الحطيم

صالح المغامسي

TT

من الأبيات الخالدة في ذاكرة الأمة الأدبية، قول الفرزدق يمدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي، رضوان الله عليه وعلى آبائه:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم إلى أن قال:

يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم فمفردة «الحطيم» مفردة شائعة عند المحدثين والفقهاء والأدباء والعامة تتعلق بالبيت العتيق.

قال العلماء: «واختلف في الحطيم على أقوال:

أحدها: أنه ما بين الركن والباب وهو الملتزم.

والثاني: أنه جدار الحجر، لأن البيت رفع وترك هذا الجدار محطوما.

والثالث: أنه الحجر نفسه».

قال شيخنا أبو محمد بيبا بن فاليل الشنقيطي، رحمه الله، وهو الصحيح، وهو الذي ذكره البخاري في صحيحه واحتج عليه بحديث الإسراء قال: «بينما أنا نائم في الحطيم، وربما قال في الحجر، وهو حطيم بمعنى محطوم، وقيل لأن العرب كانت تطرح فيه من الثياب فتبقى حتى تنحطم بطول الزمان، فيكون فعيلا بمعنى فاعل».

وعن ابن جريج قال: «الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر».

وسمي هذا الموضع حطيما لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان، ويستجاب فيه الدعاء للمظلوم على الظالم، فقل من دعا هنالك على ظالم إلا أهلك، وقل من حلف هناك آثما إلا عجلت له العقوبة».

قالوا: «وكان ذلك يحجز الناس عن المظالم، ويتهيب الناس الأيمان هنالك، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله بالإسلام، فأخر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة».

وقد روى الأزرقي في أخبار مكة قال: «حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله، عنه يسأل رجلا من بني سليم عن ذهاب بصره، فقال يا أمير المؤمنين كنا بني ضبعاء عشرة، وكان لنا ابن عم فكنا نظلمه ونضطهده، وكان يذكرنا الله والرحم أن لا نظلمه، وكنا أهل جاهلية نرتكب كل الأمور، فلما رأى ابن عمنا أنا لا نكف عنه ولا نرد إليه ظلامته، أمهل حتى إذا دخلت الأشهر الحرم، انتهى إلى الحرم فجعل يرفع يديه إلى الله تعالى ويقول:

اللهم أدعوك دعاء جاهدا اقتل بني الضبعاء إلا واحدا ثم اضرب الرجل فذره قاعدا أعمى إذا ما قيد عني القائدا فمات إخوة لي في تسعة أشهر، في كل شهر واحد، وبقيت أنا فعميت، ورمى الله في رجلي وكمهت فليس يلائمني قائد».

قال ابن عباس: «فسمعت عمر بن الخطاب يقول: «سبحان الله، إن هذا لهو العجب».

ومن ذلك كله يعلم عظمة هذا البيت وما حوله، وما يكون عنده من طواف وصلوات ودعاء، فطوبى لمن قصده يريد بذلك وجه ربه ورضا خالقه، وصدق الله إذ يقول: «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس».