المورمون.. عقيدة دينية أم مؤامرات سياسية؟

إميل أمين

TT

مع اقتراب شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، يتساءل الأميركيون والعالم من خلفهم: هل سيجد المرشح الجمهوري ميت رومني (المورموني العقيدة) طريقه إلى البيت الأبيض كأول رئيس ينتمي إلى هذه الطائفة الدينية الغريبة والمثيرة؟

هذا السؤال هو السبب المباشر في تقديم هذه القراءة للقارئ العربي مسلما كان أو مسيحيا عن المورمونية كعقيدة والمورمونيين كأتباع لها، ذلك أن أميركا التي يأتيك منها كل عجيب، قد تأتي لنا برئيس من تلك الطائفة. وعليه، يحسن بنا أن نعلم شيئا عن فكر وعقل المرشح الرئاسي، ولا سيما أن عقيدته الإيمانية ستتقاطع طولا وعرضا مع كثير من القضايا السياسية حول العالم.

تعود قصة المورمونيين إلى عام 1805، وارتبطت باسم شخص يدعى جوزيف سميث في ذلك الوقت، أي مطلع القرن التاسع عشر، كما يخبرنا الباحث المصري الأستاذ رأفت زكي في كتابه القيم «المورمون.. صناع الآلهة»، كانت أميركا منتجة نوعية جديدة من البدع الدينية، وقد احتمى المبتدعون الجدد في الدستور الأميركي الذي يحمي حرية الفكر والاعتقاد، ولا يكبل الجمهورية الوليدة بدين ما للدولة، ولذلك انفتح الطريق على مصراعيه لحملة معتقدات غريبة، وتقاليد جديدة.

في هذا السياق كان مرض جوزيف سميث يقوده إلى مسلسل من الرؤى الأبوكريفية (المنحولة) وأولى تلك الرؤى حسب ابتداعه، أن الله، حاشا لله، أخبره ألا ينضم إلى أي كنيسة قائمة؛ لأن الجميع على خطأ، فلجأ إلى الله وسأله أن يطلعه على الحقيقة فبعث له بنور سماوي، تلاه ظهور ملاك اسمه «موروني» MORONI وأعلن له عن وجود كتاب مصنوع من ألواح من الذهب (هو كتاب الحق)، هذا الكتاب مدفون في الأرض في تل كومورا CUMORAT في مدينة مانشستر في إقليم أونتاريو الأميركي، يوجد به تاريخ خاص لسكان أميركا القدامى، وأنه سوف يعهد به لجوزيف ليجده ومعه زوج من النظارات البلورية التي ستساعده على حل رموزه.

هل كان جوزيف سميث بحسب شهادة معاصريه صاحب أي مسحة روحية حقيقية أم نبيا مزورا كذابا؟ بالاطلاع على أكثر من مرجع وموسوعة عالمية للوقوف على حقيقة سميث هذا، وبرواية ثلاثة من معاصريه الذين عاشوا معه، تبين لنا أن هذا الفتى قد نشأ في عائلة اشتهرت بالرذائل والإباحية والفسوق، وأن قصة «كتاب المورمون» بدأت باتصاله برجل يدعى سيدني روجر وقد كان كارزا متجولا مطرودا من سلك الإكليروس (رجال الدين الرسمي)، وقد ترك الكنيسة المعمدانية وسرعان ما سار على نهج عواطفه الخاصة.

والمخطوطة التي ادعى جوزيف سميث أنه وجد ألواحها ليست إلا نسخة مما كتبه أحد الوعاظ، وضمنه تاريخا وهميا للشعب الذي سكن أميركا في العصور الأولى، وقد تركها في مطبعة «باترسون» بتسبرغ، وكان سميث يتردد على تلك المطبعة فأخذ ما في المخطوطة وادعى، في ما بعد، أن ما أورده نقلا عن المخطوطة في كتابه الذي نشر هو «كتاب المورمون المقدس».

والمورمون هو اسم ملك يهودي عاش في أميركا كما يقول أتباعه نحو سنة 600 ق.م، وكتاب المورمون يوضح مصير ذلك الشعب الذي ذهب إلى أميركا في ذلك التاريخ.

وبحسب الرواية فقد أبلغ الملاك جوزيف سميث أنه في غضون أربع سنوات سيجد الكتاب، وأن عليه ترجمة نصوصه بمساعدة البلورتين الشفافتين، الموجودتين في إطار من الفضة، اللتين تسميان «أوريم» URIM و«توميم» THUMMIM، وأنه بواسطة هذا السحر الغريب سيتمكن من فهم الألواح، وبذلك يكون في استطاعته نسخ كل الكنائس بإنشاء الكنيسة الوحيدة الحقيقية (كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة).

وفي الوقت المعين، تقول الرواية، أخرج جوزيف سميث الألواح الذهبية والبلورات الشفافة التي بواسطتها تمت ترجمة الكتابة السرية العجيبة إلى الإنجليزية، وأملاها على مساعده الذي كان يقف خلف ستار.

