الظلم الإعلامي ضد السعودية يهدف للنيل من الإسلام والمسلمين (1)

د. عبد الرحمن بن سليمان المطرودي *

TT

ان الصراع بين الحق والباطل والخير والشر سنة من السنن التي يختبر الله سبحانه وتعالى بها عباده، ولهذا فليس من المستغرب ما يتعرض له الاسلام والمسلمون في الوقت الحاضر من حملة اعلامية فجة خرجت فيها وسائل الاعلام في بعض بلاد العالم عن امانة الرسالة الاعلامية التي تفترض فيها، وهذه الحال من الخروج عن جادة الصواب وتنكب طريق الحق من قبل تلك المؤسسات الاعلامية، لم يكن ليفاجأ بها المسلم الذي يعرف الحق ويؤمن به، ولكن الانسان السوي ينأى بنفسه عن هذا التضليل الاعلامي الذي تمثل في عدم احترام عقل الانسان وادراكه.

ولكي تنخر وسائل الاعلام المريضة في جسم الأمة المسلمة فقد وضعت لجهالتها الاعلامية خطة محكمة بدأتها بالنيل من الحصن الذي تحتمي به الأمة المسلمة، والنهر الذي تشرب منه، فصوبت سهامها نحو المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا، ذلك لأن هذا الكيان تتمثل فيه حقيقة الاسلام، وصفاء العقيدة، وسلامة ووسطية المنهج، واعتدال المواقف، وثبات المبادئ ووضوحها، وأصالة معايير التقييم، وتسعى لنشر الاسلام، ونصرة المسلمين ومناصرة قضاياهم فكانت موردا للعطشى لمعرفة الحق من بني الانسان.

واذا سمعنا او قرأنا مثل تلك الجهالة الاعلامية نتذكر قول الحق تبارك وتعالى «يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون»، وقوله سبحانه «ومن اظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى الى الاسلام والله لا يهدي القوم الظالمين. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون»، هذه الجهالة الاعلامية التي تتولى كبرها بعض وسائل الاعلام الغربية، وترددها حناجر واقلام بعض المنتسبين الى الاسلام ممن يجهلون او يتجاهلون ماذا يراد بهم، او الى اي زنزانة يساقون، بل لربما كان لديهم قصور في الفهم والادراك. تلك الجهالة تعتبر بغيا في مفهومه العام والخاص، لأن فيها تجاوزا للحد واستطالة على الحق.

فالبغي، أيا كان لونه او شكله او مصدره او موطنه، يعني تجاوز الحد بالاعتداء على حدود الله او على حقوق الآخرين، سواء اكانت تلك الحقوق مادية ام معنوية، بل ان البغي والظلم في الحقوق المعنوية أشد وأقسى على النفس وعلى الجماعة وعلى المجتمع من البغي في الحقوق المادية، لأن البغي في الحقوق المادية يمكن جبره او تعويضه باستعادة تلك الحقوق بأي وسيلة كانت، سواء آب الباغي او الظالم الى رشده واعاد الحق الى صاحبه طائعا مختارا او تم الحصول عليه بقوة السلطان، اما الحقوق المعنوية والادبية فإن الاثر السلبي الذي يلحق بها لا يمكن جبره حتى لو آب الباغي الى رشده وأقر بخطئه وأنه قد بغى وظلم وتجنى على المظلوم واعترف بأن كل ما قاله في حقه او ادعاه عليه هو محض افتراء وكذب او تشويه للحقيقة لا اساس له من الصحة، لان الشرخ والكسر قد حدث فعلا وترك اثره العميق، وسيبقى مكان الجبر موجوداً واثر التئام الجرح قائماً يعلن عن نفسه.

* الاعتداء المعنوي

* ويزداد الامر سوءا كلما كان هذا الاعتداء المعنوي على الحقوق في ملأ من القوم او جماعة من الناس، ويكون الامر اشد قسوة وسوءا كلما اتسعت الدائرة التي انتشر فيها هذا الاعتداء على الحقوق وهكذا في علاقة طردية بين حجم الدائرة للاعتداء وبين الاثر السلبي الذي تحدثه، بمعنى ان الثانية تزداد بازدياد الاولى وتنقص بنقصانها، فلن تنمحي آثاره وسلبياته وتداعياته بل قد يحدث كرها وبغضا يلازم حياة المجتمعات.

