علماء ومفكرون مغاربة يدعون إلى طرح «تجريم» الإساءة للأديان على الجمعية العامة للأمم المتحدة

قالوا في تصريحات لـ «الشرق الأوسط»: العالم بات يشهد «حقدا وكراهية» عابرين للحدود

متظاهرون مغاربة غاضبون من الإساءة للرسول اختاروا طريقة سلمية للتعبير عن غضبهم («الشرق الأوسط»)
TT

دعا أساتذة وعلماء مغاربة إلى ضرورة توحيد الجهود بين الدول العربية والإسلامية للدفع من أجل استصدار قرار من الأمم المتحدة يجرم الإساءة إلى الأديان ورموزها، ويعمل على احترام وتقدير الأديان والأنبياء، والمطالبة بتوافق دولي يدعم السلام بين مكونات المجتمع الدولي ويعكس الحوار بين الحضارات القائم على التسامح والتعايش، مشددين على التصدي لهذه الأعمال المستفزة والمثيرة للفتن والنعرات الدينية لكي لا تتكرر.

وفي هذا السياق، أكد مصطفى بن حمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى في المغرب رئيس المجلس العلمي بمدينة وجدة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإساءة إلى الأديان تشكل خطرا يهدد السلم بين الشعوب، ذلك أن جميع الديانات لها أنصار يتحمسون لها»، موضحا أن الإسلام يتخذ مكانه الآن في العالم والناس يقبلون عليه، وأشار إلى أن هذا ما يثير البعض، مثل اليمين المتطرف، لشن هجمات الازدراء والإساءة له، لأن الإسلام عندهم مرتبط بالتوجه العنصري ويهدد مقومات الحضارة الغربية. ويرى بن حمزة أن ذلك يبرز الصراع الحضاري القائم، ومن وجهة نظره فإنه «على الرغم من الحديث عن حوار الحضارات فإن هذه التجليات الآن تفرز نزعة صارت معروفة في العالم، يجب التعامل معها بما يجب من الذكاء والحنكة، ولا بد من الاعتراف بأن هناك مكاسب للإسلام لا يجب أن تضيع، ذلك أن الإسلام دين الحوار والتسامح مع الجميع، وعلى المسلمين الحفاظ على النموذج الذي يمثل معنى التعايش والتسامح عبر تكوين ثقافة إسلامية متينة وعدم الوقوع في الاستفزاز واللجوء إلى العنف». وبشأن إصدار قرار دولي يجرم الإساءة إلى الأديان، أشار بن حمزة إلى أن موقع الدول الإسلامية في المحافل الدولية ليس قويا، وأنها لا تملك القرار، كما أنها في القضايا الحاسمة تواجه دائما بحق النقض (الفيتو) وغير ذلك، مؤكدا أن المطلوب اليوم هو الاستجابة دوليا لتجريم الإساءة إلى الأديان. وقال إنه من الطبيعي أن تشعر الدول الإسلامية بعد تكرار محاولات الإساءة إلى الدين الإسلامي بضرورة إيجاد هذا القانون وتفعيله.

واعتبر بن حمزة أن ردود الفعل التي كانت عنيفة في بعض الدول ضد الأجانب، والتي خلفت ضحايا، لا يجب أن تعتبر إساءة للدين الإسلامي، لأن ردود الفعل تلك لم تصدر عن النخبة أو العلماء أو المؤسسات، وإنما هم أناس من العامة كان لهم رد فعل ضد الاستفزازات، موضحا أنه لا يمكن ضبط جميع الناس على الرغم من المحاولات الكثيرة لتجنب ذلك. ومضى يقول «إن المشكلة يجب أن تزول من أصلها، وبالتالي لا يبقى استفزاز ولا تجاوب مع الاستفزاز».

يذكر أن المجلس العلمي الأعلى في المغرب كان قد أصدر بيانا عبر فيه عن استنكاره الشديد للفيلم الذي يهدف إلى الإساءة لشخص الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وإلى تحريف مضمون الإسلام، معتبرا أن «هذا الفعل الشنيع يدل على المكر وإرادة الفتنة، وعلى تجاهل المسؤولية الإنسانية التي تلزم جميع الأفراد والشعوب باحترام الديانات والمعتقدات والأفكار».

