمة مأمورة باتباع أقوال الرسول، صلى الله عليه وسلم»، واستشهد الدكتور الطيب بقوله تعالى: «من يطع الرسول فقد أطاع الله»، دليلا على وجوب طاعة الرسول، وأنها من طاعة الله.

وقال مفتي الديار المصرية، الدكتور علي جمعة، إن «السنة النبوية والقرآن الكريم هما جناحا الشريعة الإسلامية، ولا يمكن التنازل عنهما»، مشيرا إلى ضرورة توثيق مصادر السنة النبوية لتعظيم الاستفادة منها ولمعالجة المخاطر التي تواجه الأمة الإسلامية.

وأضاف الدكتور جمعة أن «القرآن والسنة هما جناحا الحضارة الإسلامية التي سادت العالم وصالحة لكل زمان ومكان»، قائلا: إن «الله أمر المسلمين بتعظيم أقوال نبيه، صلى الله عليه وسلم، في قوله: «وما ينطق عن الهوى»، ورد المفتي على طائفة القرآنيين بقوله: إن «من يدّعون الاكتفاء بالقرآن الكريم فقط يخالفون القرآن الكريم الذي أكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه ربه: (وما ينطق عن الهوى) وهل ما علمه ربه إلا من الوحي».

وقال مفتي مصر إن «السنة النبوية فيها بيان ما أشكل في القرآن وتفصيل ما أجمل.. لذا لا نجد في القرآن أن عدد ركعات الظهر مثلا أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات بينما عرفنا ذلك من السنة، وأن الله أعلى ذكر نبيه فلا يذكر الله إلا ويذكر رسوله صلي الله عليه وسلم في قولنا، لا إله إلا الله محمد رسول الله».

وأوضح الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر «مكانة السنة النبوية في التشريع والحضارة الإسلامية وقدرتها على مواجهة مشكلات الأمة، لأنها تضمنت تسجيلا دقيقا لكل حياة الرسول قولا وعملا»، مشددا على ضرورة توثيق السنة وتحقيقها.

وحذر الدكتور هاشم من أن السنة تواجه الآن تحديات وبعض الشغب عليها، على الرغم من أننا نجد توصية الله (عز وجل)، بأن من أطاع رسول الله فقد أطاعه، مشيرا إلى أن ذلك أبلغ رد على منكري السنة النبوية، وكذلك في قوله تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»، كما حذر من الاستمرار في التطاول على مقام رسول الله، موضحا أهمية مثل هذا المؤتمر للرد على منكري السنة والمتطاولين.

وأضاف الدكتور هاشم أن «هذه السنة تحوي جميع الحلول لكل المشكلات التي تواجهنا، وأدعوكم أن تأخذوا من صيدلية السنة العلاج للمشكلات الاجتماعية للأمة»، كما أضاف: «إن السنة النبوية لا تختلف عن القرآن الكريم الذي يدعو إلى الوسطية، كما في قوله تعالي: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، وإن السنة تعلم المسلمين أن يسلكوا منهج الوسطية في التعامل مع نصوص الدين، وضرب مثلا بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه كان يخفف في الصلاة عند سماعه طفلا يبكي. وأضاف هاشم أن «الرسول حث صحابته أيضا على سلوك منهج الوسطية في الدين، فوجه الرسول، صلى الله عليه وسلم، الصحابي حنظلة إلى منهج الوسطية في قوله له (ساعة وساعة)، مؤكدا أنها ليست دعوة إلى التحلل وفعل ما يخالف الدين وإنما فعل ما فيه الفسحة من الحلال، لافتا إلى أن السنة النبوية مقامها محفوظ لحفظ مقام صاحبها، وفيها الشفاء من كل أمراض العصر، ودعا أصحاب المناهج والآيديولوجيات إلى الاهتمام بصيدلية السنة النبوية، فإن فيها شفاء لكل الأمراض الاجتماعية التي تسري في مجتمعاتنا في هذا العصر».

وقال الدكتور مصطفي أبو عمارة، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، إن «الوسطية هي المنهج المطلوب هذه الأيام ردا على كل دعوات المشككين في السنة، وهناك ثلاثة محاور تدل على حث السنة على اتباع منهج الوسطية، أهمها: وجود أحاديث تحث على الوسطية».

ويأتي المؤتمر الأول للسنة المحمدية، في محاولة جادة من علماء الحديث الإسلامي في العالم لتبادل الآراء وتنمية التواصل بينهم والاستفادة من خبراتهم في هذا المجال، وتحقيق التعاون في مجال خدمة السنة النبوية.

وأوضح الدكتور كيلاني محمد خليفة، مقرر المؤتمر، أن «المؤتمر عالج مجموعة من القضايا المهمة، منها منهج تحقيق كتب الحديث الشريف، وأهمية جمع المخطوطات في تحقيق كتب السنة، وضوابط اختيارها، وأيضا الأعمال الموسوعية وأهميتها في خدمة السنة، وأثر التقنية الحديثة في هذا المجال»، مشيرا إلى أن المؤتمر «بين دور السنة النبوية في تأصيل الوسطية والاعتدال فكرا وسلوكا».

