مشروع قانون سلفي بتقييد «مرجعية الأزهر» يثير جدلا دينيا في مصر

علماء لـ «الشرق الأوسط»: محاولة السيطرة على الأزهر مرفوضة

علماء الأزهر يطالبون بأن يظل الأزهر المرجعية الأساسية للمنهج الوسطي عند كتابة الدستور الجديد في مصر
TT

في وقت تتأهب مؤسسة الأزهر وشيخها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب للدخول في معركة مصير مع مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان) المصري، بعد مطالبات سلفية بأن لا يكون الأزهر هو المرجعية الدينية الوحيدة في البلاد، قال علماء أزهريون لـ«الشرق الأوسط»: «إن محاولة السيطرة على الأزهر مرفوضة وليس لها أسس قانونية، وإن الأزهر سيظل المرجعية والصوت العالي للمسلمين في العالم»، مطالبين بتأكيد أن الأزهر المرجعية الأساسية للمنهج الوسطي عند كتابة الدستور الجديد في مصر.

وشهد البرلمان المصري، الذي يستحوذ الإسلاميون على الأكثرية فيه، محاولات لتهميش دور الأزهر، وبخاصة بعد المشروع الذي تقدم به النائب علي قطامش عضو حزب النور (السلفي)، صاحب ربع مقاعد البرلمان، ثاني أكبر نسبة بعد حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان المسلمين)، إلى لجنة الاقتراحات في مجلس الشعب بحذف عبارة «الأزهر المرجع النهائي في القضايا الدينية»، وهو ما دعا شيخ الأزهر إلى رفض المقترح، وقال في بيان شديد اللهجة: «إن الأزهر شارك في جلسة استماع علنية بالبرلمان، وأوضح للنواب أنه لا يوافق على كثير من هذه التعديلات التي تجرد الأزهر من مكانته المرجعية التي اكتسبها على مدى ألف عام في مصر والعالم الإسلامي»، محذرا من أن يتحول الأزهر إلى مجرد مدرسة دينية تعليمية.

من جانبه، اعتبر قيادي سلفي أن المشروع لا يعبر إلا عن رأي صاحبه ولا يعبر عن رأي الحزب، وأن «النور» يكن كل تقدير للأزهر وعلمائه وشيخه.

وفي محاولات للرد على خصومه الإسلاميين وتهميش دوره السياسي داخل البرلمان، قرر الأزهر فتح سلسلة حوارات مع معارضيه من أبنائه الأزهريين ودعوتهم إلى طاولة إمامه الدكتور الطيب، لتقريب وجهات النظر والوقوف أمام أي محاولة تنال من كينونة الأزهر وقياداته.

وكشف مصدر مطلع في مشيخة الأزهر لـ«الشرق الأوسط» عن أن في مقدمة من سيتحاور معهم في هذا السياق الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى الأسبق في الأزهر، والدكتور عبد الله بركات، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر. ويرى مراقبون أن هذا الحوار سيركز على كيفية مجابهة محاولة الإسلاميين المتشددين السيطرة على أكبر مؤسسة سنية في العالم، وعدم السماح للجنة الدينية في البرلمان التي يترأسها الشيخ السيد عسكر (الإخواني) بالتدخل في شؤونه، وبخاصة بعد أن نفض الأزهر عن كاهله 30 عاما من تبعية النظام الحاكم، وتصدر المشهد السياسي بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، «وأصدر وثيقة مستقبل مصر في يونيو (حزيران) 2011، التي طالبت قوى سياسية والمجلس العسكري الحاكم بالاستعانة بها عند صياغة الدستور».

من جانبه، أكد الدكتور محمد وهدان، عميد كلية الإعلام بنات بجامعة الأزهر، في القاهرة، أن «عدم اعتبار الأزهر المرجعية الدينية في مصر أمر مرفوض تماما وليس له أي أساس في القانون؛ بل هو إعلان حرب على الأزهر الذي يعد رمز الإسلام والمسلمين»، وقال: «إن المغزى من هذا القانون تحجيم دور الأزهر ومحاولة السيطرة على أكبر مؤسسة إسلامية في العالم من تيارات إسلامية معينة». واستطرد: «لكن الأزهر باق ولن يتخلى عن دورة بأي حال من الأحوال».

ولفت الدكتور وهدان إلى أن التعديل الجديد الذي أقره المجلس العسكري في يناير الماضي على القانون رقم 103 الخاص باستقلال الأزهر، يدعو إلى استقلال مؤسسته بشكل تام، ولم يتطرق إلى الإساءة لأي مؤسسة أخرى، أما هذا القانون (في إشارة إلى المشروع السلفي) فإنه يقحم الأزهر ويجعله مؤسسة تابعة للحكومة، مؤكدا أن «أي تعديل يجرى على قانون الأزهر الذي تقدم به الأزهر سوف يحوله من مكانته الإسلامية إلى مكانة أخرى تابعة».

وشدد الدكتور وهدان على أن الأزهر لن يتخلى عن مرجعيته الإسلامية مهما كان، فالأزهر هو المنبر الإسلامي والمرجعية النهائية.

