دعوة الرئيس الفلسطيني لزيارة المسجد الأقصى تعود لساحة الجدل الديني

علماء الأزهر ما بين مؤيد ومعارض.. والكنيسة جددت رفضها لها

زيارة المسجد الأقصى تثير جدلا بين علماء المسلمين («الشرق الأوسط»)
TT

دخلت زيارة المسجد الأقصى إلى حومة الجدل الديني من جديد في الأوساط الأزهرية بمصر بين مؤيد ومعارض، خاصة بعد دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) للعرب والمسلمين إلى زيارة الأقصى في الوقت الحالي، وهو تحت الاحتلال الإسرائيلي.

الجدل الديني، لم يتجاهل حقيقة الصراع الدائر بين المسلمين واليهود حول المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكنه مع ذلك وقف حائرا بين كون هذه الزيارة المأمولة تشكل دعما للفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تشكل نوعا من التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

فبينما اعتبر علماء أزهريون أن «قبول الزيارة بتأشيرة صهيونية فيه إقرار لسيادة الاحتلال على المسجد الأقصى واعتراف بشرعيته»، مؤكدين أن «هذه الزيارات ستكون في صالح إسرائيل وليس الفلسطينيين»، قال آخرون إن «زيارة القدس حاليا أمر مفيد حتى لا يكون الامتناع مظهرا من مظاهر تغييب مكانة المسجد الأقصى عن الأنظار»، مؤكدين أن «الامتناع عن زيارته تعني أننا سلمنا به ليكون تحت سيطرة المحتل إلى الأبد».

من جانبه، أفتى الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بأنه «لا يجوز ومحرّم زيارة القدس»، قائلا إن «من حق الفلسطينيين أن يدخلوا القدس كما يشاءون؛ لكن بالنسبة إلى غير الفلسطينيين، لا يجوز لهم أن يدخلوها».

ويرجع سبب الجدل حول زيارة المسجد الأقصى، إلى الدعوة التي وجهها الرئيس الفلسطيني في افتتاح المؤتمر الدولي للدفاع عن القدس الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة لزيارة الأقصى، بقوله: إن «مثل هذه الزيارات لا تدخل في نطاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل».

وطالب عباس، العرب والمسلمين بزيارة القدس رغم الاحتلال، قائلا «من هنا، تبرز ضرورة أن نشجع كل من يستطيع، وبخاصة إخوتنا من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى إخوتنا العرب والمسلمين والمسيحيين في أوروبا وأميركا، على التوجه لزيارة القدس».

وأضاف الرئيس عباس أن «هذا التحرك سيكون له تداعياته السياسية والمعنوية والاقتصادية والإنسانية، فالقدس تخصنا وتمسنا جميعا، ولن يستطيع أحد منعنا من الوصول إليها». وتابع: «إن تدفق الحشود إليها وازدحام شوارعها والأماكن المقدسة فيها سيعزز صمود مواطنيها ويسهم في حماية وترسيخ هوية وتاريخ وتراث المدينة المستهدفين بالاستئصال، وسيذكر المحتلين أن قضية القدس هي قضية كل عربي وكل مسلم وكل مسيحي».

لكن الدكتور القرضاوي أوضح أن تحريمه لزيارة المسجد الأقصى، «لعدم إضفاء شرعية على المحتل»، بقوله: «من يقوم بالزيارة يضفي شرعية على كيان غاصب لأراضي المسلمين، ويجبر المسلمين على التعامل مع سفارة العدو للحصول على تأشيرة منها».

وشدد الدكتور القرضاوي قائلا «ينبغي أن نشعر بأننا محرومون من القدس ونقاتل من أجلها حتى تكون القدس لنا، وأن مسؤولية تحريرها ودحر العدوان الصهيوني عنها هي مسؤولية الأمة الإسلامية بأسرها وليست مسؤولية الشعب الفلسطيني بمفرده».

فتوى القرضاوي، دعت الرئيس الفلسطيني للقول بأن «زيارة المسلمين للقدس تندرج في خانة الواجب الشرعي».

ويشار إلى أن قضية زيارة الأقصى ليست وليدة اليوم، فقبل عامين أثارت الدعوة التي وجهها شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي إلى المسلمين، لزيارة المسجد الأقصى، كوسيلة لدعم الانتفاضة الفلسطينية وجهاد الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني - عاصفة كبيرة بين علماء الإسلام وجموع الأمة، وترتب عليها ردود فعل واسعة بين علماء الإسلام، وتجديد الخلافات بين المؤيدين والمعارضين لزيارة الأقصى وهو تحت احتلال الصهاينة.

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من علماء الأزهر للتعرف على وجهة نظرهم في قبول دعوة الزيارة من عدمه.. حيث استنكر الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، فكرة قبول الدعوة، قائلا «لا أوافق على هذه الدعوة ولا يوافق عليها أي مسلم.. وتعد لونا من ألوان التطبيع». وأضاف الدكتور بيومي «لكي أذهب إلى القدس لا بد أن أحمل تأشيرة دخول إسرائيلية، وهذا يعد اعترافا بالاحتلال»، متسائلا «ماذا ينفع الفلسطينيون من ذهاب مليون أو أكثر من المسلمين للمسجد الأقصى.. هل هذه نصرة؟».

وأوضح الدكتور بيومي أن «الفلسطينيين يحتاجون دفع تكاليف هذه الرحلة نقدا إلى المقاومة، لا إلى الذهاب للفلسطينيين لمشاركتهم أحزانهم».

