يأجوج ومأجوج

صالح المغامسي

TT

أمتان عظيمتان من ولد يافث بن نوح، مد الله لهما في العمر، وأكثر لهما في النسل، خروجهما من علامات الساعة الكبرى، كان لهم في غابر الأزمان ظهور بين، ففي التنزيل المبارك: «قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ». وفسر ابن الجوزي إفسادهم في الأرض بأنه: كانوا يأكلون الناس، وقيل كانوا يخرجون إلى أرض الذين شكوا منهم فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه، ولا يابسا إلا احتملوه إلى أرضهم، وقيل غير ذلك.

ثم كتب الله أن أقام عليهم ذو القرنين ردما، فهم من ورائه، فسبحان من حجب الأبصار عنهم ليقضي أمره وتنفذ مشيئته وتظهر حكمته، والله يحكم لا معقب لحكمه.

روي عن كعب الأحبار أنهم ثلاثة أصناف، صنف أجسادهم كالأرز، وهو شجر كبير جدا، وصنف أربع أذرع في أربع أذرع، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى.

وقد رد المفسر الحافظ ابن كثير هذا القول وأضرابه وقال: «.. ومن زعم أن منهم الطويل الذي كالنخلة السحوق أو أطول، ومنهم القصير الذي هو كالشيء الحقير، ومنهم من له أذنان يتغطى بإحداهما ويتوطى الأخرى، فقد تكلف ما لا علم له به وقال مالا دليل عليه». وهذا قول متين محكم كما ترى والعلم عند الله.

وخروجهم كائن لا محالة قال ربنا: «حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ» الآية، ويكون ذلك زمن المسيح عيسى ابن مريم، عليه السلام، وهلاكهم بدعوة منه ومن المؤمنين الذين معه. وجاء في الحديث الصحيح: «.. فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل، فيرسل الله عليهم نغفا في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة..».

فمتى يدرك الناس فضيلة الدعاء، وإن كان ذلك لا يمنع أبدا الأخذ بالأسباب، بل ذلك مما جاء الشرع به. وليأجوج ومأجوج شأن آخر يوم يقوم الأشهاد ويحشر العباد، جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول لبيك وسعديك، والخير في يديك يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون قال: فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، قال فيقولون فأين ذلك الواحد قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومأجوج ومنكم واحد».