ومن المثير أن سميث هذا حاول ربط ديانته الجديدة بالحضارة الفرعونية، فقد قال عن اللغة غير المعروفة إنها الهيروغليفية المصرية المصلحة، ولكن علماء المصريات قالوا إنهم لا يعرفون عنها شيئا عندما عرضها سميث عليهم، وتبين أن الموضوع كله خدعة.

والأكثر إثارة في رواية سميث، والأمر الذي يثبت عدم صحة مذهبه الإيماني، هو أن الألواح لم تعد قائمة؛ فقد ادعى أن الملاك (مورمون) مسحها وأخذها بعيدا مع البلورتين الشفافتين بمجرد أن أكملت الترجمة.

ماذا عن معتقدات ولاهوت المورمون؟

إن المتأمل قليلا في المورمون يكتشف فورا أن عقائدهم غير مسيحية بالمرة، فهم ينكرون معظم الحقائق الأساسية في الدين المسيحي، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

* يدعون أن جميع الحكومات غير شرعية، وأن لهم وحدهم الحق في إصدار القوانين للأفراد وللشعوب وتعيين الحكام والملوك، فملكوت الله يشمل ملكوت المورمون فقط، كما أنهم يرون أن الثروة للجماعة وأن عليهم أن يعملوا كل أسبوع يوما أو يومين لصالح الجماعة، وهذا ما يجعلهم يساعدون بعضهم البعض.

* تقع أميركا بالنسبة لهم في قلب أحداث نهاية الأيام إذ ينتظرون مجيء المسيح الثاني، ويتوقعون بناء أورشليم الجديدة في أميركا، إما في ميسوري وإما في يوتاه، كما يؤمنون بتجمع إسرائيل (الحرفي) واستعادة الأسباط العشرة، وأن المسيح سيملّك على الأرض من أميركا.

* عندما يذكر المورمون يتبادر إلى الذهن موضوع تعدد الزوجات وفسوق وإباحية جوزيف سميث، حيث احتضنت الحركة منذ بدايتها هذا التعدد، وعلى الرغم من أن «كتاب المورمون» يحظر تعدد الزوجات، فإنه بمرور الوقت، حين كثر أتباعه وأحس بالأمان، أعلن سميث أنه تلقى رؤية سماوية لا تسمح فقط بتعدد الزوجات بل تأمر به على الفور.

* ضمن تعاليم المورمون وحتى وقت قريب كان هناك حث على إبعاد وعزل الزنوج من الوظائف الكنسية، في كنيسة المورمون، وعندهم أن أصحاب الجلد الأسود ممنوعون من الدخول، سواء في الكهنوت الهاروني أو الخاص بملكي صادق.

* ومن أفكار المورمونيين الأشد غرابة تلك التي تدور حول عودة المسيح للأرض، فعندما يعود المسيح في «الملك الألفي» سينشئ مدينتين كمقر رئيسي له، الأولى في أورشليم، والأخرى في ميسوري، في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يدير شؤون مملكته الثيوقراطية (الروحية) فيجمع نسل إفرايم بن يوسف الصغير، ثم يجمع شمل اليهود من جميع أنحاء العالم ثم يصنفهم كالأسباط العشرة الباقية.

هنا يلاحظ القارئ محاولة الربط الواضحة بين العقيدة المورمونية وبين إسرائيل وأميركا من منطلق روحي يتجاوز السياسي، ويذكر في بند 10 من بنود الإيمان في «سفر موروني» (أحد أسفار كتاب المورمون) ما نصه «يتم التجمع الألفي حيث تكون الحالة النهائية لخلاص الجميع، وسيكون عملهم في التجمع الألفي مركزا على وعظ غير المؤمنين، حتى يرجعوا، ويتم بناء الهيكل»، هيكل سليمان، ثم التعميد من أجل الموتى، وفي أثناء الملك الألفي عندما يصل الإنسان إلى عمر 100 سنة من عمره يتحول إلى مرحلة الخلود، وبعد انقضاء الألف سنة يقوم الجميع مرة ثانية، وهناك تكون الدينونة وتتكون الممالك الآتية.

وعلى قدر أعمال الإنسان الصالحة في المورمونية ستتحدد مملكته بين ممالك المجد السماوي، فإما أن يذهب إلى المملكة السماوية على الأرض بعد إعادة تجديدها، وإما أن يمضي إلى المملكة الأرضية على كوكب آخر غير الأرض.

وفي البحث عن المورمون، كعقيدة ومذهب، تطرح علامة استفهام: هل هناك علاقة بين الماسونية والمورمونية؟

المشاهد أن أي مورموني لا يستطيع أن يتهرب من حقيقة أن معظم الرموز والممارسات المستخدمة في الطقوس المورمونية قد نقلت بالكامل من معبد الماسونيين، حيث يقول أحد معلميهم بالحرف الواحد: «في بداية عصر كنيسة المورمون انتظم كل من جوزيف سميث وكثير من قيادات المورمون في المحفل الماسوني في (نيو فيو الليفز)، وذلك في 15 مايو (أيار) 1842، وفي اليوم التالي مباشرة رقي إلى الدرجة 32 وهي درجة (السيد المهيب المبجل للأسرار الملكية) ونتج عن ذلك إثارة غضب وحفيظة عدد من رجال السلطة الماسونية؛ فاضطر الأستاذ الأعظم لذلك المحفل إلى سحب ذلك القرار، وطرد أكثر من 1500 من أعضاء المورمون من المحفل الماسوني، وفي الحال تأثرت طقوس وممارسات المعبد المورموني بما يجري في المعبد الماسوني».

ومن الطقوس المشتركة بين المورمون والماسونيين «العين التي ترى كل شيء، البوصلة، خلايا النحل، طقس استمرارية استخدام مصطلحات مثل القداسة للرب، رموز القمر، استخدام المربع، ورموز الشمس والنجوم، والعقوبات التي يوافق عليها تحت قسم دموي».

وعلى الرغم من وجود أتباع كثيرين لجوزيف سميث فإنه واجه كثيرا من السخرية والمعارضة، ثم تخلى عنه بعض أصدقائه المقربين وابتدأوا يكشفون أعماله غير الأخلاقية في الصحيفة التي تصدر في مدينة لافاييت سنة 1840م، فاستصدر سميث أمرا من مجلس المدينة بأن يدمر مكان طباعة الجريدة، فقام معارضوه بدورهم واشتكوه إلى حاكم الولاية، فقبض عليه هو وأخوه حيرام وبعض أتباعه، واستمر حبسهم إلى حين تقديمهم للمحاكمة التي لم تتم، إذ إن بعض الدهماء والغوغاء هاجموا السجن وقتلوا جوزيف سميث بالبنادق، في عام 1844. وموته بهذه الطريقة جعل أتباعه يعتبرونه شهيدا.

في ذلك الوقت تبعثر المورمونيون وكان عددهم يبلغ نحو عشرة آلاف عضو، فمنهم من تبعوا خليفته جراهام يونج والأغلبية انتظرت حتى كبر ابنه، وكان طفلا يحمل نفس اسم والده، وتم تنصيبه، حيث بدأ مرحلة الرؤى وأمكنه التنبؤ وإصدار التصريحات والتنبؤات. لقد حل محل والده في سنة 1860 باسم جوزيف سميث الثالث وتولى قيادة الطائفة المورمونية وعمره 27 سنة، وأضافت الطائفة التي اتبعته كلمة «المعاد تنظيمها» ليضحى اسم الطائفة المورمونية «المعاد تنظيمها لقديس الأيام الأخيرة»، وذلك تمييزا لها عن القطاع الموجود في يوتاه الذي شغل منصب الرئيس والنبي فيه جراهام يونج، حيث نبهت الطائفة مرة أخرى بعدم إضافة أو حذف أي من العقائد الأصلية التي أعلنت بواسطة الكنيسة عند تنظيمها سنة 1830 في نيويورك وتمركزت في ميسوري، وقد كان أعضاؤها في ذلك الوقت نحو مائتي ألف، لتمتد لاحقا إلى عدة دول خارج أميركا، وقد اتخذت تلك الطائفة شعارا مغايرا للمورمون عبارة عن كرة أرضية بيضاوية، تحمل الدائرة الوسطى فيها صورة المسيح يقف بين أسد رابض وحمل صغير أسفله كلمة «السلام».

وهناك عدة أهداف لهذه الطائفة المنشقة على المورمون، أعلنت في سنة 1966، وأعيد صياغتها في سنة 1973، أهمها المفهوم الخاص بالتجمع الصهيوني ودور العالم في ذلك، كما تشير الاهتمامات الأخرى إلى العمل الفردي في الكرازة، وتأكيد موقف الفرد، ونمو التفاهم العالمي.

ويؤمن أعضاء هذه الشعبة المورمونية المحدثة بأهمية دورهم في خدمة الإنسانية، ورؤيتهم ذات الأمل للمستقبل، كما تؤكدها فكرة «اليوتوبيا» أو (المدينة الفاضلة)، وكما تؤكدها فكرة التجمع الصهيوني لمستقبل جذاب ومثير ليهود العالم.

كيف يمكن للمرء قراءة توجه عقائدي يخلط بين الديني والسياسي، ويجعل من أورشليم قبلة، ومن واشنطن، موقعا وموضعا، قيادة روحية للعالم في الحال والاستقبال؟

ربما كان السؤال الأخطر: كيف يصبح حال العالم إذا قدر لمرشح مورموني أن يصل إلى سدة البيت الأبيض في بلد مصاب بتكافؤ الأضداد في الروح الواحدة؟

* كاتب مصري