مصر: مؤتمر عالمي للوسطية يوصي بمشروع نهضوي يواجه واقع المجتمعات العربية

المشاركون طالبوا بمواجهة الفكر التكفيري بإشاعة فقه الائتلاف والبعد عن التعصب

جانب من المشاركين في المؤتمر الدولي «الإسلاميون.. وتحدي السلطة» بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

أوصى المشاركون في فعاليات المؤتمر الدولي «الإسلاميون.. وتحدي السلطة»، في ختام اجتماعاتهم بالقاهرة بضرورة وضع مشروع نهضوي ينطلق من الواقع الحقيقي الذي تعيشه المجتمعات العربية، مطالبين بإشاعة فقه الائتلاف بين كيانات الأمة ومكوناتها المختلفة، وذلك باستدعاء المشتركات الدينية والوطنية والإنسانية، واستبعاد الأمور الخلافية، ودعوة علماء الأمة لعقد المزيد من الدراسات والمؤتمرات التي ترسم خريطة الثوابت والمتغيرات.

وبعد يومين من البحث والنقاش، نبه حضور المؤتمر، الذي انتهت فعالياته مؤخرا، إلى «ضرورة تأكيد مفهوم المواطنة القائم على العدالة والمساواة، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب، وطمأنة مسيحيي الشرق بأن التحولات الجارية في المنطقة ووصول الإسلاميين للسلطة مدعاة للحفاظ على حقوقهم التاريخية كجزء أصيل من الأمة العربية»، مشددين على «ضرورة دعوة الشيعة في العالم العربي إلى الحوار حول المشتركات لبلورة خطاب عربي يقلل الفجوة بين السنة والشيعة».

ودعا المؤتمر القوى الإسلامية المختلفة إلى العمل على مواجهة الفكر المتطرف والتكفيري، وذلك بتضافر الجهود من أجل تجفيف منابع التكفير وفتح منابع التفكير، مؤكدين أن «العلاقة العضوية التي تربط العروبة بالإسلام على اعتبار أن الأمة العربية هي معدن الإسلام وأصله»، كما أكدوا أهمية «بلورة خطاب عربي إسلامي موحد توافقي من شأنه تجميع قوى الأمة الحية من خلال برنامج واقعي سياسيا واجتماعيا وثقافيا ينتقل بالأمة نحو حالة أوعى وأرقى في معايير التقدم».

واختتمت في القاهرة مؤخرا فعاليات مؤتمر «الإسلاميون.. وتحدي السلطة»، الذي استمر لمدة يومين ونظمه «المنتدى العالمي للوسطية» بحضور الدكتور طلعت عفيفي، وزير الأوقاف المصري، الذي افتتح أعمال المؤتمر، وشارك في فعالياته شخصيات فكرية وسياسية وإسلامية من تركيا والأردن واليمن وتونس والكويت، بهدف طرح الرؤى الإسلامية في ظل الأحداث الراهنة في دول الربيع العربي وموقف الحركات الإسلامية من المعارضة السياسية والفكرية، بالإضافة إلى طرح رؤية انتقال الإسلاميين من فكر الدعوة إلى مفهوم الدولة.

وأكد الدكتور طلعت عفيفي في كلمته التي ألقاها، أن «تقدم الأمة الإسلامية وريادتها مرهونان بالوسطية وتحقيقها، خاصة في المرحلة الحالية التي يوجد فيها الإسلاميون في السلطة الآن بأغلب الدول»، مشيرا إلى أن الإسلام لم يدع جانبا من الجوانب إلا واتخذ الوسطية فيها.

وقال مروان الفاعوري، الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية بالأردن، إن «الفهم المعتدل للإسلام الذي ينبع من القرآن والسنة النبوية، قادر على أن يجمع المسلمين بعيدا عن الانشقاقات المذهبية والتعصب الأعمى».

وأوضح الفاعوري، أن «هناك عدة تحديات يتوجب على الإسلاميين القيام بها بعد وصولهم إلى السلطة، منها أن ينتقلوا من الدعوة والجماعة إلى الدولة»، لافتا إلى أنه «في الجماعة تستطيع أن تطرد المعارض ولا تستطيع ذلك في الدولة، وأن هذا الانتقال أخطر ما تواجهه دول الربيع العربي، وأنه يجب على الإسلاميين تقديم نموذج حسن للحوار مع شركاء الوطن من كل الفئات والتيارات، وأن يبتعدوا عن الاستعلاء والتعصب».

وأكد الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي بالجماعة الإسلامية في مصر «ضرورة أن يقدم الإسلاميون نموذجا حسنا للحوار مع كل الفئات والتيارات الأخرى». وتابع قائلا: «يجب على الحركات الإسلامية أن تنزل من عالم النظرية إلى عالم التطبيق، ومن دنيا الشعارات إلى عالم الواقع».

