وزير الشؤون الدينية التونسي لـ «الشرق الأوسط»: من المهم أن يُفعّل فقه السياسة الشرعية في حياة المسلمين

نور الدين الخادمي: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يمكنه الاستفادة من تجربة جامعة الزيتونة

د. نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية التونسي في ساحة مسجد عقبة بن نافع بصحبة وزير الشؤون الإسلامية القطري («الشرق الأوسط»)
TT

أعرب الدكتور نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية التونسي، عن ارتياحه لتحقيق خطوات مهمة على طريق الإصلاح في تونس، لا سيما في ما يتعلق بالوزارة التي يتولى حقيبتها. وقال في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «أهم الإنجازات التي حققناها خلال الشهور الثلاثة الأولى (فبراير/ شباط، ومارس/ آذار، وأبريل/ نيسان) تتمثل في تسوية ملفات كثيرة تتعلق بالإطارات الدعوية من حيث تعيينهم وتطبيق المنشور الخاص في هذا الغرض، إضافة إلى الاستعدادات المبكرة لموسم الحج والعمرة، حيث سيرنا أول رحلات العمرة في 26 أبريل الماضي، إلى جانب تحسين الخدمات بقدر ما يمكن لصالح الحجاج والمعتمرين».

وأضاف «ومن الملفات الأخرى ملف الخطاب الديني والتجديد وترتيب وضع الدعاة الذين حرموا من التدريس لأكثر من 20 سنة، والآن نعيد لهم وظيفتهم، تدريبا وتكوينا، وإحكام سير المساجد ودعم الشأن الدعوي وإصلاح الهيكلة، وغير ذلك مما نقوم به».

وحول الخطاب الديني، أشار الخادمي إلى حاجة المسلمين لخطاب ميسر يبشر ولا ينفر، قائلا «ما أحوج المسلمين اليوم إلى استحضار منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياتهم، وفي ثروتهم، وفي تجارتهم وفي أسواقهم وفي ثورتهم». وأردف «النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء ليصلح الناس بمنهج الرسالة، ويمكن استحضار مشهد الأعرابي الذي بال في مسجد النبي، وكاد الصحابة أن يفتكوا به، لكن النبي منعهم وطلب منهم غسل المكان، وكان رد الأعرابي ممتنا للنبي وغاضبا من الموقف الآخر: اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا، ولكن النبي قال له: لقد حجرت واسعا يا أخا العرب. وقال صلى الله عليه وسلم في موضع آخر: أنا نبي الرحمة. أنا نبي الرحمة. أنا نبي الرحمة. وقال عنه المولى سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)».

ودعا الخادمي المسلمين إلى أن يكونوا مثل الجسد الواحد، إذا شكا منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وفي الحديث: من لا يرحم لا يرحم. وفي حديث آخر: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. وقال سبحانه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ». وأوضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس عنه».

وشدد على أن ما يوحد المسلمين هو وحدة المشاعر والشعائر.. «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»، بل نجد قيمة العمل عالية في نظر الإسلام: «من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له»، كما أن «المسلمين عند شروطهم إلا شرطا يحل حراما أو يحرم حلالا».

وأكد الخادمي ما أعلن عنه مؤخرا من تخفيض في تكاليف العمرة والحج وتحسين الخدمات، قائلا «بالفعل تم التخفيض في تكاليف الحج والعمرة مقارنة بالسابق وتحسين الخدمات وتطوير هذه الخدمات نحو الأحسن، إن شاء الله».

وحول افتتاح فرع للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس، أشار الخادمي إلى أن «تونس كانت محرومة من علماء الأمة وأهل الفكر والثقافة، وقد تم افتتاح فرع للاتحاد ويضم نخبة من العلماء التونسيين الذين هم أعضاء فيه وهو اتحاد للعلماء الوسطيين العالميين، ويمكننا الاستفادة من تجاربه، وفيه إضافة، إذ إن الاتحاد مؤسسة وسطية معتدلة محبة لتونس، ويعتبر أعضاؤها الزيتونة معلما من معالم الإسلام وحرصوا على أن يستفيدوا هم أيضا من تجربة تونس».

وبخصوص استفادة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من تونس، أفاد بأن ذلك يتمثل «في ما يتعلق بالخطاب الديني بعد الثورة والعدالة والوسطية والتوازن».

أما ما يتعلق بتوقيع اتفاق بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وجامعة الزيتونة ووزارة الشؤون الدينية بخصوص إعادة التعليم الزيتوني إلى الجامع، أوضح الوزير أن الاتفاق «هو بمثابة إعلان رسمي عن إعادة استئناف الدروس بجامع الزيتونة بعد أن أصدر القضاء أمرا بإزالة الأقفال وإفساح المجال للتدريس بالجامع المعمور. وكان التعليم الزيتوني قد منع منعا باتا وحرم الشعب من هذا التدريس».

وعن ملتقى الفكر السياسي الإسلامي، الذي شهدته العاصمة التونسية أخيرا، بين وزير الشؤون الدينية التونسي أن الملتقى «عقد في إطار الفقه السياسي الإسلامي، بحكم أن السياسة شأن عام يحتاج للترشيد والتصحيح والمتابعة، فالسياسة الشرعية علم من علوم الإسلام، وعلم من علوم الشريعة، والفقه السياسي يستند إلى الاجتهاد ومقاصد الشريعة ومن المهم جدا أن يقع تفعيل هذا العلم في حياة المسلمين».

وعن تفعيل الفصل الأول من الدستور في الإعلام، رأى الوزير أنه «من المفترض أن يقوم الإعلام بدوره الفاعل في إنجاح الثورة، وإيلاء الجانب الديني ما يستحقه من عناية لمحاربة الجريمة، والغش، والاحتكار، والعنف، والدعوة إلى الحرية والكرامة والصدق والنزاهة والنظافة».

وأيد الوزير إقامة جامعة إسلامية في ولاية (محافظة) القيروان، قائلا «القيروان تاريخ عظيم ورمز إسلامي كبير وإحداث مراكز علمية فيها مهم جدا».

بينما لم يسهب في الحديث عن صندوق الزكاة، المزمع إقامته في تونس، والذي يأتي في إطار إشراف الدولة على الشأن الديني، حيث يعد جمع الزكاة شأنا دينيا بحكم أنه الركن الثالث في الإسلام.

وتطرق إلى زيارته بصحبة وزير الشؤون الإسلامية القطري إلى القيروان، حيث قال «أثلج صدورنا ما رأيناه في دار القرآن الكريم بالقيروان، وكانت بعض الأعين تدمع لما رأوه من الفتية الصغار الذين جاءوا من أفريقيا؛ من مالي وزامبيا وغيرهما، إلى جانب الطلبة التونسيين الذين يحفظون كتاب الله، ثم زرنا مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، وفي تونس زرنا جامع الزيتونة المعمور، ورابطة الجمعيات القرآنية بتونس، ووزارة الشؤون الإسلامية، وألقى معالي وزير الشؤون الإسلامية القطري محاضرة حول (الأمن الثقافي في الإسلام)».