وقال تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي والخبير في العلاقات الدولية، لـ«الشرق الأوسط»، إن القوانين الداخلية في عدد من البلدان تعاقب على تحقير الأديان أو الإساءة إلى الأنبياء، وقال «في المغرب على سبيل المثال يتضمن القانون الجنائي عقوبات واضحة بالنسبة لموضوع الإساءة إلى الأديان، لأن المغرب يعتبر أن الدين الإسلامي هو دين دولة، والملك هو أمير المؤمنين، وبالتالي سواء على مستوى الدستور الذي يعتبر أن الدين من المقدسات وكذلك على مستوى القانون الجنائي فإن أي خرق لحرمة الدين يعتبر عملا يعاقب عليه القانون».

يذكر أن المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء أصدرت أخيرا حكما نافذا بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية، في حق متهم بازدراء الدين الإسلامي، حيث رصدت خلية للأمن في يوليو (تموز) الماضي نشره لصور مسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) على موقع للتواصل الاجتماعي، وقد تمت مصادرة حاسوب الشخص المتهم وإتلاف الصور وباقي المحتويات.

ومن جهة أخرى، ذكر الحسيني أن الإشكالية المطروحة اليوم هي أن عددا من الدول الغربية تعتبر هذه الإساءات تدخلا في إطار حرية التعبير، ذلك أنه بعد نشر الرسوم الأخيرة المسيئة إلى النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) في إحدى المجلات الأسبوعية الفرنسية، اتصل المجلس الوطني للديانة الإسلامية في فرنسا بوزير الداخلية الفرنسي داعيا إياه لمنع صدور هذه الرسومات، إلا أنه رفض الاستجابة، متمسكا بأن الأمر يتعلق بحرية التعبير، وأنه على من يعتبر أن في تلك الإساءة مساسا به أن يتوجه إلى القضاء لتبقى له الكلمة الفصل.

ويعتبر الحسيني أن هذا النوع من المواقف متناقض مع ما تتخذه هذه البلدان تجاه ممارسات أخرى مثل معاداة السامية، حيث إن كل معاداة للسامية أو إنكار لوجود المحرقة من طرف النازية ضد اليهود يعتبر عملا يعاقب عليه القانون، على الرغم من أنه لا يشكل مساسا بالأديان أو بحرمة الأنبياء ولا بنوع من القداسة.

ويرى الدكتور الحسيني أن هذه هي الفرصة التي يمكن فيها للمجموعة الإسلامية التي تشكل نحو مليار ونصف المليار من المجموعة البشرية (الدول الإسلامية وعددها نحو 56 دولة)، أن تتحرك بقوة عبر مؤسساتها خاصة منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الإيسيسكو اللتين تقع على عاتقهما إدارة هذه العملية، ويمكنها لهذه المجموعة حتى داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي لجنة تدوين القانون الدولي، أن تتخذ التدابير الضرورية من أجل وضع مسودة بخصوص تجريم المساس بالأديان وبحرمة الأنبياء، وأن يتم إدماج هذه المقتضيات بعد المصادقة عليها دوليا في القوانين الداخلية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وكانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) دعت إلى مقاضاة المسيئين للإسلام ورسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) في المحاكم الدولية، وتفعيل القرار الأممي المناهض للإساءة للأديان، عقب تنظيمها لمائدة مستديرة بمدينة شفشاون (شمال المغرب)، حول الفيلم المسيء للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، حيث دعا الخبراء المشاركون إلى التعامل مع الإنتاجات الإعلامية المسيئة للإسلام ورموزه الدينية بأسلوب علمي قائم على الحكمة والتبصر، والابتعاد عن ردود الفعل المتشنجة، واللجوء إلى المحاكم الدولية لمقاضاة الأفراد والمؤسسات التي تعمل على تأجيج الكراهية والعنصرية ضد الدين الإسلامي ومعتنقيه، والإساءة إلى رموزه المقدسة.

