«هيئة كبار العلماء» المصرية تثير جدلا دينيا قبل الإعلان عن تشكيلها

تختص بانتخاب شيخ الأزهر واقتراح بضم 8 علماء من خارج مصر إليها

TT

أثار قرب موعد الإعلان عن تشكيل هيئة كبار العلماء في الأزهر بمصر، التي ستقوم بانتخاب شيخ الأزهر، جدلا واسعا بين علماء الدين، خاصة في ما يخص استثناء بعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية من شروط الترشح للهيئة، وعدم حسم أمر الجمع بين عضوية الهيئة والمجمع. وبينما أكد علماء الأزهر أن عدم الجمع بين الهيئة ومجمع البحوث أدى إلى ارتباك بين أعضاء المجمع ونتج عنه تأخر إعلان تشكيل الهيئة حتى الآن رغم مرور أربعة أشهر، كشفت مصادر مطلعة بالأزهر عن أنه سيتم إعلان تشكيل هيئة كبار العلماء المكونة من 40 عضوا قبل نهاية مايو (أيار) الحالي.

وأضافت المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» أن هناك اتجاها قويا لضم ما بين 8 إلى 10 علماء من خارج مصر، أبرزهم الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مؤكدة أن «الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أعلن تأييده لهذا الطرح».

وكان المجلس العسكري (الحاكم) أصدر مرسوما في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، بإعادة هيكلة مؤسسة الأزهر وإعادة تشكيل هيئة كبار العلماء التي ألغاها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، ووضعها في مرتبة أعلى من مجمع البحوث الإسلامية الذي يضم 60 عضوا، فضلا عن تحديد سن أقصى لمنصب شيخ الأزهر بـ80 عاما بدلا من الإبقاء عليه مدى الحياة. وقال محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، إن «استقلال الأزهر تحقق بمرسوم المجلس العسكري من خلال تعديلات قانونه، بالإضافة إلى الموافقة على إعادة هيئة كبار العلماء لتختار شيخ الأزهر بالانتخاب».

وتضع التعديلات شروطا بعينها لانتخاب أعضاء هيئة كبار العلماء من بين أعضاء مجمع البحوث، بحيث لا يقل سن المرشح عن 60 عاما، وأن يكون معروفا بالتقوى والورع في ماضيه وحاضره، وأن يكون حائزا شهادة العالمية، وله مؤلفات وبحوث دينية منشورة في تخصصه، وأن يقدم بحثين متخصصين في تخصصه لفحصهما من قبل لجنة تقييم تشكل بقرار من شيخ الأزهر، إلى جانب التزامه بمذهب أهل السنة والجماعة.

وعلى صعيد اختيار منصب شيخ الأزهر، ينص المشروع الجديد على انتخابه من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، وذلك بالانتخاب من قبلهم، بحيث يتم ترشيح 3 من أعضاء الهيئة بشروط معينة، ويجري تصويت سري بين الأعضاء لانتخاب شيخ الأزهر الجديد، ويمارس الشيخ الجديد عمله من تاريخ انتخابه، ترسيخا لمبدأ جديد هو الاستقلال التام للأزهر عن السلطة التنفيذية، ثم تتولى الهيئة إرسال وثيقة بمضمون اختيارها إلى رئيس الدولة لاعتمادها بروتوكوليا فقط، وإصدار قرار جمهوري كاشف وليس منشئا بتعيين شيخ الأزهر المنتخب. ولأول مرة، ينص المشروع على تحديد سن تقاعد شيخ الأزهر. وقالت المصادر إن الدكتور الطيب هو الذي اقترح تحديد سن التقاعد لشيخ الأزهر بـ80 عاما وأصر عليه رغم معارضة الأزهريين، ومطالبتهم بأن يبقى شيخ الأزهر في منصبه مدى الحياة.

وعن مرسوم «العسكري»، قال الدكتور حسن الشافعي مدير المكتب الفني لشيخ الأزهر: إن «الأزهر يتجه حاليا إلى فتح كل الملفات بواسطة أبنائه من الطلاب والأساتذة والمشايخ والعاملين لوضع رؤى مستقبلية لدور الأزهر ومكانته الدعوية والتعليمية، وأن الإجراءات والأنظمة التفصيلية سوف يضعها الأزهريون بأنفسهم بشفافية وموضوعية وديمقراطية، دون إملاء علوي أو تدخل سلطوي»، مضيفا: أن «هيئة كبار العلماء ستشكل من كل من تتوافر فيه شروط عضويتها، لا بقرار منفرد؛ بل عن طريق لجنة علمية محايدة من أكبر المتخصصين المشهود لهم بالعلم والأمانة». وتابع الدكتور الشافعي: «يعلم الله أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ليس بحاجة لأن ينتقي قوما من أجل أن يختاروه في ما بعد، فليس هذا من أخلاقه ولا من تربيته، وهو بفضل الله في غنى عن مناصب الدنيا بأسرها».