والبغي او الظلم الاعلامي اذا قصد به الاساءة والافساد واشاعة البلبلة والفوضى بين الناس فإنه يصبح مفسدة لها حكم شرعي وهذا يقتضي منا ان ننظر الى مسألة البغي الاعلامي على اساس من شرع الله، تعريفا وتحديدا وتشخيصا، وبالتالي استجلاء الحلول لها من الشريعة الاسلامية، فلن يصلح آخر هذه الأمة الا بما صلح به أولها ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الطيبة والاسوة الحسنة.

فالبغي بجميع انواعه واشكاله ضرب من التعدي والاستطالة بالاعتداء على الآخرين في حقوقهم المادية والمعنوية، وهو محرم في ديننا الاسلامي الحنيف، وبغيض ومنبوذ وغير مقبول في الاعراف والتقاليد السائدة في المجتمعات البشرية، وقد أكد الاسلام على نبذ البغي والبعد عنه «وأحسن كما أحسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الأرض» ونهت الشريعة الاسلامية عن البغي على الآخرين والاعتداء على حقوقهم وتجاوز الحد الذي حدده الشرع بين الحقوق والواجبات، ونهت وحذرت وتوعدت من يفعل ذلك بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، وان الدائرة سوف تدور عليه حيث يعود بغيه على نفسه قال تعالى: «ذلك جزيناهم ببغيهم» وقال: «انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض» وقال سبحانه: «يا أيها الناس انما بغيكم على انفسكم» «ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون»، وقال عليه الصلاة والسلام: «ما من ذنب اجدر ان يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم» وقال عليه الصلاة والسلام: «بئس العبد عبد بغى وعتا ونسي المقابر والبلاء».

* عواقب البغي

* وساق لنا القرآن الكريم القصص والعبر لعواقب البغي على الناس فقال عن قارون «ان قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم..». فماذا كانت عواقب بغيه على قومه «فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين» وفي آية اخرى وضع الله سبحانه وتعالى البغي في سياق كبائر المحرمات فقال: «قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها.. والبغي بغير الحق» وجعل من الكفر بما انزل الله بغيا «ان يكفروا بما انزل الله بغيا». وكذلك الظلم الذي هو رديف البغي ونظيره ومعينه وشريكه في مجال الشر وتجاوز الحد والاعتداء على حقوق الآخرين ـ بغض النظر عن الاختلافات الدقيقة بينهما ـ نجد ان الاسلام قد حرمه ايضا اشد التحريم وحرمته الشرائع السماوية السابقة ونهت عنه، ونبذته ونفرت منه كذلك كل الاعراف والتقاليد السائدة في المجتمعات المتحضرة. بل ان الاسلام حذر اشد التحذير من الظلم ومن الوقوع فيه من قريب او بعيد فقال: «وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما» «ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم».

وأوضح الشارع الحكيم ان عواقب الظلم وخيمة على الفرد وعلى المجتمع، وتوعد المولى عز وجل الظالم والظالمين بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة فقال تعالى: «فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء» وقال: «ولقد اهلكنا الذين من قبلكم لما ظلموا» «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» «وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون». وأكد على ان اقبح انواع الظلم هو التعدي على حدود الله، والافتراء على الله بالكذب فقال تعالى: «ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون» «فمن افترى على الله الكذب بعد ذلك فأولئك هم الظالمون».

واذا اقترن الافتراء على الله بالكذب بنية اضلال الناس فذلك من أشد انواع الظلم «ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب ليضل الناس بغير علم» «ومن أظلم ممن افترى على الله وكذب بآياته» «ومن اظلم ممن افترى على الله وكذب بالحق». ولهول هذا النوع من الظلم وشدته اوضح الله سبحانه انه يستجلب لعنة الله على صاحبه. فقال تعالى: «هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، الا لعنة الله على الظالمين». وقال عليه الصلاة والسلام «اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة». هذه لمحة عن البغي وصوره وموقف الاسلام من ذلك، وللبغي صور شتى تتنوع بحسب نوع التعدي والتجاوز على الحدود او الحقوق، وذلك من حيث المعنى العام والمفهوم الواسع للبغي، والحديث عن تلك الانواع والصور ليس موضوع حديثنا في هذه العجالة، اذ ان الحديث هنا عن نوع واحد من انواع وصور البغي وهو ما يمكن ان نطلق عليه البغي الاعلامي. فما هو البغي الاعلامي؟

* البغي الاعلامي

* تقدم الحديث عن البغي وانه يعني تجاوز الحد والاستطالة على حدود الله سبحانه وتعالى او على حقوق العباد. اما الاعلام فإنه يعني الاخبار عن امر واقع او عن شيء سيقع او الدعوة الى شيء، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم بالنبأ فقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» وقال تعالى: «عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون».

