الكنيسة الأسقفية البريطانية والأزهر: الحوار بين الأديان لا يمس العقائد

لقاء سنوي يستهدف التعايش لإعلاء القيم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين

جانب من اجتماع اللجنة المشتركة للحوار بين الأزهر في مصر والكنيسة الأسقفية في بريطانيا («الشرق الأوسط»)
TT

أكدت اللجنة المشتركة للحوار بين الأزهر في مصر والكنيسة الأسقفية (الإنجيليكانية) في بريطانيا، أن الحوار بين الأديان لا يمس العقائد، وإنما يسلم كل طرف للآخر بعقيدته وفقا لمبدأ «لكم دينكم ولي دين»، مع المناقشة بالحكمة والموعظة الحسنة، لإعلاء قيم الحق والعدل والعلم والتقدم والسلام العادل وترسيخ مبادئ المواطنة والعمل على رفعة شأن الوطن وتحقيق الازدهار والتقدم للشعوب.

وطالبت اللجنة المشتركة في ختام اجتماعاتها بالقاهرة الأربعاء الماضي، الأزهر بضرورة تعديل بعض بنود اتفاقية الحوار التي أبرمت منذ عشر سنوات بين الأزهر ورئيس أساقفة كانتربري في يناير (كانون الثاني) عام 2002 بقصر لامبث لندن، بالمملكة المتحدة، تماشيا مع ما حدث من تطورات على الساحة المصرية والعالمية من أجل إجراء تعديل لهذه الاتفاقية.

وفي لقاء سنوي يهدف إلى التفاهم والتعايش لإعلاء القيم المشتركة بين أهل الأديان، عقدت اللجنة المشتركة للحوار بين الأزهر الشريف والكنيسة الأسقفية اجتماعها الدوري في مقر مشيخة الأزهر بالقاهرة، بحضور المطران داتك بولي لابوك رئيس أساقفة جنوب شرقي آسيا، والقس توبي هوارث مساعد رئيس أساقفة كانتربري للحوار، والقس رانا يواب خان مساعد رئيس أساقفة كانتربري للحوار، وسو بارك مساعد رئيس أساقفة كانتربري للحوار.

وبينما قدمت الكنيسة الأسقفية (الإنجيليكانية) ورقة بحثية حول مفهوم المواطنة في المسيحية، ومسؤوليات المواطن في التعليم المسيحي، وحقوق المواطنة في الكتاب المقدس، ومسؤوليات المواطن المسيحي في العالم الإسلامي اليوم، ومسؤوليات الدولة لضمان حقوق المواطنة، والسياق العام للحوار في مصر، والخبرات الإيجابية في أماكن مختلفة من العالم مثل باكستان وماليزيا والمملكة المتحدة - قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن «علاقة الإسلام بالأديان مثل علاقة الأخ الشقيق بباقي الأشقاء»، موضحا أن فلسفة الإسلام تؤكد أن كل الرسالات السماوية تصب في مجرى واحد وهو «عبادة الله».

وعلى هامش الاجتماع، تمت مناقشة الأبحاث المقدمة التي تعرضت للفجوة بين المستوى الذي تقره الأديان للمواطنة والممارسة على أرض الواقع. وأشار الدكتور الطيب إلى أن «الإسلام خص المسيحية والمسيحيين بمودة خاصة، ولم يسجل التاريخ أي صراع بين المسلمين والمسيحيين في الشرق؛ مما يدل على علاقة المودة والمحبة، وحوار اليوم خير دليل على امتداد هذا الأسلوب الراقي الذي سار عليه الإسلام»، مؤكدا أن «الاختلاف والتنوع بين البشر في ألسنتهم وألوانهم وعقائدهم، إرادة إلهية يؤكدها القرآن الكريم، الذي يدعو إلى التعارف بين البشر لإقرار السلام العادل وتعمير الأرض».

من جانبه، قال الدكتور محمود عزب، مستشار شيخ الأزهر للحوار، إن «للوطن في نظر الإسلام مكانة رفيعة؛ فالأرض عموما وطن الإنسان، وهو مأمور بإعمارها وبنائها وصيانتها والحفاظ على الطبيعة والإفادة منها بأحسن الوسائل والرفق بها، فهو لا يقهر الطبيعة وإنما يأنسها، فالمجتمع الإنساني كله يعيش في وطن هو الأرض كلها، وأعلى درجات المواطنة هو أن يعد الفرد مواطنا عالميا ينتمي إلى الإنسانية كلها».