وكشفت المصادر ذاتها، أن من أبرز المرشحين لعضوية هيئة كبار العلماء من مجمع البحوث الإسلامية، الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، والدكتور عبد الفتاح الشيخ، والدكتور عبد المعطي بيومي، والدكتور حامد أبو طالب، والدكتور محمد المختار المهدي، والدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق، والدكتور محمد رأفت عثمان، والدكتور محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف، والدكتور الأحمدي أبو النور، والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق.

وكانت شروط تشكيل هيئة كبار العلماء، قد أثارت جدلا كبيرا بعدما أتاح المرسوم لشيخ الأزهر الحق في اختيار أول تشكيل للهيئة، التي من ضمن وظائفها في ما بعد انتخاب شيخ الأزهر، حيث اعتبرها الدكتور عادل عبد الله الأستاذ في معهد الدعاة بوزارة الأوقاف المصرية بمثابة «تحايل» على دور الهيئة، متسائلا: كيف يختار شيخ الأزهر من ينتخبونه؟

تساؤلات العلماء جعلت الدكتور الطيب يستشعر الحرج ويتراجع عن حقه الممنوح له بقوة مرسوم قانون المجلس العسكري، وتفويض لجنة برئاسة الدكتور حسن الشافعي وعضوية كل من الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق، والدكتور محمد المختار المهدي رئيس الجمعية الشرعية، والشيخ محمد الراوي، والدكتور الأحمدي أبو النور، لاختيار من تنطبق عليهم الشروط للانضمام للهيئة من أعضاء المجمع، وفقا للاشتراطات والضوابط الموضوعة.

ويتيح المرسوم الجديد لشيخ الأزهر الحق في استثناء أي مرشح يفتقد بعض الشروط سالفة الذكر؛ لكن الدكتور الطيب كلف اللجنة المشكّلة عدم استثناء أحد إلا بعد موافقة العلماء، لكن مصادر أزهرية أكدت وجود أكثر من شخصية تحتاج إلى استثناء للانضمام للهيئة أبرزهم، الدكتور علي جمعة مفتي مصر نظرا لعدم تدرجه في مراحل التعليم الأزهري، والدكتور إسماعيل الدفتار أحد أهم علماء الأزهر، والدكتور عبد الرحمن العدوي عضو مجمع البحوث، والعالم الأزهري الشيخ محمد الراوي، لعدم حصولهم على درجة الأستاذية.

في السياق ذاته، ذكرت مصادر أزهرية: «إن مخاوف كثيرة تنتاب علماء الأزهر بسبب عدم حسم مرسوم المجلس العسكري أمر الجمع بين عضوية مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء»، قائلة: إن «اختصاصات هيئة كبار العلماء تدعوها للاجتماع كل ثلاثة أشهر للنظر في القضايا العامة بخلاف مجمع البحوث الإسلامية الذي يكون في حالة انعقاد دائم».

من جانبه، قال الشيخ علي عبد الباقي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن «عدم الجمع بين عضوية الهيئة والمجمع أدى إلى ارتباك أعضاء المجمع»، وأكد الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث، أنه لا مانع من الجمع بين العضويتين معا، بينما طالب الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، بالفصل بين الجهتين لإتاحة الفرصة للاستفادة بخبرات واجتهادات أكبر من خارج مجمع البحوث.

وتركزت مطالب الأئمة والدعاة بالأزهر عقب ثورة «25 يناير» على جعل منصب شيخ الأزهر بالانتخاب من بين هيئة كبار العلماء التي ألغيت في عهد عبد الناصر. ورغبة في تهدئة مطالب الثائرين من الدعاة، أعلن الدكتور أحمد الطيب إجراء تعديلات على قانون الأزهر رقم 103، وشكّل لجنة برئاسته وعضوية القانوني البارز الدكتور طارق البشري الذي أشرف على لجنة تعديلات الدستور المصري، والدكتور محمد سليم العوا المرشح الرئاسي، واستمرت الأمور في منطق التعديل إلى أن زادت تعقيدا بعد موافقة الحكومة المصرية برئاسة الدكتور كمال الجنزوري على بعض مواد قانون الأزهر قبل خروجه إلى النور بتحديد سن خروج شيخ الأزهر للمعاش بـ80 عاما، وإنشاء هيئة كبار العلماء مع تحديد سن الانضمام إلى عضويتها بـ60 عاما.

وأسهم ذلك في تنظيم الكثير من المسيرات انطلقت من الجامع الأزهر إلى ميدان التحرير (مفجر الثورة) لرفض إصدار مرسوم من المجلس العسكري بعيدا عن دعاة الأزهر وأئمة وزارة الأوقاف. وقال الشيخ إبراهيم توفيق أحد دعاة الأزهر: «نظمنا مسيرات لعدم تمرير قانون الأزهر لوجود عوار فاضح به.. لكن السلطات المصرية لم تلتفت لمطالبنا وسارعت بإصداره»، متهما القانون المعدل بأنه تم تفصيله على مقاس القائمين على الأزهر.