الإسلام بعيون غربية.. من الحروب الصليبية إلى الحرب على الإرهاب

كتاب يناقش عادات الغرب في التفكير والكتابة عن الإسلام والمسلمين

غلاف الكتاب
TT

لا يزال الخطاب الغربي المعادي للإسلام، حيا ومؤثرا؛ حيث يشكل خطورة في العلاقة بين الشرق والغرب، كما تسبب في مضاعفة معاناة المسلمين في الغرب. وعلى الرغم من تزايد اندماج الغرب وانخراطه في المجتمعات المسلمة والصراعات والثقافات الإسلامية، فقد عجز عن فهم أو تحليل العالم الإسلامي، مما يهدد أي احتمال للتقارب بين الشرق والغرب. لقد فرض على الغرب العيش ولمدة ألف عام في عالم مليء بالأفكار والصور المعادية للمسلمين، الأمر الذي أدى لفشله في تكوين شراكة فاعلة ومثمرة مع العالم الإسلامي. وقد تمخض الخطاب المعادي للإسلام في دهاليز القرون الوسطى عن القانون الروماني وأروقة المحاكم الأوروبية الصليبية، وتم إتقانه في كثير من غرف الأخبار للشبكات الإعلامية حول العالم. ويحدد هذا الخطاب المعادي للإسلام ما يمكن وما لا يمكن أن يقال عن الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يجعل الغرب يتقوقع في سياسة خطيرة، تتجه نحو طريق نهايته مسدودة، لا قبل له بها.

ففي الكتاب الصادر حديثا عن مطبعة جامعة «كولومبيا» الأميركية بعنوان «الإسلام بعيون غربية: من الحروب الصليبية إلى الحرب على الإرهاب»، من 260 صفحة، من تأليف جوناثان ليونز، الحاصل على درجة الدكتوراه في الاجتماع، يكشف مؤلفه، النقاب عن عادات الغرب في التفكير والكتابة عن الإسلام، من خلال إجراء تحليل دقيق لمجموعة كبيرة جدا مما كتب في الغرب طوال فترة ألف عام، وقد لاحظ الآثار المدمرة للخطاب المعادي للإسلام على العلوم الاجتماعية، بما في ذلك علم الاجتماع والسياسة والفلسفة وعلم اللاهوت والعلاقات الدولية والدراسات الأمنية ومعارف حقوق الإنسان. كما تتبع تأثير هذا الخطاب على الأبحاث والخطب والاستراتيجيات السياسية وسياسة الحكومة، مما يعوق الغرب عن التصدي بفعالية للتحديات الأكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين، ومنها: ظهور قوى إسلامية، وظهور العنف الديني، والتوتر المتصاعد بين القيم الاجتماعية وحقوق الثقافات المتعددة بين السكان المهاجرين من المسلمين. فمن منظور الأركيولوجيا الفكرية لميشال فوكو، الفيلسوف الفرنسي البارز في القرن العشرين، استطاع ليونز أن يكشف خبايا كيفية عمل الخطاب المعادي للإسلام وتأثيره المباشر على الحياة السياسية والفكرية، ثم تناول بعد ذلك القضايا التي تثير اهتمام وقلق القارئ الغربي، ومنها: الإسلام والحداثة، والإسلام والعنف، والإسلام والمرأة، والإسلام والعلم، وينتهي بمجموعة من الاقتراحات لتبني طرقا جديدة للتفكير في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي.

يذكر أن ليونز، قد عمل لمدة 20 عاما كمراسل أجنبي ومحرر لوكالة الأنباء العالمية «رويترز»، قضى معظمها في بلدان العالم الإسلامي، وتتركز أبحاثه على التحولات المتقلبة بين الشرق والغرب، ومن بين أعماله: كتاب «بيت الحكمة: كيف أسس العرب لحضارة الغرب»، والذي تمت ترجمته إلى اللغة العربية. يقول ليونز، بأن الخطاب المتحجر والعقيم المعادي للإسلام، قد تم نشره من قبل جماعات وفرق مختلفة تعاقبت على مر القرون، من النخبة القادرة على تشكيل الرأي العام، الذين نصبوا أنفسهم على أنهم خبراء في الدين الإسلامي. والنتيجة الطبيعية لذلك، أن ساد بين كثير من الغربيين الاعتقاد بأن الإسلام بطبيعته دين عنف، وانتشر بحد السيف، وأن المسلمين غير عقلاء، وبالتالي فهم ضد العلم والتمدن، وتصويرهم بأنهم منحرفون جنسيا ويكرهون النساء، وفي عمل متمرد وثوري من المعرفة الفكرية، استخدم ليونز إزميلا لينهال على هذا الصرح القديم للخطاب المعادي للإسلام، ويحوله إلى فتات وبكل صبر يرمي به بعيدا، آملا في النهاية في القضاء على ما يعتبره عقبة رئيسية تحجب رؤية الغربيين من أن يروا الواقع الحقيقي لحياة الإسلام والمسلمين.

وقام ليونز في كتابه، بتطبيق نظرية فوكو، ليثبت للقراء أنه، عندما يتعلق الأمر بالخطاب المعادي للإسلام، فالخطاب لم يتغير كثيرا. حيث يشير إلى أن فوكو أراد أن تكون مؤلفاته بمثابة صندوق أدوات يمكن للآخرين أن ينقبوا فيه، ليعثروا على أداة لاستخدامها إذا ما رغبوا في زمانهم الخاص بهم.. فأنا (فوكو) لا أكتب لجمهور، بل أكتب لمستخدمين وليس فقط لقراء. وهذا هو بالضبط ما فعله ليونز في كتابه؛ حيث استخدم صندوق الأدوات لفوكو وأجاب على الأسئلة الثلاثة التالية: كيف بدأ الخطاب المعادي للإسلام؟ وكيف يعمل؟ ومن المستفيد من ذلك؟

ودائما ما تأخذنا موضوعات ليونز في كتابه، ذهابا وإيابا، بين الخطاب المعادي للإسلام في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، إلى اليوم، وتلك السنوات التي سبقت الحروب الصليبية الأولى؛ حيث أوجه التشابه مثيرة للدهشة. فالقرون التي تفصل ما بين هذين الحدثين الرمزيين لا يبدو أنها قد أدت إلى تآكل في اختيار الكلمات ولا فظاظة المفاهيم، فكل ما فعلته هذه السنوات هو جعل الفجوة أكثر اتساعا، وظل النقاش بسيطا وغير متطور، ومليء بالأساطير. وأكد ليونز على أن الخطاب المعادي للإسلام يتمحور بشدة حول الأفكار الرئيسية الثلاثة التالية: «الإسلام غير عقلاني، وعنفي بطبيعته لأنه انتشر بحد السيف، وتصوير المسلمين بأنهم منحرفون جنسيا»، ولهذا، فمساهمات المسلمين في مجالات العلوم كثيرا ما تم التقليل من شأنها وتجاهلها. فمثلا الإسهامات الرائعة لابن سينا، المعروف لدى الغرب باسم «أفيسينا»، في مجالي الطب والفلسفة، وكذلك أعمال الفيلسوف العظيم ابن رشد، والمعروف أيضا باسمه اللاتيني «أفيرويز»، ليست معروفة كثيرا بين القاعدة العريضة من السكان في الغرب. فعلى سبيل المثال، أصول الـصفر «siphr»، أو الرقم «Zero» ابتكره الرياضيون العرب، وكذلك مفهوم «الخوارزميات» والتي سميت بهذا نسبة إلى عالم الرياضيات المسلم «الخوارزمي»، جميعها غير معروفة للكثير من الطلاب في الغرب أكثر من معرفتهم للأصول اليونانية لنظرية فيثاغورس.

أما بالنسبة لموضوع العنف، نلاحظ أن الخطاب المعادي للإسلام يركز على فكرة «الجهاد»، وعلى سوء الفهم الذي تم الترويج له من خلال فكرة أن الإسلام انتشر بحد السيف. ويؤكد ليونز على أن «الجهاد» مفهوم معقد وليس له تعريف مجمع عليه، وذلك لأن كثيرا من المفكرين وعلماء الإسلام أعطوه كثيرا من المعاني، منها «الكفاح» و«الجهد». ويستمر ليونز في الحديث موضحا أنه لا يوجد نص قرآني يربط مفهوم «الـجهاد» بالفكرة المسيحية عن الحرب المقدسة، كما يعتقد البعض. ومع ذلك، فإن كلمة «الجهاد» تبقى واحدة من الكلمات المفضلة، التي يستخدمها كثير من النقاد في الغرب بغرض إقناع جمهور متوجس خيفة من فكرة أن الإسلام دين «عنف بطبيعته».

ومن بين الموضوعات الأخرى التي أولاها ليونز قسطا من التحقيق والتمحيص في كتابه، هي مسألة العلاقة بين الرجل والمرأة، لا سيما مكانة المرأة في الإسلام، فمفاهيم مثل «الحريم»؛ حيث لا يسمح للرجال أن يوجدوا حيث وجد النساء، تم تصويرها بشيء من الغرابة المضحكة. وذكر ليونز أيضا أنه منذ عهد الاستعمار في الشرق الأوسط، تم النظر إلى الحجاب أو النقاب على أنه رمز لاضطهاد المرأة، وما زال الاستعمار في تلك المناطق، فضلا عن غزوه اليوم لأفغانستان، يستخدم ببساطة نفس الزريعة والمبررات كوسيلة لتحرير المرأة المسلمة من «البرقع» وإرسال الفتيات الصغيرات إلى المدارس.

ولا يبالغ ليونز في عرضه للحقائق، كما لا يستخدمها للترويج لأفكاره وآرائه، وكتابه هو دعوة إلى الموضوعية والعقل والمعرفة في عالم تهيمن عليه أكثر وأكثر الإثارة والحساسية والرسائل الجوفاء. لقد استطاع ليونز بشجاعة كافية، ومجهزا بأدوات فوكو، السباحة ضد التيار، ليقدم تحليلا صادقا للخطاب المعادي للإسلام في الماضي والحاضر، وتمكن من عكس كل هذه الصور النمطية القائمة منذ عدة قرون، وهو بذلك يحث الغرب على إجراء فحص ذاتي دقيق من خلال التخلي عن إصدار أحكام مسبقة والدخول في حوار حقيقي وصادق بين الثقافات مع الذين يخشونهم ويسمونهم باسم «الآخر». وعلى غلاف كتاب «الإسلام بعيون غربية» يقول البروفسور جون إسبوسيتو أستاذ الأديان والشؤون الدولية والدراسات الإسلامية في جامعة «جورج تاون» الأميركية، ومؤلف كتاب «ما الذي يحتاج أن يعرفه كل فرد عن الإسلام؟»: «يعد كتاب ليونز من الدرجة الأولى كتابا مهما في مجاله، فهو أصيل، وذو قيمة عالية، ويعتبر مساهمة جاءت في وقت مناسب جدا، وعلى الرغم من أهمية الموضوع الذي تناوله، وبخاصة في الوقت الحالي، لا يمكنني أن أذكر دراسة أخرى قدمت تحليلا شاملا ومقنعا وأكثر جذبا وتفاعلا».