مؤتمر في لندن يبحث قضايا الهوية والمواطنة لمسلمي أوروبا في الألفية الجديدة

اللقاء يهدف للجمع بين خبراء الاجتماعيات وعلماء الشريعة لتقديم حل متكامل للإشكالات المعاصرة

TT

نظمت جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا والمركز الثقافي الاسلامي بايرلندا أخيراً مؤتمرا بعنوان «مسلمو أوروبا في الألفية الجديدة: التعددية الثقافية والهوية والمواطنة»، وذلك في كلية ريجنت بشمال غربي لندن. وشارك في المؤتمر عدد من الأكاديميين والباحثين المسلمين وغير المسلمين بأوراق بحثية عالجت القضايا التي يواجهها مسلمو أوروبا في الألفية الجديدة، خاصة تلك المتعلقة بالتعددية الثقافية والدينية وقضية الهوية والمواطنة.

وتطرق المؤتمر في أوراقه البحثية التي زادت على عشرين الى أن المجتمعات المسلمة في أوروبا تمكنت عبر عقود من الزمان من تأكيد هويتها الدينية والحضارية، وتحويل فكرة المواطنة الى مفهوم جديد لا يتعارض مع مجاهدتها في الحفاظ على هويتها الدينية الاسلامية، كما أن مطالبة المسلمين في أوروبا بالاعتراف الرسمي بدينهم والإقرار بدورهم الفاعل في حركة المجتمع تفاعلاً وانفعالاً، شكلت تدريجياً تحولاً كبيراً في التفاهم بين المسلمين وغير المسلمين في هذه البلدان، وإن كانت بدرجات متفاوتة. ولقد شكل هذا التفاهم الجديد نقلة نوعية في الحديث عن المسلمين في أوروبا، بأن اصبح الحديث عن مسلمي أوروبا، وهذا في حد ذاته تطور هائل في الاتجاه الصحيح، وفي خطوات الاندماج المطلوب لا الذوبان المرفوض.

ودعا المؤتمر الى تفعيل مساهمة المسلمين في الحضارة الأوروبية الحديثة، وذلك من خلال الاسهام الفاعل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما نوه المؤتمر بضرورة المشاركة الفاعلة في المناقشات التي ستشكل مستقبل مسلمي أوروبا ضمن المناقشات الجارية لتشكيل مستقبل أوروبا عموماً.

و قال الدكتور أنس الشيخ علي رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا: إنه بعد النجاح الذي حققه المؤتمر السنوي الأول للجمعية الذي عقد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والذي لم يحدد له محور معين، بل كان مؤتمراً مفتوحاً لكل المشاركين بمختلف مجالات اهتماماتهم ضمن العلوم الاجتماعية والانسانية، قررت اللجنة التنفيذية للجمعية تنظيم مؤتمرات متخصصة وحددت موضوع الاسلام في أوروبا لمناقشة قضايا التعددية الثقافية والهوية والمواطنة، اضافة الى موضوع التعليم الاسلامي في بريطانيا على أن ينظم هذا المؤتمر قبل المؤتمر السنوي الثاني في أكتوبر المقبل، ولكن تم تأجيل مؤتمر التعليم الاسلامي في بريطانيا على أن يعقد العام المقبل بعنوان «التعليم الاسلامي في أوروبا» ليكون أكثر شمولية وليجد تعاوناً من الجهات المهتمة والقائمة على التعليم الاسلامي في أوروبا لتحديد العوائق والعمل على معالجتها، والتعاون في مجال اعداد الكتب والمناهج، لأن ما يجري الآن يشوبه الكثير من الفوضى وعدم التخطيط. وان كثيراً من المدارس الاسلامية في أوروبا تبدأ من مرحلة الصفر من دون الاستفادة مما حققته تجارب أخرى، والعمل على تجاوز المشاكل التي واجهتها. وسبب اختيار موضوع المسلمين في أوروبا، واقتصار هذا المؤتمر عليه وتأجيل موضوع التعليم هو أن تغيرات كثيرة تحدث الآن على الساحة الأوروبية، اذ تناقش قضايا الغاء الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي، وتغيير القوانين لتوحيدها ووضع أنظمة وقوانين اقتصادية واجتماعية جديدة، ومناقشة أمور الأقليات العرقية والدينية، مما يستدعي من المسلمين الأوروبيين تحديد موقفهم من هذه القضايا والمشاركة في مناقشتها.

وأضاف الدكتور علي: أما المؤتمر السنوي الثاني الذي سيعقد في أكتوبر المقبل فتم تحديد محور له سيكون التركيز عليه، اضافة الى ورشات عمل تتعامل مع مواضيع أخرى مختلفة، وسيكون المحور الرئيسي للمؤتمر السنوي الثاني هو «المسؤولية الاجتماعية وتحديات المستقبل»، حيث يحاول المؤتمر أن يركز على دور المسلمين في هذا المجال سواء تجاه الجالية المسلمة أو المجتمع بشكل عام.

وأشار رئيس جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا الى أنه سينظم خلال انعقاد هذا المؤتمر حفل تدشين ثلاثة كتب صدرت أخيراً. كما ستتضمن ورشات العمل مناقشة مواضيع التربية والتعليم وقضايا الحكم والدولة والقانون، وقضايا الاعلام، وستقدم ايضاً نماذج من المشاريع العملية التي نجحت في خدمة الجالية المسلمة والمجتمع.

وقال الدكتور علي: إنه من المقرر أن يعقد المؤتمر السنوي الثاني للجمعية في الفترة من 21 ـ 22 أكتوبر المقبل في لندن، وسيكون المتحدث الرئيسي في هذا المؤتمر البروفسور محمد كمال حسن رئيس الجامعة الاسلامية في ماليزيا، الذي سيتحدث عن «دور الجامعات والمسؤولية الاجتماعية»، كما سيحضره عدد من العلماء والباحثين والأكاديميين من بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وأضاف: إنه بعد المؤتمر السنوي الأول وأثناء الاعداد لمؤتمر «مسلمي أوروبا في الألفية الجديدة» ازدادت بشكل ملحوظ طلبات العضوية، خاصة من قبل طلبة الدراسات العليا وحديثي التخرج من الجامعات في مختلف التخصصات، حيث سيتم انتخاب رئيس للجمعية وثلاثة أعضاء للجنة التنفيذية، حسب الأسس والكيفية الموضحة في النظام الاساسي للجمعية.

وأوضح الدكتور علي أنه من أهم أهداف الجمعية هو الجمع بين علماء الاجتماعيات وعلماء الشريعة لكي تكون الاجابات عما نواجهه من مشاكل وتحديات تجمع بين الخبرتين، لأن كلاً منهما على انفراد لا يستطيع تقديم الحل الكامل لكثير من القضايا والاشكالات المعاصرة التي تعاني منها الجالية المسلمة.

وكان الدكتور انس الشيخ علي قد ألقى كلمة في المؤتمر، موضحا فيها انه مع بداية الألفية الميلادية الثالثة، لم تزل اوروبا تستغل كل الوسائل لشق طريق لها عبر دساتير وسياسات، بينما هي تعمل على تشكيل هوية جديدة لنفسها. وسيتم وضع حدود واعادتها، ويتم تغيير وتشكيل وإلغاء القوانين التي تحكم كل مظهر من مظاهر حياتنا. وفي الوقت الذي تصارع فيه كل دولة من دول الاتحاد الاوروبي من أجل تحقيق اهدافها وتأكيد سيادتها وترك بصمتها على اوروبا الجديدة، هناك اسئلة ملحة يجب ان نطرحها على أنفسنا.

وتساءل قائلا: من نحن؟ وكيف نختار ان نعرّف انفسنا ونحن مسلمون مقيمون ونعمل في اوروبا من اوساط اجتماعية وخلفيات تاريخية مختلفة؟ وما هي الادوار التي نلعبها في هذا المناخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي سريع التغير؟ وما هي الاسهامات التي يمكن ان نقدمها والتي يجب ان نقدمها؟ بأي عين يرانا المواطنون غير المسلمين؟

وقال ان هذا المؤتمر يهدف الى جمع نخبة من ابرز العلماء الاجتماعيين في اوروبا من أجل مناقشة هذه الاسئلة وبحث اوضاع المسلمين في البيئات الاوروبية المختلفة. وفي مقدمة هذه المباحثات طبيعة نوع الحوارات التي يجب ان نشجعها. هل نتكلم عن الصراعات والتوترات التي هي جزء لا يتجزأ من المناقشات التي تناقش مدى الانسجام بين الافكار الغربية الديمقراطية الحرة وفكرة «الدولة» في الاسلام؟ وهل نعتبر انفسنا اوروبيين مسلمين؟ ام مسلمين في اوروبا ام مسلمي اوروبا؟ وهل هناك اهمية لهذه المسميات؟

واضاف: ان دور جمعية علماء الاجتماعيات في بريطانيا في مناقشة هذه القضايا هو دور اكاديمي بالطبع، ولكنه دور ضروري، فمسلمو اوروبا يشكلون 23 مليونا على الاقل، ولكننا لم نزل اقلية على الهامش، مما يثير الدهشة.