وأكد المشاركون ضرورة تنسيق الجهود بين المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية من أجل تفعيل قرار أممي يجرم تشويه صورة الأديان. كما أدانوا اغتيال الأفراد وتخريب المنشآت والمقرات الدبلوماسية للدول الغربية في دول العالم الإسلامي، داعين إلى ضرورة عناية المخرجين والمنتجين السينمائيين في العالم الإسلامي بالمواضيع المدافعة عن الهوية الثقافية الإسلامية والمعرِّفة بالقيم الإسلامية السمحة والأخلاق النبيلة للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).

وقال تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية، إن هناك في الغرب، خاصة الولايات المتحدة، ما يسمى بـ«اليمين المحافظ» الذي مثلته عدة قوى خاصة في عهد الرئيس السابق جورج بوش، موضحا أن هذا اليمين كان له عدو هو الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي سابقا، ومع اختفاء هذا العدو بدا واضحا، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ظهور صراع جديد بين الحضارات، وشعار يقول إن الحضارة الإسلامية ستهدد الغرب في المستقبل، حيث يربط هؤلاء الحضارة الإسلامية بالإرهاب، وينشرون «الإسلاموفوبيا» في البلدان الغربية، ودخلوا في صراع ضد المهاجرين المسلمين الذين يقيمون في هذه البلدان.

وأكد الحسيني أن المسألة ليست مجرد صراع بطبيعة ترتبط بحقوق الإنسان وبالدين، لكنها ذات نكهة سياسية، وهي نموذج جديد للصراع في المجتمع الدولي الذي سيكون بالأساس حضاريا وثقافيا، وسيكون ضد الإسلام باعتباره دينا مغايرا للسلوكيات التي تحالفت بخصوصها اليهودية والمسيحية.

ويرى محمد غالي، أستاذ القانون والعلوم السياسية، أن ميثاق الأمم المتحدة يجرم الإساءة إلى الأديان، ذلك أنه ينص على الأمن والسلم بين الشعوب، مشيرا إلى أن ديباجته تتضمن بصريح العبارة تعهد شعوب العالم بإشاعة الأمن والسلم إلى غير ذلك. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مفهوم السلم لم يعد ذلك المفهوم التقليدي المتعلق باستعمال السلاح أو الهجوم بالطائرات أو اعتداء دولة على أخرى، إلى غير ذلك، وإنما مرتبط أيضا بالأمن المعنوي والروحي، موضحا أن «العالم اليوم يشهد ما يسمى بالحقد والكراهية العابرين للحدود، وهو الأمر الناتج عن الإساءة إلى الأديان، حيث لا تزال ردود الفعل بمختلف أشكالها متواصلة، فبالإضافة إلى الإدانة والاستنكار والاحتجاجات السلمية والعنيفة، هناك أيضا إغلاق مجموعة من السفارات، والتنبيه باتخاذ الحيطة والحذر من طرف رعايا الدول الأجنبية في العديد من الدول الإسلامية، وهو أمر فيه ترهيب وتهديد للأمن والسلم، وسببه تلك الإساءات إلى الأديان التي تعتبر إشاعة للحقد والكراهية، مما يستدعي تدبير قانون يحمي الأمن الروحي وكل مكونات الأمن والسلم في العالم».

وأبرز غالي صعوبة إقرار قانون دولي يجرم الإساءة إلى الأديان، موضحا أن ذلك سيخلق مشكلة لدى الدول العلمانية التي تعتبر أن الدين هو دين مدني لا يجب أن يكون مقدسا أو له اهتمام على المستوى العام.

يذكر أنه على الرغم مما أثاره الفيلم الأميركي المسيء للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) الذي يحمل عنوان «براءة المسلمين»، من ردود فعل عارمة في العديد من الدول العربية والإسلامية خلفت قتلى وجرحى وأعمال شغب، يعتقد علماء ومفكرون مغاربة أن مسلسل الإساءة إلى الأديان سيظل مستمرا، بعدما نشرت مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية رسوما كاريكاتيرية لا تزال تفاعلاتها مستمرة.