اذاً فالبغي الاعلامي يعني تجاوز الحد في الاخبار او التبيين بقصد التضليل او اخفاء الحقائق، وذلك بقصد الافساد سواء كان ذلك بين المجتمعات البشرية بالزيف والباطل والضلال، وقلب لموازين القسط والعدل والحقائق الثابتة، من اجل احداث الاضطرابات، او لاهداف اخرى.

* التضليل الإعلامي

* وظاهرة التضليل الاعلامي ليست بجديدة على الناس من حيث البروز والنشأة، فهي موجودة منذ ان وجد الخير والشر والحق والباطل، وارتبطت بالطبائع والغرائز البشرية، ولكنها تختلف من زمن الى آخر بسبب تغير احوال الناس وتنوع الوسائل المستخدمة، ذلك لان الحق قوي بنفسه وقيمه التي تتواءم وتتجانس مع الفطرة السليمة، والباطل هش بنفسه وبما فيه من الزيف والخداع والضلال فيتناقض ويتنافر مع الفطرة النقية السليمة، فكان لا بد له ان يقوي نفسه بالكذب والافتراء وتشويه الحقائق ليخدع الناس ويلبس الباطل ثوب الحق، والشر ثوب الخير، فنشأ عن كل ذلك ما يسمى بالبغي الاعلامي لمناصرة الباطل، وامثلة ذلك كثيرة في تاريخ الأمم.

وأصدق تلك الامثلة ما جاء ذكرها في الكتاب والسنة مشيرة الى بعض من هذا البغي الاعلامي في سياق تحريمه والنهي عنه، انطلاقا من حرمة النفس البشرية، وتحريما لكل ما يدنس طهرها ويجرح كرامتها التي اقرها وأكدها المولى سبحانه وتعالى بقوله: «ولقد كرمنا بني آدم» والنماذج في هذا الشأن كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، لذا فإنني اسوق في هذه العجالة بعضا من تلك النماذج على سبيل المثال لا الحصر:

ـ جميع الرسل الذين ارسلهم الله الى اقوامهم مورس ضدهم نوع من انواع البغي الاعلامي او الظلم الاعلامي بشكل من الاشكال بهدف تشويه الحق الذي جاءوا به «وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين، وكفى بربك هاديا ونصيرا» «وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا، ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون» ولم يراع دعاة البغي الاعلامي الحق الذي جاء به الرسل وان محوره وركيزته الاساس عبادة الله وحده لا شريك له والدعوة الى مكارم الاخلاق «انا ارسلنا نوحا الى قومه قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره» «وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قومي اعبدوا الله» «وإلى مدين أخاهم شعيبا..» «وإلى ثمود أخاهم صالحا..».. الخ، فكان همّ دعاة الباطل الانتصار للنفس، او تحقيق الاهداف التي يسعون الى تحقيقها سواء كانت في تكوين المجتمعات وقيادتها ام في بث الافكار الضالة وغير ذلك.

ـ ومن ذلك ما مارسه قوم ابراهيم عليه السلام ضده من انواع البغي والتشويه لدعوته والكيد له، الى ان وصل بهم الكيد والحقد في نهاية المطاف الى محاولة احراقه، ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه منهم بقدرته وعظمته وأبطل مفعول النار التي القوه بها «قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم».