وأضاف الدكتور إبراهيم: «علينا في المرحلة المقبلة أن نهتم بفقه الدولة والفقه السياسي كما اهتممنا من قبل بفقه العبادات والدعوة، وأن نحترم لغة الحوار ونبتعد عن التعصب والاستعلاء أو الشعور الكاذب بالنشوة». وتابع: «هذا وقت التواضع للناس والانكسار لله، وأن نكرر تجربة الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع أهل مكة الذين فعلوا معه الأفاعيل».

وأشار الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، مستشار الرئيس المصري، إلى أهمية الوسطية في العالم العربي والإسلامي، مشيرا إلى أن التعددية الإسلامية في الفكر السياسي الإسلامي ليست حكرا على أحد.

وتحدث الدكتور عبد الفتاح مورو، أحد مؤسسي حركة النهضة بتونس، قائلا: «يجب أن نسقط خطاب العنف ونبحث عن بدائل سلمية أخرى، فعندما جربنا خروج الشعوب العربية في المظاهرات السلمية فقد أسقطت أنظمة سلطوية ديكتاتورية دون استخدام العنف». وتابع: «أثق أنه إذا خرج الملايين من العالم العربي وطالبوا بطريقة سلمية بتحرير فلسطين، فلن تقف أمامهم إسرائيل وأتوقع أنه خلال خمسين عاما على الأكثر سيتم تحرير الأراضي الفلسطينية».

وأضاف مورو: «إن المنحنى الإسلامي في عهد الرسول الكريم كان في تصاعد، ثم ثبت بعد وفاته، ثم انحدر لفترة طويلة، وبدأ منذ ثورات الربيع العربي في الصعود مرة أخرى، لذلك يجب علينا جميعا أن نتكاتف حتى نعمل على صعود المنحنى مرة أخرى».

ودعا مورو، التيار الإسلامي إلى أن يفتحوا آفاقا للأمة وألا يكونوا رهينة حدث يردون عليه، قائلا: «إن التيار الإسلامي يواجه مصير أمته بعد أن كان يتعلل بأن ما يحول بينهم وبين الإسلام هو الحاكم الظالم المستبد، والآن ذهب الحكام الظالمون ووجد التيار الإسلامي نفسه أمام شعبه رأسا لرأس»، موجها أسئلة للتيار الإسلامي قال فيها: «أجئتم تحكمون الناس أم تحكمون لصالح الناس؟ فأنتم لستم حكام شعوبكم؛ بل أنتم حكام لصالح شعوبكم»، مؤكدا أن التيار الإسلامي جاء ليخدم الشعوب.

من جهته، قال الدكتور محمد طلابي، رئيس المنتدى العالمي للوسطية بالمغرب: «إننا لسنا ضد العقلانية ولسنا ضد الغرب ولسنا ضد الرأسمالية، والربيع العربي فتح بابا تاريخيا للتصالح بين الإسلاميين والعلمانيين»، لافتا إلى «ضرورة التزاوج بين الإسلام وقيم الحداثة النبيلة»، مشيرا إلى أنه «من ضمن المهام التاريخية للحركة الإسلامية التي وصلت للسلطة، أحداث المصالحة الوطنية في دولة ديمقراطية مدنية تتداول فيها السلطة».

وأضاف طلابي: «إن التنوع للوصول إلى السلطة سيكون بين الأحزاب الإسلامية كما هو الحال بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري في أميركا»، موضحا أن «الديمقراطية والتاريخ البشري عرفا أربعة أشكال للدولة هي الدينية والعلمانية والإسلامية والمدنية، وأن الدولة الدينية تعني تبعية السياسة للدين والحاكم مؤله ومقدس، وهذا موجود في الفاتيكان وإيران».

وشدد رئيس المنتدى العالمي للوسطية بالمغرب، على ضرورة تنفيذ المشروع الديمقراطي، مشيرا إلى أن تعطيله هو تعطيل للمشروع الإسلامي.

وطالب الدكتور سمير حبشنة، وزير الثقافة الأردني، بإعادة مشروع الأمن القومي العربي، وقال إن «الأمة العربية في اللحظة الراهنة تعاني من إشكاليات كبيرة، ومرحلة الربيع العربي هي مرحلة تضافر لكل الجهود على مستوى الأمة الإسلامية والعربية».

وندد الدكتور حبشنة بتحول المنطقة العربية إلى مشهد تتنافس وتتصارع حوله غالبية القوى الإقليمية والدولية، وقال إن «الأمة العربية أصبح لا حول لها ولا قوة تجاه الأطماع الخارجية التي تفتك بها»، ملمحا إلى أن «سوريا أصبح حالها لا يرثى له نتيجة تلك الاستقطابات الخارجية التي حولتها إلى المشهد الحالي من قتل وتدمير».