إعلاميون يناقشون في بلجيكا أسباب تشويه صورة المسلمين في الغرب

صحافيون مسلمون فقدوا وظائفهم في أوروبا بسبب ديانتهم

جانب من المنصة خلال إحدى الجلسات («الشرق الأوسط»)
TT

دعا خبراء وإعلاميون إلى نهج أساليب مبتكرة لحمل الصحافيين غير المسلمين على احترام عقيدة الشعوب الإسلامية، ومحاولة فهم حقائق الإسلام والمسلمين. وأقر المشاركون في لقاء نظم في مدينة خانت البلجيكية بالتعاون بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) والأكاديمية الإسلامية للبحث والتنمية في بلجيكا بفشل الوسائل التقليدية للرد على حملات تشويه صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام والصحافة الغربية.

وخلال اللقاء، قدمت الصحافية حكيمة هرميش، رئيسة تحرير جريدة «صوت البحر الأبيض المتوسط»، أمثلة لبعض الأحداث التي رسخت صورة سلبية عن المسلمين في بروكسل، من ذلك استعمال العنف، بما في ذلك القتل لتسوية خلافاتهم، وأشارت في هذا الصدد إلى جريمة قتل طرفاها مسلمان، وقالت إن الصحافة المحلية في بلجيكا ركزت عليها، ونشرتها في الصفحات الأولى، كما تصدر الخبر نشرات الأخبار المرئية والمسموعة، مؤكدة أن ما وقع انعكس سلبا على باقي الجاليات المسلمة في بلجيكا.

وأضافت هرميش، في مداخلتها، خلال جلسة عمل خصصت للبحث في مرجعيات وأهداف مروجي الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، أنه، بعد أسابيع مما جرى، حدثت واقعة أخرى، عندما طُلب من أحد خطباء المساجد في بلجيكا أن يبرز الحقوق التي خص بها الإسلام المرأة، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بيد أن الخطيب، تعمد الخروج عن الموضوع وراح ينتقد فكرة الاحتفاء نفسها، وقال إن هذه المناسبة من ابتكار أعداء الأمة الإسلامية.

وأشارت في المداخلة إلى أن الجدل نفسه تجدد حول صورة الإسلام والمسلمين خلال الأسابيع الأخيرة في بلجيكا، بعد إيقاف الشرطة لبلجيكية منقبة حديثة العهد باعتناق الإسلام، حيث رفضت الكشف عن وجهها، الشيء الذي جعل الشرطة تقود المنقبة إلى الدائرة الأمنية في مولمبيك، وتم استدعاء شرطية لتتولى محاورة المنقبة، بيد أن الأمر تطور إلى عراك بين المرأتين، وترتب عنه تكسير المنقبة لأسنان الشرطية بعد أن لكمتها، واستغل تنظيم «الشريعة لبلجيكا» الحادثة لتأليب أنصاره، عن طريق الرسائل النصية القصيرة، الذين تجمهروا أمام الدائرة الأمنية، مما أدى إلى وقوع حوادث عنف.

ومن جهته، تطرق الصحافي فريد زحنون، الذي يرأس تحرير موقع «د.أ.م» الإلكتروني، في هولندا، إلى الأحوال الاجتماعية للجالية المسلمة في هذا البلد الأوروبي، وقال إنها لا تدعو للاطمئنان بسبب موجة الكراهية التي باتت تجاهر بها علانية بعض الأوساط السياسية المتطرفة في هولندا. والأمر نفسه ينطبق على الجالية المسلمة أيضا في فرنسا، حيث أورد مراد حمزة، الخبير في المعهد المتوسطي للدراسات الإسلامية في فرنسا، أن ما يعانيه المسلمون والمسلمات لا يتم بسبب اللون أو اللغة وإنما بسبب المظهر واللباس.

وأضاف أنه حدث أن طُلب أكثر من مرة في الشارع العام من عدد من المسلمات بالرجوع إلى بلدانهن الأصلية، دون أن يعرف أصحاب هذه الدعوات أنهم يتحدثون إلى مواطنات فرنسيات لم يتغير من هويتهن إلا أنهن اعتنقن الإسلام.

وذلك نفس ما ذهب إليه مصطفى جمال السمرائي العراقي الأصل، ورئيس جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام، بقوله إن عشرات من الصحافيين المسلمين في أوروبا فقدوا وظائفهم، بمجرد أن تم التعرف على هوياتهم الإسلامية، حيث تتم إحالتهم على أقسام أقل درجة أو خارج تخصصاتهم، مثل أن يُطلب منهم العمل في أقسام الأرشيف أو تكليف البعض منهم بإنجاز أعمال لا تتلاءم مع قناعاته أو مبادئه، مثل إعداد استطلاعات حول الشذوذ الجنسي أو المومسات. وأوضح السمرائي أن نسبة كبيرة من الصحافيين في أوروبا هم مسلمون.

وأضاف أن أغلبهم من أصول عجمية، أي غير عرب، بيد أنهم من وجهة نظر السمرائي أجدر بالدفاع عن الهوية الإسلامية وإقناع غير المسلمين من آبائهم أو الجيل الأول من المهاجرين المسلمين إلى أوروبا. وقال السمرائي إنه يجب أن نقر بفشل المسلمين في الغرب بشأن كسب الرأي العام الأوروبي تجاه أي قضية عربية أو إسلامية.

وأوضح أنه لا بد من الإقرار بـ«فشلنا من أجل استشراف آفاق وحلول جديدة في المستقبل بشكل يمكننا من الدفاع عن وجودنا وصورتنا كمسلمين لدى الآخر».

وفي معرض مداخلته، تساءل الإعلامي حسام شاكر في إطار البحث عن حلول للخروج من أزمات المسلمين في الغرب، ولدى الآخر بشكل عام، قائلا: كيف نطبع ظهورنا الإعلامي بغير الأزمات؟ مضيفا أنه كل سنة تتم إثارة قضية تهم المسلمين في أوروبا، لتكون مناسبة يليها إصدار قرارات وقوانين جديد لا تأتي إلا لتحدّ من حرية المسلمين والمسلمات في التعبير عن خصوصياتهم.

واقترح حسام شاكر أن يكون تحسين صورة وواقع المسلمين في اعتماد مقاربات إعلامية في إطار الإعلام الحر المنفتح، لا في إطار إعلام الطائفة، وذلك لجعل المجتمعات الأوروبية تعرف التنوع الموجود داخل المسلمين وقيمهم النبيلة والسمحة التي لا يمكن تغطي عليها حالات استثنائية، تحصل هنا وهناك.

والموقف نفسه تطرق إليه الدكتور التجاني بولعوالي، الأستاذ بجامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام، من خلال تحليله لظاهرة الربيع العربي وتداعياتها على صورة الإسلام في الغرب، عبر نماذج من الصحافة الهولندية المكتوبة.

وركز في عرضه على الجانب الإيجابي لدى هذا الإعلام؛ فكلما توفرت المعرفة العلمية الكافية للإعلامي أو الصحافي حول الإسلام والعالم العربي، كانت مواقفه وكتاباته أكثر إيجابية. وخلص إلى أن التجارب والمعرفة والاطلاع على كل ما هو عربي وإسلامي يساهم في تصحيح الصور النمطية السلبية حول المسلمين.

يشار إلى أن أكثر من 6 ملايين مسلم يعيشون في الدول الأوروبية ونحو 700 ألف مسلم يعيشون في بلجيكا وحدها، تأتي في مقدمتهم الجالية المغربية وتليها من حيث العدد الجالية التركية بالإضافة إلى نحو 20 جالية مسلمة أخري من بلاد القوقاز وأوزبكستان ومن الألبان ودول أفريقية أخرى.