ـ وكذلك فعل فرعون وقومه مع موسى عليه السلام بمختلف اساليب البغي الاعلامي ومنها جمع السحرة في يوم الزينة، وهو يوم احتفال عظيم عندهم يجتمع فيه الناس، ولثقة موسى بربه وبالحق الذي ارسل به اراد ان تكون المواجهة بينه وبين اهل الكفر في هذا اليوم، ليكون الجمهور الذي يشهد هذا الحدث كبيرا، وان يكون في ضحى من النهار، حتى تكون صورة الحدث جلية واضحة، وحتى يرد كيد فرعون في نحره من حيث اراد غير ذلك، حيث كان همّ فرعون وسحرته الاستهزاء بموسى والنيل منه ومن دعوته في وسط هذا الجمع الحاشد من الناس وعلى رؤوس الاشهاد، وفي ذلك يقول المولى سبحانه وتعالى: «قال موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى، فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى»، «فلما القوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم» لكن الله رد كيدهم في نحورهم وانقلب مكرهم وبغيهم على انفسهم، وهذه من سنة الله في خلقه مع الباغين والماكرين «ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله» فبدلا من ان يشوه فرعون صورة موسى ودعوته امام الملأ بهذا البغي وهذا الظلم، انقلب الأمر وآمن السحرة الذين كانوا وسيلة فرعون في التضليل والبغي الاعلامي برب موسى وهارون «فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى».

ـ اما بالنسبة لدعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد تعرضت لأشد انواع البغي الاعلامي واقسى انواع الظلم والافتراء على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى دعوته، بل تجرأ المشركون وذهبوا الى ما هو أبعد من ذلك ظلما وافتراء وكذبا، وذلك بالتقول على الله سبحانه وتعالى والكذب عليه، فقالوا على الله ما لا يعلمون، وكذلك تعرض اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمثل ما تعرض له الرسول من البغي الاعلامي والافتراء والكذب على الدعوة وعلى كل ما يتصل بها، وما ذلك الا لانها جاءت لتهدم ما عليه المشركون من شرك بالله وعصيان وضلال مبين، وانتهاك لحرمات الله وحدوده، فاعتبروا ذلك تسفيها لاحلامهم وتغييرا لما هم عليه مما وجدوا عليه آباءهم فلم يقبلوه، ولأن الباطل ضعيف لا يقوى على غلبة الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالقوة والمقارعة والمحاجة، فلما فشلوا في هذا المسلك لم يجدوا امامهم الا الكذب والضلال والافتراء والزيف من خلال البغي الاعلامي على كل ما يتعلق بدعوة الحق بدءا من رسول الله صلى الله عليه وسلم (حامل هذا الحق للناس) الى الحق نفسه، وثوابته، الى كتاب الله والافتراء عليه في مضمونه وفي مصدره «وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا».

ومن أمثلة ذلك: عندما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ان يجهر بالدعوة قائلا «فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين» صعد على الصفا وأخبر قريشاً بأمر الدعوة، فما كان منهم الا ان كذبوه وافتروا عليه وهم الذين لقبوه بالصادق الأمين، بل شهدوا لتوهم بصدقه وهو على الصفا عندما استشهدهم على ذلك وانهم ما جربوا عليه كذبا قط، وكان ابو لهب هو اول المكذبين والمستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له «تباً لك ألهذا جمعتنا» وبدأت منذ تلك اللحظة مراحل الكيد والكذب والافتراء والبغي الاعلامي على رسول الله وعلى دعوته. وأخذ المشركون بعد ذلك يكيلون الافتراء والتهم الباطلة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى ينفروا الناس من دعوته، فاتهموه بالسحر واتهموه بالكهانة، وان ما أتى به من ضروب الشعر، واتهموه بالجنون، وهم في قرارة انفسهم يعلمون كذب كل هذه الافتراءات ويسرون لبعضهم بذلك في مجالسهم، وذلك حين قام منهم النضر بن الحارث وهو من عتاة المشركين ومن أشد الذين كادوا وافتروا على رسول الله، فقال: «.. قلتم ساحر.. لا والله ما هو بساحر لقد رأيتم السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن.. لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم شاعر.. لا والله ما هو بشاعر، فقد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها، وقلتم مجنون.. لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخفته ولا وسوسته ولا تخليطه.. يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم»، ولم يقل النضر بن الحارث ما قاله حباً في رسول الله ودعوته، ولكنها كانت دعوة منه لقريش لتكيد لرسول الله مكايد أشد وأعنف من ذلك وأقوى في حجتها حتى تقتنع بها قريش وتنصرف عن محمد ودعوته، فضلاً عن ان الله قد برأه من كل ذلك «وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين» «فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون».