وأكد الدكتور جمال النجار، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن «الأزهر سوف يبقى هو المرجعية الإسلامية والصوت العالي للمسلمين في العالم، والذي ينادي بخلاف ذلك فهو محارب له». وقال: «إن المرجعية الدينية من الأمور الأساسية ولن يتخلى عنها الأزهر، والمقصود بأن لا يكون الأزهر المرجعية النهائية هو النيل منه ومن مكانته، وهو أمر لا يوافق عليه الأزهر»، لافتا إلى أن الأزهر يفتح قلبه للجميع من أبنائه، فقد تم فتح سلسلة حوارات مع معارضيه، سواء كانوا أبناءه أو غيرهم، ليعرف وجهة نظرهم ويتقرب منهم ولعرض رؤاهم وأفكارهم ومدى تناسقها مع فكر الأزهر.

ولفت الدكتور النجار إلى أن هذا سوف يعطى للأزهر دليلا واضحا على أنه مرجعية إسلامية لجميع المسلمين في العالم، فهو ما زال قبلة العالم الإسلامي في جميع دول العالم، موضحا أنه «ليست هناك أي معارك مع أحد؛ لكنها مجرد اختلافات في الرؤى فقط ولا تصل إلى حد الصراعات».

من جهته، قال الدكتور محمد عبد السلام، المستشار القانوني لشيخ الأزهر: «إن القانون الذي تقدم به النائب السلفي لا يحتكم إلى أسانيد دستورية وكل البنود الواردة في القانون بنود ساقطة وغير مكتملة، وإن كافة تلك البنود جاءت مخالفة لنصوص قانونية واضحة، وبخاصة البند الذي ينادي بإلغاء وزارة الأوقاف»، مضيفا أن «القانون الذي وضعه الأزهر أعد مسبقا من خلال فقهاء قانونيين ويحتكم إلى صيغ قانونية موجودة في نص القانون، وليس مجرد مشروع موضوع من قبل شخص واحد».

وقال الدكتور عبد السلام: «إن الأزهر يرفض هذا الاقتراح بشكل كامل، لأن مرجعية الأزهر هي المرجعية الكاملة منذ نشأته، فالأزهر مرجعية دينية وإسلامية»، مضيفا أن «التعديل في القانون الذي أعده الأزهر تم في مادتين فقط هما مواصفات منصب شيخ الأزهر وتشكيل هيئة كبار العلماء، والقانون الجديد الذي تقدم به عضو البرلمان سوف يجنب الدور الكبير الذي يلعبه الأزهر حاليا، خارجيا وداخليا».

وأوضح الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، عضو اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور التي تم حلها بحكم قضائي ممثلا عن الأزهر، أنه ليست هناك مرجعية أخرى إلا الأزهر، وأنه هو الجهة والمؤسسة العلمية والدينية والمرجع الأساسي للعلوم الشرعي والدينية ودون غيرها في، فلا منازعة في ذلك، وهذا ما عهده الأزهر منذ أكثر من 1000 عام، وهو الحريص على الوسطية وعدم التخريب، والحافظ للتراث الإسلامي والشريعة الإسلامية على مستوى العالم.

وقال الدكتور واصل: «إن أهم الأمور التي تجعل الأزهر هو المرجعية الوحيدة السنية في مصر والعالم، هو استقلال الأزهر وقانونه من الناحية الإدارية والحفاظ على الاستقلالية دون التدخل، وهذا الذي يمنع اختراقه»، مشيرا إلى أن الحفاظ على استقلالية الأزهر وعدم التدخل في شؤونه يحفظ لمصر مكانتها، مؤكدا أنه لا بد أن يوصي في اللجنة التأسيسية للدستور، أن الأزهر هو المرجعية الأساسية الدينية وهو القدوة للعالم الإسلامي كله، ولا بد أن يحفظ الدستور له هذا دون شك، لافتا إلى أن الأزهر هو الجهة المختصة بالعلم الشرعي، ولا بد من الرجوع إليه في كل التخصصات.

في المقابل، قال قيادي بارز في حزب النور السلفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأزهر ينبغي أن يكون المرجعية الإسلامية الوحيدة في العالم، إذ هو المؤسسة الوحيدة الذي ينتظم فيها تدريس المواد الشرعية والقرآن الكريم من الصف الأول الابتدائي وحتى التعليم الجامعي وإلى الانتهاء من مراحل التعليم المختلفة». وأضاف أنه لا يوجد في العالم مؤسسة نعرفها تقوم بهذا الدور على هذه الصورة؛ إلا الأزهر، وأنه لا يجوز لأي أحد أن ينكر جهود المؤسسة العريقة.

وأوضح القيادي نفسه أن النائب السلفي قطامش الذي قدم الاقتراح للبرلمان يعبر عن رأيه فقط ولا يعبر عن رأي الحزب، وحزب «النور» يكن كل احترام وتقدير للأزهر وعلمائه وشيخه، مضيفا أن «اللجنة الدينية في مجلس الشعب لم يكن لها أي سلطة على قرارات الأزهر؛ لكنها سلطة رقابية وتشريعية، التي هي حق خالص للمجلس، الذي يسعى أعضاؤه للاستقلالية التي نادى بها الدكتور أحمد الطيب في القانون 103 الخاص بتطوير الأزهر».