الشهر الحرام

صالح المغامسي

TT

ذكر الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم، الأشهر الحرم، وعد ثلاثة سردا (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم)، وأفرد (رجب)، قائلا «ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».

وأهل الشهر عظيم الحرمة، جليل الهيبة، فاستقبله طاغية الشام بمجزرة (الحولة)، واستقبل أهل الشام طغيانه بصدور مؤمنة ودماء زكية وأنفس أبية حرة راضية، لم يضرهم من خذلهم، ولا يستجدون من قاتلهم، ولا يستعطفون من أضمر البغضاء والكيد لهم، ينتظرون الوعد الصادق والنصر القريب، وإنه لكائن وإن ظن الطغاة أنه بعيد.

أهل الشهر الحرام وقد نثر أهل مصر كنانتهم في مشهد مهيب، تجلت فيه شمس مصر مشرقة نيرة، شعب يكتب تاريخه، وجيش يحمي ما كتبه الشعب، لكن الرياح جاءت بما لا يشتهي الميدان. ولا يدري أحد أين الخير، لكن الجميع يريد لمصر الخير. من يسكنها أو زارها يوما من الدهر أو سمع عن فضل أرضها وكرم أهلها لا يملك إلا أن يقول: اللهم اجمع كلمة أهل مصر على الحق، والطف بهم في أمر دينهم ودنياهم.

أهل الشهر الحرام وأفصح الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها عما أعدوه من مسلسلات وبرامج وأفلام لشهر رمضان، ولولا أن الله خلد حرمة هذا الشهر الكريم في كتابه لظن كثير من الناس أن شهر رمضان شهر فجور وآثام، لا شهر صيام وقيام، مما يرون ويسمعون من تسابق القنوات وصراع الشاشات وأسوأ أحوال ابن آدم عندما يكون عبدا لشهوته وأسيرا لهواه، ومنتهى السوء أن يكون إماما في الضلالة ورأسا في الغواية.

أهل الشهر الحرام وكم من نفوس مؤمنة في شرق العالم الإسلامي وغربه قد عزمت السير إلى بلاد الحرمين، دعاها نداء الإيمان فلبته وغلبها الشوق فأطاعته، ذكرت وخوفت بالحر وشدته فتلت قوله تعالى «قل نار جهنم أشد حرا»، تؤمل اليوم أن تطوف بالبيت لعلها غدا برحمة الله تنظر من الجنة إلى من يطوفون بالعرش.

تؤمل اليوم أن تقف مسلمة على الحبيب الشفيع، صلى الله عليه وسلم، لعلها غدا أن تكون تحت لوائه وفي زمرته، فطوبى لتلك الأنفس ما أزكاها، ولتلك القلوب ما أتقاها، وحياهم الله في ديار التوحيد ومعقل الإيمان وبلاد الحرمين.