ولما أخذ القرآن يأسر القلوب والعقول بما فيه من الحق والبلاغة والاعجاز وينصت ويستمع اليه الكثير من قريش تحول كيد وافتراء المشركين على رسول الله الى القرآن الكريم لعلهم ينالون منه وبالتالي من دعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالوا انه من اساطير الأولين وليس وحياً يوحى اليه «إن هذا إلا أساطير الأولين» ثم ادعوا انه من كلام رسول الله وانه افتراء من محمد صلى الله عليه وسلم وليس وحيا يوحى اليه. قال تعالى «أم يقولون افتراه» وتحداهم الله ان يأتوا بحديث مثله «فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين» وتحداهم بما هو أدنى من ذلك «أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات» ثم تحداهم ان يأتوا بسورة واحدة من مثله «وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين». فلما عجزوا عن كل ذلك لم يجدوا حيلة إلا ان يصرفوا الناس عن الاستماع اليه، والتشويش على من يقرأ القرآن بالمكاء والصفير والتخليط «وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون».

* الإسراء والمعراج

* واستثمر أبو جهل حادثة الاسراء والمعراج في البغي الاعلامي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان عاد من رحلة الاسراء والمعراج، حين سأل أبو جهل الرسول مستهزئاً: هل استفدت من هذه الليلة؟ فقال المصطفى: «نعم أسري بي الليلة الى بيت المقدس» فقال أبو جهل مستهزئاً أيضاً: ثم اصبحت بين ظهرانينا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم»، وهنا، تحين أبو جهل الفرصة لعلمه ان هذا الخبر سوف يحدث فتنة وتكذيباً لخروجه عن الناموس البشري، فلم يضيع تلك الفرصة من المكر والبغي الاعلامي فقال للرسول: أتخبر قومك بذلك؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «نعم»، فصاح أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا، فأقبلوا من كل صوب فحدثهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك فمن مصدق، ومن مكذب ومصفق غير مصدق، ومنهم من وضع يده على رأسه استعظاماً للخبر، وانكاراً له، وتعجباً منه. وما فعله أبو جهل في هذا الموقف يعد من أشد أنواع البغي الاعلامي المصحوب بالمكر والدهاء والكيد لرسول الله أمام هذه الجمهرة الاعلامية التي جمعها.

ولم يقتصر مكر المشركين وبغيهم الاعلامي على رسول الله داخل قريش فقط بل امتد الى خارجها، فعندما هاجر المسلمون الى الحبشة، أرادت قريش ان تشوه صورة الإسلام ودعوته وصورة الرسول صلى الله عليه وسلم لدى النجاشي ملك الحبشة فأرسلت لهذا الأمر في مهمة عاجلة رجلين بليغين من قريش ليتمكنا من القيام بهذه الفرية ضد الإسلام والمسلمين، ولكن الله رد كيدهم في نحورهم ففشلت مهمتهم الاعلامية الخبيثة لرجاحة عقل النجاشي وقناعته بالاسلام، ولأن الله قيض من المسلمين من يفند مزاعم قريش وافتراءاتها الكاذبة ويقنع النجاشي ومن حوله بالحكمة والموعظة الحسنة بدعوة الاسلام.

كذلك فعل المشركون الأمر نفسه في موسم الحج ليستثمروا هذا التجمع الكبير في الافتراء على رسول الله، وكان على رأس المتصدرين لهذا الأمر الوليد بن المغيرة وهو من عتاة المشركين الذي جمع قومه وقال لهم: «يا معشر قريش انه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قول بعضكم بعضاً، وإن أقرب القول فيه ان تقولوا ساحر جاء بقول سحر، يفرق فيه بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه من محمد وذكروا لهم أمره من الفرية التي اتفقوا عليها. وهذا من المكر والبغي الاعلامي الشديد حتى يرجع كل واحد منهم الى قبيلته ويقوم بنشر هذه الفرية فيها حتى تنتشر في جميع القبائل، ولكن الله رد كيدهم في نحورهم وجاءت نتيجة بغيهم على أنفسهم كما ذكر القرآن الكريم «يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم» فكان من نتيجة ذلك ان انتشر خبر الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته عن طريق هؤلاء أنفسهم بين القبائل ولم يلتفتوا الى ما قاله المشركون عنه من افتراءات.

ومن أشد أنواع البغي الاعلامي والافتراء الذي تعرض له بيت النبوة ممثلاً في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزوجه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ما وقع من افتراء في حادثة الافك التي نشط أعداء الرسالة الاسلامية في نشرها والافتراء على بيت النبوة والرسالة فيها، وهذا كان قصد المشركين وهمهم الاكبر من هذا الافتراء الذي برأه الله سبحانه وتعالى بقرآن يتلى الى يوم القيامة «إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا إط سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين» * لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم». هذه نماذج من البغي الاعلامي التي فندها الاسلام وبينها للناس حتى يدركوا ان الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله ـ سبحانه وتعالى ـ في هذا الكون يختبر الله ـ سبحانه وتعالى ـ بها الناس فينجو من ينجو عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

الواقع الراهن للبغي الإعلامي: من يطلع ويتابع ظاهرة البغي في الإعلام وما يتعرض له الاسلام والمسلمون في الوقت الراهن من محاولة للنيل من الثوابت وتزييف الدعاوى وكيل التهم وتشويه الحقائق وتغرير بالناس ومحاولة لقلب الحق باطلاً والخير شراً يتبادر الى ذهنه التساؤل عن البغي الاعلامي في الماضي واختلاف هدفه ورسالته عن البغي الإعلامي الحاضر، أي هل تختلف الرسالة والهدف؟ وتفصيل الاجابة عن هذا التساؤل ليس هذا مكانها، ولكني استطيع الخلوص الى القول ان الهدف واحد وهو صد الناس عن تحقيق عبادة الله سبحانه وتعالى وفقا لمراده والعمل بشرعه وفقا لمحكم التنزيل. والاختلاف بينهما ينحصر في الوسائل والوسائط والاساليب، وفي العصر الحاضر تطورت وسائط ووسائل الاتصال التي تفننت التقنية الحديثة المتطورة في تمكينها من الانتشار والوصول الى كل مكان في هذا العالم، اذ انتشرت انتشار الأثير في الفضاء فامتطى الاعلام هذه الوسائل واستخدم تلك الوسائط في نقل الخبر وتفسير الحدث بالطريقة التي يعتقدها ويؤمن بها من يستخدم تلك الوسائل فأسهمت تلك الوسائط في اشاعة الفساد في الأرض، فلئن كانت الفاحشة في ذاتها قبيحة وبغيضة عند الله سبحانه وتعالى، وفيما أنزله على رسوله فإنها تكون أكثر قبحاً وبغضاً وأشد حرمة اذا شاعت وانتشرت بين الناس، لذا نجد ان المولى سبحانه وتعالى قد توعد من يحب شيوع الفاحشة بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: «إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب عظيم في الدنيا والآخرة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليلقي بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً»، ولا شك ان الجرم والذنب والإثم يتعاظم بتعاظم دائرة انتشاره بين الناس.

والمتأمل والمتدبر لما يدور حولنا هذه الأيام في جميع أنحاء العالم يجد هجمة شرسة من أولئك الذين يحقدون على الانسانية جمعاء، فامتطوا تلك الوسائل لاشباع غرائزهم المريضة بارضاء نفوسهم المأفونة في زرع الضغينة والحقد بين الأمم فشاع الفساد واختلفت المجتمعات وتناحرت بسبب نشر الافتراء والكذب والتضليل.

وقد وقع المسلمون في أنحاء العالم فريسة لتلك الذئاب الجائعة من الحاقدين على الاسلام وأهله، واذا صدر هذا عن أعداء الحق فهذا أمر متوقع، وهو قديم قدم الصراع بين الخير والشر وبين الحق والباطل، لكن الطامة الكبرى والرزية العظمى عندما يصدر هذا البغي الاعلامي من بعض المنتسبين الى المسلمين من بني جلدتهم ويتكلمون بلغتهم، سواء ممن ضلوا الطريق فخرجوا عن جادة الحق، أو ممن غرر بهم، أو ممن ارتكبوا ذلك لفهم خاطئ في الدين، أو من خلال الغلو فيه والخروج عن جوهره ومضمونه، أو ممن ارتكبوا ذلك بسطحية وسذاجة وغفلة أوقعتهم في هذا من حيث لا يدرون.