وأضاف الدكتور عزب، أنه «قد تتنوع الأديان والمذاهب والأفكار في الوطن الواحد، ولا بد أن يعد ذلك عنصر ثراء وغنى وتمدن، فمن الخطأ الفادح والخلط الشائن أن يوضع الوطن والمواطنة والوطنية في مواجهة الدين، وأن يفرض على الإنسان الفرد أو الجماعة الاختيار بينهما، إنما هما متماسكان ومتداخلان، فنحن في مصر مثلا مصريو المولد والوطن، عربيو اللغة، إسلاميو العقيدة أو مسيحيو العقيدة، وتتعدد دوائر الانتماءات وتتلاحم وتتكامل ولا تتضارب، والإنسان مأمور بالحفاظ على تلك الدوائر كلها والإخلاص لها، وكانت مصر نموذجا للتراكم والتكامل والتداخل بين الثقافات والأديان، لم تتصارع ولم تتصادم، ولم تعرف حربا دينية ولا مذهبية كتلك الحروب التي حدثت في غيرها من البلاد في أوروبا وغيرها».

وقال المفكر الإسلامي محمد شامة أستاذ العلوم الإسلامية باللغة الألمانية بجامعة الأزهر، إن «وثيقة المدنية التي أصدرها الأزهر الشريف عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 مثال واضح للتعايش السلمي بين الأعراق والأجناس المختلفة ونموذج فريد للقوانين الدولية التي تدعو للمواطنة بالدول المختلفة، وصيغة مثلى للتفاهم بين الشعوب على مستوى الإنسانية». وتابع: «الوثيقة أرست مبادئ تأخر ظهورها في الغرب قرونا، فلا يحق لأحد أن يدعي أن الإسلام لا يعترف بالمواطنة أو أن الدولة الحديثة بمساواتها بين المواطنين، مسلمين وغير مسلمين، تتناقض مع الحكم الإسلامي، وأن أسس تعامل الحكومة الإسلامية مع رعاياها يختلف عن قواعد الحكم في العالم المعاصر، فتحت ظلها يتمتع كل مواطن بالحرية في عقيدته وكل مناحي حياته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يتفق عليها المواطنون وتلبي قواعد وتعاليم كل دين».

من جهته، قال الدكتور منير حنا، مطران الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي: «إننا نؤمن بأن مسؤوليات المواطن تجاه وطنه لا تختلف لكونه مسيحيا أو مسلما، ولا تختلف باختلاف الموطن، فالمواطن عليه أن يحب وطنه ويعمل من أجل تقدمه والدفاع عنه وأن يمارس حقوقه المشروعة كمواطن كامل؛ إلا أننا اليوم أمام ظاهرة لم تكن موجودة في القرون الماضية وهي شعور المواطن بالاغتراب عن الوطن الذي ولد فيه أو الذي اختار أن يعيش فيه».

وأضاف الدكتور حنا، أن «هناك عوامل مختلفة تؤدي إلى الأحاسيس بالغربة؛ منها: الإحساس بتمييز المجتمع بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو الوضع الاجتماعي، وظاهرة الاغتراب هذه تزداد بازدياد انقسام المجتمع إلى تيارات مختلفة أو إلى أغلبية وأقلية وانتشار روح القبلية والتعصب، وهذه الظاهرة تحبط الانتماء إلى الوطن؛ ومن ثم تضعف الروح الوطنية التي بها يقوم المواطن بمسؤولياته ويمارس حقوقه بإيجابية وحماس، ولقد حدث ذلك من بعض مواطني أميركا من الأصل الأفريقي، والأوروبيين من الأصل العربي والإسلامي، والإسرائيليين من الأصل الفلسطيني والمسيحيين العرب، ولا يمكن لي أن أعمم هذه الظاهرة؛ ولكني أوضح أنها ظاهرة موجودة ومتزايدة وتؤدي أحيانا إلى هجرة الوطن».

وأضاف حنا أن «تحقيق العدل والمساواة هما من أهم مسؤوليات الدول لضمان حقوق المواطنة، ولتحقيق ذلك يجب على الدول أن تضمن أن يكون دستورها ضامنا لحقوق جميع المواطنين بصرف النظر عن كونهم أغلبية أو أقلية، وتجريم التمييز بين المواطنين بكل الصور، وتطبيق القانون إذا ما ثبت وجود تمييز بين المواطنين، والعمل على الوحدة الوطنية بين أطياف الشعب المختلفة من خلال برامج التعليم ووسائل الإعلام والبرامج الثقافية، وتشجيع العمل المشترك في مجال تنمية المجتمع بين منظمات المجتمع المدني التي لها بعد ديني، فالعمل المشترك يبني جسور التفاهم والمودة بين أبناء الوطن».