فنحن مسلمو اوروبا محض اهتمام الغرب عبر حوارات علمية والعديد من المؤتمرات والمنشورات، ولكن كم من هذه المنشورات نكتبها نحن؟ كم من المناقشات حول مواضيع الجنسية والهوية داخل اوروبا نشارك فيها؟ واشار الى ان احدى المهمات الاساسية لجمعية علماء الاجتماعيات في بريطانيا هي تشجيع النشاط العلمي في العلوم الاجتماعية من وجهة نظر اسلامية. وهذا لا يعني اقتصار الجمعية على العلماء المسلمين وانما يعني التعاون مع الآخرين كما نفعل اليوم مع المركز الثقافي الاسلامي في ايرلندا. ونحن نشجع الحوار الفعال والتعاون، ليس فقط مع المنظمات الدينية، ولكن ايضا مع الباحثين الاكاديميين غير المسلمين.

وقال الدكتور نوح القدو مدير المركز الثقافي الاسلامي بإيرلندا لـ«الشرق الأوسط»: «كنا مخططين لهذا المؤتمر وماضين في الاعداد له، واثناء اتصالنا بجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا لدعوتهم للمشاركة فيه، علمنا منهم انهم يعدون مؤتمرا في الموضوع نفسه، فقلنا لهم إذن علينا ان نتعاون على تنظيم هذا المؤتمر معا. وهذه وسيلة عملية لاظهار اهمية التقاء المؤسسات والمراكز الاسلامية في اعمال مشتركة. وعندما شكلنا لجنة مشتركة بيننا وبينهم، وكان الاتفاق على ان يعقد المؤتمر في المركز الثقافي الاسلامي بايرلندا، حصلت ظروف طارئة حالت دون انعقاده في دبلن، مما اقتضى عقده في لندن».

واضاف الدكتور القدو: «ان هذا المؤتمر يقع ضمن مجموعة مشاريع للمركز الثقافي الاسلامي بإيرلندا تهدف الى ايجاد ارضية مشتركة للتفاهم بين المسلمين الاوروبيين، لأننا نعتقد ان المشكلة الاولى التي تواجهنا كمسلمين اوروبيين هي عدم وجود حوار داخلي بيننا للتفاهم حول القضايا والهموم المشتركة والبحث عن حلول عملية لها، وذلك قبل الحديث عن حوار مع المجتمع الاوروبي بشكل عام».

واوضح الدكتور القدو انه «ستكون هنالك ورشات عمل لدراسة بعض القضايا التي ناقشتها الاوراق البحثية التي قدمت في هذا المؤتمر، حيث يتم خلال ورشات العمل هذه الدخول في بحث تفاصيل هذه القضايا وايجاد برامج عملية لكيفية معالجتها، بعد ان اصل لها المؤتمر من الناحية العلمية والنظرية. وبالتأكيد ورشات العمل هذه ستكون بالتعاون مع مؤسسات ومراكز اسلامية تحمل الهم نفسه. ونحن دائما في المركز الثقافي الاسلامي بإيرلندا نسعى الى ايجاد وسائل للتعاون لتنفيذ الاعمال المشتركة، لأننا نعتقد ان هذه افضل وسيلة لخلق ارضية مشتركة للتفاهم ثم للتعاون على معالجة قضايانا المشتركة».

وقال: كان من المفترض ان يكون المتحدث الرئيسي في مؤتمر «مسلمو اوروبا في الألفية الجديدة» رئيس حزب العمال الايرلندي، ولكن عندما تغير مكان انعقاد المؤتمر من دبلن الى لندن تعذرت مشاركته.

واشار الدكتور القدو الى ان المركز الثقافي الاسلامي سيعقد مؤتمرا عن «البيئة من منظور اسلامي ومسيحي»، وذلك بالتعاون مع جامعة ترينتي الايرلندية في فبراير (شباط) المقبل بدبلن. كما سيعقد المركز مؤتمرا آخر عن «حقوق الانسان بين الاديان والقوانين الوضعية». ونأمل ان تكون المتحدثة الرئيسية فيه ماري روبنسون الامينة العامة المساعدة في الامم المتحدة لشؤون حقوق الانسان. ومن المتوقع ان يعقد هذا المؤتمر نهاية صيف عام 2001 بدبلن.