وتلك الفئات هي أخطر على الإسلام والمسلمين من غيرهم لأنها محسوبون على المسلمين ويتكلمون باسم الاسلام وبلسان المسلمين فيستثمر ما هم فيه من حال مخالفة للإسلام من قبل اعداء الاسلام على انهم هم الانموذج الحقيقي للمسلم الصحيح، فضلاً عن ان شهاداتهم وفرياتهم سوف تؤخذ وتضخم من قبل اعداء الاسلام مكراً وكيداً باعتبار أن هذا صادر عن المسلمين، وانه قد شهد شاهد من أهلها وهكذا.

ولهول كل ما سبق من أسلوب البغي والظلم الاعلامي، باعتباره اسلوباً بغيضاً وقبيحاً بما فيه من افتراءات وزيف وضلال وقلب للحقائق وتشويه وتجريح للثوابت، وبما يترتب على ذلك من آثار سيئة ووخيمة على الافراد والجماعات والمجتمع فقد تجرأ بعض الكتاب بتسمية تلك الحالة وهذه الظاهرة بتسميات ومصطلحات كثيرة منها «الخداع الإعلامي» «الزيف الإعلامي» «التزوير الإعلامي» وغير ذلك من المسميات التي أطلقت على هذه الظاهرة البغيضة بل إن البعض جوز لنفسه إطلاق اسم «الدعارة الإعلامية»، ورغم انني لا أوافق على هذه التسمية من باب البعد عن الفحش في القول الا انني أورده لكي يستبين القارئ العلاقة التشبيهية بين المشبه والمشبه به وأداة التشبيه، فإن كانت الاطراف في الدعارة المادية (طرفاها والمروجون لها والذين ييسرونها للناس) كل منهم قد انتهك حدود الله وظلم نفسه وظلم من حوله وظلم المجتمع الذي يعيش فيه بسبب ما يوجد من لقطاء وأطفال غير شرعيين، واختلاط وضياع للانساب، وتشويه لكيان الأسرة في المجتمع، ونشر للرذيلة.

وكذلك الأمر بالنسبة لاطراف البغي الاعلامي فإن كلا منهم قد انتهك حدود الله وظلم نفسه وظلم من حوله وظلم المجتمع الذي يعيش فيه وارتكب اثماً عظيماً في تضليل الناس ونشر الفساد في الأرض واحداث قلاقل وزوابع في المجتمعات البشرية قد يمتد أثرها الى اجيال قادمة بسبب ما يحدثه من ضياع للحقوق، وطمس لمعالم الحق، ونشر للباطل وتزيين له، واختلاط للمفاهيم والحقائق، وتشويه لقيم المجتمع الى الدرجة التي لا يستطيعون معها ان يميزوا بين الخبيث والطيب.

وعلى الرغم من عدم قناعتي ـ كما ذكرت ـ باستخدام هذا المصطلح في شكله ومسماه الا اننا نجد ان البغي الاعلامي جاثم فوق صدور المجتمعات، وان الباطل والزيف قد تزين للناس وامتطى صهوة الاعلام الحديث بكل تقنياته وأدواته ووسائله واساليبه وغزا الناس في مجتمعاتها ومنتدياتها واقتحم عليهم خصوصياتها جبرا لا اختيارا ليقلب الحقائق وينال من الثوابت والمسلمات ويلبس الزيف والضلال والباطل ثوبا جميلا براقا يضع من خلاله السم في العسل، ويُغلف الباطل بالجماليات والفتن والمغريات وكل ما يشد الناس اليه ليحمل لهم في داخله الشر والضلال وسوء العاقبة.

والكيس من اعتبر وفطن وأفاق من سباته وابصر الحق وعض عليه بالنواجذ وتمسك به «فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» والمفرط المقصر من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني واستسلم للسبات المعنوي دون بذل للجهود واخذ بالاسباب فاستسلم لتلك الافتراءات دون دراسة وترو، ودون تمعن وتأمل في ما يدور حوله.