وأكد الدكتور محمد وهدان، عميد كلية الإعلام في جامعة الأزهر للبنات، أنه «ينبغي ألا نزور المسجد الأقصى؛ إلا بعد تحريره من أيدي الغاصبين». وقال إن «ذهابنا للصلاة فيه هذه الأيام يصب في مصلحة إسرائيل ويبقي الوضع على ما هو عليه؛ لكن ينبغي أن يفعل المسلمون شيئا جادا مهما لإنقاذ المسجد مما يريده به اليهود من شر».

وكشفت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر، أن «الجميع متفقون منذ سنوات على عدم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، ويشاركنا في هذا موقف الكنيسة المصرية التي ترفض زيارة المسيحيين لها إلا بعد تحرير المدينة المقدسة من دنس اليهود».

وأعربت الدكتورة آمنة نصير عن تخوفها من «أن تقتل هذه الدعوة لزيارة المسجد الأقصى العداء في نفوسنا تجاه اليهود، لأن ذلك يعد دعوة للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت ذريعة زيارة المسجد الأقصى».

بينما أشار الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، إلى أن «زيارة المسجد الأقصى لها منافع ولها مضار، وعدم الزيارة لها منافع ولها مضار أيضا»، موضحا أنه «إذا كانت منافع الزيارة أكثر من المضار، فنحن مع الزيارة، وإذا كانت مضارها أكبر، فنحن مع عدم الزيارة، لأن الناس تعتبر أن في الزيارة شبهة تطبيع مع الاحتلال وهذا ما نرفضه رفضا تاما».

وأضاف نجم أن «الذي يقرر الهدف من الزيارة المؤسسة الدينية في فلسطين، فهي تعرف ماذا تحتاج من المسلمين في العالم من دعم للقدس والوقوف ضد التهويد وليست المؤسسة السياسة».

وأوضح الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أنه «لا بد أن نلاحظ الأثر المترتب على توالي المسلمين لزيارة القدس، وحصولهم على تصاريح الدخول من السلطة الإسرائيلية، وهذا المعنى يحسن إبعاده عن زيارة الأقصى مؤقتا لغير الفلسطينيين، أما الفلسطينيون فهي بلادهم، ولا غضاضة من أن يلجئوا إلى المحتل الإسرائيلي في الحصول على تصاريح دخول، حيث لا يوجد حل آخر».

وتابع عثمان: «لكن أن نعترف نحن الذين لسنا من أهل فلسطين بالسلطة الإسرائيلية، فنأخذ تصريحها بالدخول، فهذه الصورة الدائمة تخل بالمعنى الذي يجب أن يكون حاضرا أمامنا دائما وهو أن فلسطين كلها أرض إسلامية محتلة».

وقال الدكتور عثمان إن «زيارة المسجد الأقصى تدخل في باب الأمور المستحبة وليست واجبة على المسلمين، وإذا كان المستحب يعارض مصلحة طرأت فيمكن تقديم المصلحة، ولا شيء في ترك المستحب في هذه الحالة». وأضاف عثمان «المصلحة في هذا الموضع مصلحة دينية تخص بإزاحة الاحتلال عن ثالث مكان يقدسه المسلمون».

في المقابل، أيد الدكتور طه أبو كريشة، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، دعوة الزيارة، قائلا «يجب على المسلمين في كل مكان أن يجددوا هذه الزيارات للمسجد الأقصى في أي وقت من الأوقات، حتى لا يكون الامتناع مظهرا من مظاهر تغييب مكانة المسجد الأقصى عن الأنظار»، وتابع أبو كريشة: «كون المسجد الأقصى تحت الاحتلال، فإن هذا لا يكون سببا مانعا للعزوف عن زيارته، لأن الزيارة لها مدلول سياسي يعني أننا لن نتخلى عنه أبدا مهما كانت العوائق الظاهرية الاحتلالية، لأن الامتناع من وجهة نظري عن الزيارة، كأنه يعني أننا سلمنا به، ليكون تحت سيطرة المحتل إلى الأبد».

وأضاف أبو كريشة: «ليت المسلمين يبدأون ويضاعفون من زيارتهم للمسجد الأقصى، لأن في ذلك إعلانا على أننا لن نتخلى عنه أبدا، وإنه قبلتنا الأولى، وإنه الذي جاء ذكره في القرآن الكريم مقرونا بالمسجد الحرام، وما دام القرآن بيننا ويجمع بين المسجدين في آياته الكريمة، وكما أننا نذهب إلى المسجد الحرام لنؤدي فريضة الحج، فعلى القادر على زيارة الأقصى، أن يقوم بهذه الزيارة، ليكون ذلك واقعا منظورا، لما جاء مكتوبا في القرآن الكريم».

في السياق ذاته، أكد مصدر كنسي في مصر أن «البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يجدد رفضه دائما بأنه لن يذهب إلى القدس؛ إلا وهي محررة».

وقال المصدر الكنسي، (الذي طلب عدم ذكر اسمه)، إن «الكنيسة تعلم بأن إسرائيل تريد إفراغ القدس من كل من هو ليس يهوديا.. ونحن في الكنسية لنا مواقف واضحة جدا تجاه القضية الفلسطينية، ومن هنا رفضنا زيارة الأراضي الفلسطينية بتأشيرة إسرائيلية، لأن في ذلك تطبيعا».