عشرون عاماً في خدمة الإسلام

د. مساعد بن ابراهيم الحديثي*

TT

في هذه الأيام تمر بنا مناسبة عزيزة وهي مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، مقاليد الحكم ليكمل مسيرة من سبقوه من ملوك هذه الدولة المباركة في خدمة ديننا العظيم، وليجعل خدمة الحرمين الشريفين شعاراً لحكمه وهدفاً سامياً أولياً من أهداف حكومته الرشيدة. فمنذ أن تولى، حفظه الله، مقاليد الحكم بادر الى التخلي عن لقب صاحب الجلالة واستبدل به لقب خادم الحرمين الشريفين، وكان رمزاً لاهتماماته ونبراساً يقتدى به، وتوجهاً مباركاً دعمه بالعمل المتواصل على مدى عشرين عاماً.

فقد أشرف بنفسه على مشاريع توسعة الحرمين الشريفين حتى أصبحا أعظم صرحين اسلاميين في العالم يفد اليهما ملايين المسلمين في كل عام من حجاج وزوار ومعتمرين فيجدون كل عناية وتكريم. وامتد اهتمامه الى المشاعر المقدسة فحظيت بعناية عظيمة تمثلت في عشرات المشاريع العملاقة التي يسرت سبل الحج لضيوف الرحمن.

وما أمره، حفظه الله، بوضع حجر الأساس لأضخم صرح طباعي في العالم يعنى بطباعة كتاب الله العزيز وتسجيلاته وترجمة معانيه الى معظم لغات العالم، ومن ثم افتتاحه في عام 1405 هـ، وهو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، الا دليل آخر على مدى عنايته واهتمامه بخدمة هذا الدين من خلال توفير القرآن العظيم لكل مسلم وتوزيعه مجاناً في داخل المملكة وخارجها حتى بلغت النسخ الموزعة منه ومن ترجمات معانيه أكثر من مائة وخمسين مليون نسخة كلفت ميزانية الدولة مليارات الريالات على مدى الخمس عشرة سنة الماضية.

ورغبة منه ـ أيده الله ـ في تنظيم ما تقوم به المملكة العربية السعودية من أعمال جليلة متنوعة واسعة الأطراف في خدمة الاسلام والمسلمين، من خلال العناية بكتاب الله وسنة رسوله صلى عليه وسلم، والاهتمام ببيوت الله والدعوة الى الله، ورعاية الأوقاف، ومساعدة الأقليات والجاليات الاسلامية بصورة افضل وأشمل وأكثر تركيزاً ودقة. فقد أمر، أمد الله في عمره، فــي عام 1414 هـ بانشـاء وزارة مختصة في أمور الدعوة والمساجد والأوقاف وغيرها من شؤون المسلمين وهي «وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد»، في برهان متجدد على مدى عناية هذه الدولة، أيدها الله، بأمور الاسلام والمسلمين ورغبتها الصادقة في نشر الدين والدفاع عنه وتطوير المؤسسات التي تعمل على ذلك. فأصبحت وزارة الشؤون الاسلامية، بحمد الله، من أكبر وأهم وزارات الدولة وامتدت مناشطها لتشمل كافة أنحاء المعمورة من خلال فتح مكاتب الدعوة التي تشرف على عمل أكثر من ألفي داعية، وتوزيع ملايين النسخ من القرآن الكريم وترجمة معانيه، وبعث الأئمة والدعاة، وتنظيم الملتقيات والدورات العلمية، وتوفير الكتاب الاسلامي وغيرها من الأعمال التي لا يتسع المجال لذكرها.

ومن أبرز مناقب الملك فهد، حفظه الله، في خدمة دين الله انتشار المساجد والمراكز الاسلامية في أنحاء المعمورة حتى بلغت اكثر من مائتين وعشرة مراكز وما يزيد على ألف وثلاثمائة وتسعة وخمسين مسجداً موزعة على عشرات البلدان الاسلامية وغير الاسلامية ويفيد من خدماتها ملايين المسلمين. ويـؤكـد هـذا النهج ـ حفظه الله ـ بقوله: «ان جهود هذه البلاد تواصلت، وستتواصل حثيثة بعون الله في انشاء المساجد والجوامع داخل وخارج المملكة، لتساهم في رفع راية الاسلام ونشر دعوته وثبات المسلمين والأقليات المسلمة على هذا النهج».

وقد امتد هذا الاهتمام ليشمل جوانب عديدة مثل تنظيم المسابقات المحلية والدولية لحفظ القرآن الكريم ودعم الجمعيات المعنية بذلك، وتنظيم ملتقى خادم الحرمين الشريفين الثقافي الاسلامي بشكل سنوي، واستضافة آلالاف من الحجاج من عدة بلدان اسلامية على نفقته الخاصة وغيرها من الأعمال التي لا يتسع المجال لذكرها والتي يشهد بها القاصي والداني.

ولم تنس المملكة العربية السعودية مسؤولياتها العظيمة تجاه اخوانها المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فتمثلت تلك المسؤوليات في الوقوف مع المسلمين أوقات الشدائد والمحن من احتلال الأرض والحروب والمجاعات والزلازل وغيرها من الكوارث والمحن. وخير شاهد على ذلك ما تقدمه المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين من دعم كبير لقضايا المسلمين المعاصرة مثل القدس والبوسنة والهرسك والشيشان وكشمير، وكذلك مواقفها المشهودة في أوقات الكوارث الطبيعية وغيرها دون تردد ولا منة.

ان خدمة دين الله بالنسبة لهذه الدولة المباركة هي واجب يحتمه عليها الانتماء لهذا الدين العظيم والتمسك بأهدابه، والايمان الصادق بأنه هو الدين الحق، وأنه لم تعز هذه البلاد وتتبوأ مكانتها العظيمة بين دول الأرض الا حين اتخذته منهجاً للحكم والحياة، وحين جعلت خدمته والدعوة اليه هدفاً رئيساً من أهداف الدولة، أيدها الله. وما ذكرته في هذه العجالة ليس الا قليلاً من كثير حيث لا يتسع المجال للمزيد. والأمر يحتاج الى جهود الباحثين لتوثيقه والتوسع فيه. وسوف يتولى مركز البحوث والدراسات الاسلامية في وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد، باذن الله، اصدار أربعة بحوث تتناول كافة الجوانب المتعلقة بعناية خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة بخدمة الاسلام والمسلمين، وكيف أصبح هذا الأمر جزءاً لا يتجزأ من اهتمامات الدولة وسياستها الداخلية والخارجية.

أسأل المولى عز وجل أن يمد في عمر خادم الحرمين الشريفين على طاعته ومرضاته، وأن يوفقه وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني الى السير قدماً في تحكيم شرع الله وخدمة دينه قولاً وعملاً.

والحمد لله أولاً وآخرا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

*المدير العام لمركز البحوث والدراسات الاسلامية بالرياض