الإسلام يرفض مشروعية أي تعامل يقوم على التعالي بين الأجناس

TT

عندما جاء الاسلام، احدث تغييرا اجتماعيا كبيرا مس البشرية جميعها حيث أكد التنوع والتعدد البشري، وجعل من مفهوم القبلية والشعب مفهوما عاما ومفتوحا ينطبق على صيغ متنوعة من التنظيم المجتمعي، هذا ما أشارت اليه الآية الكريمة «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير» والتي انطلق منها الدكتور احمد التوفيق محافظ الخزانة العامة للمغرب في المحاضرة التي القاها في الرباط بعنوان «الهوية الثقافية» ضمن الدروس الحسنية. وقال المحاضر ان المتدبر في التاريخ الانساني يتساءل عن النتائج التي افضى اليها تعرف الناس الى الناس ولا سيما منذ عهد الكشوفات الكبرى، فلقد ادت الاتصالات الواسعة الى معرفة عظيمة، كان من آثارها تقوية النزعة الانسانية عند الغربيين، اي تضمنت الى جانب المعرفة قدرا من التعارف بمعنى الاعتراف بثقافة الآخر وقبوله على أساسها، بيد ان التطبيقات السياسية لهذه المعرفة لم تأت بالخير وحده، بل أتت بالشر ايضا متمثلا في الهجمة الاستعمارية على الشعوب، بينما التعارف الذي ورد في الآية القرآنية سلمي بالضرورة لأنه يعني مشاركة في الاعتراف، ومرجعه التفاضل بالتقوى. واضاف المحاضر ان الاسلام وضع بمقتضى الآية المذكورة ناموسا مبنيا على تنظيم مجتمعي متعدد يقوم على قواعد التعارف بين المجموعات البشرية، صغيرها وكبيرها مهما كانت صيغة تشكلها، فالغى بذلك مشروعية اي تعامل بين الفئات والاجناس يقوم على اي نوع من انواع التعالي من جانب طرف، او ان يحتقر طرف او يبني أفضليته عليه. وكانت هذه القاعدة النظرية محك اختبار العرب في تحول ذهنيتهم الارستقراطية، فقد كانوا مطالبين ان يحلوا معيار التقوى محمل الاعتبارات القبلية والعرقية والارستقراطية في التعامل، فإن هذا المحك صار اشد عندما خرجوا فاتحين للأمم يحملون دعوة الاسلام للناس في آفاق رحبة متعددة الثقافات. وأشار المحاضر الى ان الفاتحين العرب عندما دخلوا للمغرب وجدوا شعب الامازيغ الذي كانت له ثقافته وتاريخه ضد الاستعمار الروماني والبيزنطي وغيرهم، فنأى عن ثقافة هؤلاء المستعمرين، ولكنهم رجحوا ارتباطهم الثقافي نحو المشرق العربي المسلم على توجههم نحو شمال البحر الابيض المتوسط، ورفض شعب البربر الاندماج في المدينة الرومانية وآثر الانكفاء في اعماق الصحراء كمنطلق للمقاومة، وعندما جاء الاسلام، اندمج في الثقافة الاسلامية وبلور هويته من خلالها. واوضح المحاضر ان الشعب الامازيغي في المغرب اختار الاندماج في الثقافة الاسلامية طواعية، وتجلى ذلك اذ كان الفاتحين قلة من الناس، واختاروا الاندماج في دينامية اسلمة من الداخل، فاصبح الاسلام فيها قضية داخلية تولى المغاربة ترسيخه بانفسهم عبر الاجيال منذ اسس ادريس الاول دولته المسلمة في المغرب.