تفعيل دور المساجد في المغرب يثير اهتمام الأوساط الدينية والسياسية

TT

كانت الدعوة إلى فتح أبواب المساجد خارج أوقات الصلاة لدروس الوعظ تطفو إلى السطح بين الفينة والاخرى سواء عندما تثيرها بعض أطراف الحركة الاصولية المغربية أو عندما يثيرها بعض العلماء، وقد سبقت إعلان العاهل المغربي محمد السادس بفتح المساجد إشارات تمهد لهذا الاعلان، من قبيل تكثيف دروس الوعظ بالنسبة للنساء داخل المساجد في الشهور الاخيرة، وقبول طلبات مجموعة من المتطوعين للوعظ في أوقات متفرقة في مختلف المساجد. وقد لقي هذا الاعلان الذي بثه العاهل المغربي في خطابه بمناسبة الذكرى 41 لثورة الملك والشعب وعيد الشباب، ترحيبا في الاوساط الدينية، حيث أعلن عن فتح المساجد ابتداء من هذه السنة لدروس محو الامية الابجدية والدينية والوطنية والصحية، موضحا أن تنفيد ذلك سيسند إلى مدرسين ومدرسات من المجازين العاطلين عن العمل وفق برنامج ستسهر عليه وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية.

وقد اعتبر عبد الكبير العلوي المدغري وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية أن قرار العاهل المغربي بفتح المساجد لدروس محو الامية خطوة فريدة في تاريخ المغرب، مؤكدا أن هذه المبادرة تهدف إلى إحياء دور المسجد كرمز للإشعاع العلمي والثقافي والحضاري، إلى جانب دوره كمكان لأداء الصلاة كما أنها مظهر من مظاهر ممارسة الملك لسلطاته الدينية كأمير للمؤمنين.. وبخصوص المواد التي ستلقن في إطار هذه العملية أوضح المدغري أنها ستشمل تعليم الكتابة والقراءة ومادة الحساب ومبادئه وتحفيظ القرآن الكريم بحيث يلقن المستفيدون من خلال هذه المواد كلها التربية الوطنية والدينية، وأشار إلى أن التسجيل سيبدأ في فاتح سبتمبر (أيلول) على أن تنطلق عملية التدريس في منتصق الشهر، مضيفا أن عدد المساجد التي ستحتضن هذه العملية سيبلغ مائة مسجد وسيضم كل مسجد مائة مستفيد بحيث سيستفيد من العملية في هذه السنة عشرة آلاف مواطن من الجنسين ومن جميع أنحاء المملكة.

ومن جهة أخرى قال عباس الجيراري مستشار العاهل المغربي، ان مهمة القيام بمحو الامية جديرة بأن تكون في المسجد بحكم الرسالة التي تقوم بها هذه المؤسسة التي كانت دائما مركزا للتعليم ولتلقي العلم وتبليغه كما كانت مكانا للتعبئة ولتأطير المواطنين سواء في ما يتعلق بشؤون دينهم أو دنياهم.

أما محمد يسف الكاتب العام للمجلس العلمي الاعلى، فقد اعتبر أن الالتفاتة الملكية أعادت للمسجد وضعه السليم ووظيفته الصحيحة داخل المجتمع، فهو الان إلى جانب دوره المعنوي الذي يقوم به سينهض بمهمة رفع الامية في القراءة والكتابة وتعليم كتاب الله عز وجل وبث روح التربية الوطنية الصحيحة. مشيرا الى أن المسجد لم يكن في تاريخنا مكانا للعبادة فقط ولكنه كان مدرسة علمية ومركزا تربويا ومكانا لتعبئة الوجدان الشعبي، ومنه انطلقت كل الاصلاحات التي عرفها المغرب عبر تاريخه.

ولاستجلاء مواقف الحركات الاصولية المغربية اتصلت «الشرق الأوسط» بمجموعة من الفاعلين فيها خصوصا أن بعض التأويلات ذهبت إلى أن الهدف من هذه المبادرة الملكية هو سحب البساط من تحت الحركة الاصولية بحكم أنها تستمد قوتها من غياب المؤسسات الدينية الرسمية مما يجعلها المؤطر بلا منافس لقطاعات واسعة من الشعب المغربي. وفي هذا الصدد يقول مصطفى الرميد منسق الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية الاصولي: «دائما ركزنا على دور المسجد وكنا ضد التغييب اللامعقول لهذه المؤسسة»، مؤكدا رفضه للاستغلال الحزبي والفئوي للمسجد لكي لا يقتصر دوره على خدمة أهداف فئة معينة، وأضاف أن الملك يفك بإعلانه الاغلال عن المساجد ويعلن عن سريان حياة جديدة فيها قوامها تفاعل المسجد مع محيطه ورفع المستوى العلمي للناس، وهذا ما نصفق له بحرارة، فقط نأمل أن تتعامل الاطراف المعنية بالحكمة المطلوبة وعن قصده بالحكمة المطلوبة قال: هي تحقيق الاهداف التي سطرها العاهل المغربي ولا تهمنا مصلحة الحركة الاسلامية بقدر ما يهمنا أمر الاسلام في هذا البلد وبقدر ما يهمنا أن يقوم المسجد بدوره. وعلق على القول بإمكانية سحب البساط من الحركة الاصولية، بأنه إذا كان هذا السحب سيخدم الاسلام والمسلمين فنحن نرحب به ونرحب بخدمة الدين على يد السلطة، فالمهم هو تحقيق اهداف الاسلام بعيدا عن الحسابات الضيقة، خاصة أنه على الدولة ان تشرف على جميع مرافق الحياة امام واقع العولمة والهيمنة والتي هي اكبر واقوى من طاقات الحركات الاسلامية. ودعا قيادي حزب العدالة والتنمية في نهاية حديثه الى ضرورة التحصن في مؤسسات الدولة.

في حين اكد محمد يتيم وهو عضو المجلس التنفيذي لحركة التوحيد والاصلاح الاصولية ان موقف حركته لا يمكن الا ان يكون ايجابيا من هذه الخطوة التي تهدف الى وضع المسجد في وضعه الطبيعي على اعتبار انه مركز اشعاع فكري وثقافي وديني، بل هو مركز الحياة الاسلامية بجميع مناشطها، كما ان هذه الخطوة هي محاولة لاستثمار اكبر مؤسسة، يمكنها ان تصل الى المداشر والقرى والاحياء الفقيرة مما سيمكن من انخراط كل المؤسسات في التوعية. وعن امكانية مساهمة الحركة الاصولية المغربية في هذا المشروع، قال يتيم: «اذا دعينا لذلك سنساهم وسنجند كافة طاقاتنا في هذا العمل»، معتبرا ان التفسيرات التي تتحدث عن سحب البساط من تحت رجل الحركة الاصولية المغربية هي من امراض التأويل السياسي، مؤكدا انه يأخذ نيات المسؤولين على انها نيات مخلصة، ويتعامل مع هذه الخطوة بحسن نية، مشيرا الى ان الحركة الاسلامية لا يمكنها ان تقبل بأن تبقي على بساط الامية لتحتفظ بمكانتها السياسية والاجتماعية لان كارثة الامية اكبر من اية مزايدة بل ان هذه الخطوة غير كافية للتصدي لهذه الكارثة.

وفي موقف مختلف، يرفض قادة جماعة العدل والاحسان الاصولية المحضورة الادلاء باي تصريح حول هذه المبادرة الملكية لأن القضية في رأيهم «ليست قضية تفعيل دور المساجد في حقيقة الامر، بل وراء هذه الخطوة موقف سياسي، وارتباطات اخرى».