ويشار إلى أن جمعية «المكنز الإسلامي» هي مؤسسة علمية أنشئت لدعم التراث الفكر والثقافي والفني الإسلامي، وحمايته ونشره بكل الطرق المناسبة، كما تُعنى برعاية مجموعات المخطوطات وتنمية التواصل بين علماء الحديث في العالم الإسلامي.

وعُقدت جلسات المؤتمر العشر في قاعة مؤتمر جامعة الأزهر بضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة)، قدم خلالها المشاركون ثلاثين بحثا علميا. وتناول المؤتمر محاور منهج تحقيق كتب الحديث الشريف قديما وحديثا، وأهمية جمع المخطوطات في تحقيق كتب السنة وضوابط اختيارها، وكذا الكتب المساعدة في تحقيق كتب السنة وضوابط اعتمادها والنشرات التجارية لكتب السنة وبيان أضرارها، والأعمال التكميلية لتحقيق كتب السنة، وجهود أهل العلم في نشر كتب السنة النبوية، والأعمال الموسوعية وأهميتها في خدمة السنة النبوية، ومواجهة الشبهات المعاصرة حول السنة والسيرة النبوية.

ومن جانبه، قال الدكتور عبد الله بن محمد حسن بن يعقوب دمفو، أستاذ مشارك بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة طيبة بالمدينة المنورة، في بحثه «مجالات الاستفادة من التقنية في معرفة الصناعة الحديثة من خلال موسوعة الحديث الشريف»، أن أعظم مزايا البرامج الحاسوبية في خدمة السنة النبوية قدرتها الضخمة على تخزين كميات هائلة من المعلومات وإمكان استحضارها بأسرع وقت، لكنه عاد وقال: «لكنها تعتمد في كل هذا على التغذية البشرية لها بالمعلومات، ويرجع الصواب والخطأ فيها إلى هذه السبب، ولذلك فهي أداة ووسيلة للوصول إلى العلم، وليست العلم ذاته».

وقال الدكتور أحمد عبد الله بن حمد الباتلي، الأستاذ بقسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، في بحثه الذي جاء بعنوان «دور السنة النبوية في تأصيل الوسطية والاعتدال فكرا وسلوكا»، إن الإسلام دين الوسطية والاعتدال في الأمور كلها، ويكتسب موضوع الوسطية والاعتدال أهميته من حيث كونه مطلبا شرعيا دعا إليه الإسلام وهو من المواضيع التي ينبغي أن يعني بها المربون، لاضطراب الموازين عند كثير من أبناء المسلمين اليوم، فأصبحوا ما بين غال متشدد وجاف مفرط.

وأضاف بن حمد: «أدى التطور الكبير الذي تشهده مختلف مجالات الحياة اليوم، والصراعات الدامية في أكثر من مكان إلى جنوح البعض بأفكاره وسلوكه، والبعد عن الوسطية والاعتدال، لذلك ينبغي أن يقوم محبو السنة النبوية والمتخصصون فيها بإبراز دور السنة في تأصيل الوسطية والاعتدال».

وأكد الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الفريح، رئيس قسم فقه السنة وأستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، في بحثه «أهمية جمع المخطوطات في تحقيق كتب السنة وضوابط اختيارها»، قائلا: «يعتبر تحقيق النصوص فنا إسلاميا أصيلا، وضع إسلافنا أصوله منذ أن زاولوا العلم، وكان حرصهم ذلك نابعا من التأكيد من النسخ والناسخين، لأنهم كانوا يرون ذلك دينا، لا سيما مع كثرة الناسخين والوراقين، وتعدد النسخ لمؤلف واحد، وبعض الناسخين لم يكن من أهل الاختصاص، مما أضعف الثقة».

ودعا الفريح إلى مزيد من التحري والدقة، فظهر ما يعرف بالمصححين الذين يقومون بضبط النصوص وتصحيحها، ولكن ذلك كان عملا فرديا، ويفتقد إلى منهجية علمية.

وأضاف الفريح: «ظهر في عصر الطباعة انتشار العدد الكبير من الكتب والمراجع المطبوعة طباعة تجارية لا تعتمد على الأصول العلمية في النقل والتدقيق، واتسمت بالتصحيف والتحريف والنقص والتقصير، وأقل ما يقال فيها إنها اعتمدت نسخا غير أصيله أو غير كاملة.. مع العلم أن الخطأ أو التحريف في نص حديثي، قد يقود إلى أحكام شرعية تبنى عليه».

وقال الفريح: «من هنا تأتي أهمية جمع المخطوطات في تحقيق كتب السنة، لإخراج المخطوط بالصفة التي كتبه بها مؤلفه صحيحا مقروءا، وحتى يتسنى ذلك، لا بد من جمع النسخ المتعلقة بالمخطوط، لا سيما الأصلية منها، للوقوف على التفاوت لا الموجود فيها، واعتماد الصحيح من خلال منهجية علمية معروفة في فن تحقيق النصوص، ولا تختلف المخطوطات في علوم السنة عن غيرها من حيث الشروط والضوابط في اختيارها، وهذه الضوابط تتمثل في: القيمة العلمية والفنية للمخطوط وما يتميز به من معلومات في التخصص، والمكانة العلمية للمؤلف وثرائه المعرفي، وأقدمية المخطوط وقيمته الزمنية وتوافر النسخ الكافية للمخطوط».