والمتتبع لما تروجه وسائل الاعلام وادواته من افتراءات وبغي على الاسلام والمسلمين سيجد نفسه امام كمّ هائل من النماذج والانماط الاعلامية التي يردد بعضها بعضا فلا يكاد المرء يلتفت يمنة او يسرة او في اي اتجاه إلا ويجد ذلك جليا ومن خلال اي وسيلة من الوسائل الاعلامية القائمة ولهذا فإن لسان الحال يغني عن لسان المقال، فلا اجد ان من المناسب ذكر شيء من تلك الامثلة لأن في ذلك ترويجا لها ولرسالتها. واذا كانت هذه الحالة الراهنة التي نحن بصددها الآن تنظم في منظومة العداء القديم للاسلام والمسلمين فلماذا نشطت في هذا الوقت؟ والجواب عن هذا ليس باليسير ولكن يمكن اجماله في انه ومن خلال استقراء التاريخ والاحداث المماثلة يتضح ان اخطر الاوقات هي اوقات الفتن والازمات، ففي الفترات العصيبة وفي الازمات التي تعصف بالعالم وفي الحروب والنكبات التي تحدث هنا وهناك، يكون البغي الاعلامي اشد فتكا واقوى تأثيرا لاعتبارات نفسية وامنية وسياسية متنوعة ذكرها الباحثون والمتخصصون في دراساتهم عن التأثير النفسي السيئ للبغي الاعلامي في الحروب والنكبات والازمات وفي الاوقات الحصيبة التي يتعرض لها العالم والدول، واثر ذلك في خلخلة المجتمعات وزعزعتها وهدم الروح المعنوية لافرادها. والحال التي تمر الآن بالعالم ليست من ذلك ببعيد.

* الحكمة والفطنة

* واذا كانت الحكمة والفطنة والتأني مطلوبة في كل وقت، فهي بالضرورة تكون اشد طلبا وإلحاحا واكثر التزاما وقت الازمات والمُلمات والفتن التي تمر بها الشعوب، وخاصة التي تهتز فيها الثوابت والمسلمات وتكتنفها مشاعر الانفعال او الحماس والحزن والخوف والغضب في آن واحد، وهنا تأتي ضرورة الحكمة والالتفاف حول العلماء المشهود لهم بالحكمة والعقل والتروي في وسط تعلو فيه العاطفة على العقل، والتطرف على الاعتدال، والغلو على الوسطية، ويخرج فيه التفكير عن رشده واتزانه وصوابه، وتُشّوه الصور المحيطة بالانسان داخل نفسه، لأنه وفي هذا الجو الذي يفقد فيه الانسان صوابه واتزانه يتسلل الحاقدون والمغرضون وغيرهم ممن يكيدون للاسلام والمسلمين سواء من اهله ام من غير اهله لينفثوا سمومهم بين ابناء المجتمع من خلال الآراء المضللة الجاهلة والافتراءات الباغية والتجريحات والتقولات الظالمة على الحق واهله من العلماء وولاة الامر واهل الحل والعقد في المجتمعات الاسلامية، متهمين اياهم بتهم باطلة ومفتريات جائرة وتحريفات مغرضة لاقوالهم وتفسير لافعالهم، وسواء تم ذلك بتخطيط من الصهيونية العالمية ومن عاونها وناصرها، او من الشيوعية الملحدة ومن نشرها وأيدها، او من غيرهم فالنتيجة واحدة، لأن الاثر السيئ والمردود السلبي في الحالين يقع على المسلمين وعلى المجتمعات الاسلامية في غفلة من ابنائها او للأسف الشديد بمعاونة بعض منهم ممن غُرر بهم او ممن يريدون الاصلاح فيفسدون من حيث لا يعلمون.

إذا كانت هذه حال ظاهرة البغي الإعلامي على الإسلام والمسلمين، وأن المستهدف الحقيقي هو الإسلام، فإن هناك سؤالا أحسبه على لسان كل إنسان يدرك ما يدور حوله وهو: لماذا هذه الحملة الإعلامية الظالمة والبغي الإعلامي الشرس على السعودية بالذات وعلى قيمها وشعبها وعلمائها وولاة أمرها؟

وإذا كنا قد افترضنا أن هذا السؤال منطقي فإن الإجابة المنطقية عليه تستدعي أن يكون الإنسان منصفاً وعادلاً وواضعاً للأمور في نصابها الصحيح، وينبغي للإنسان العادل المنصف في هذه المرحلة العصيبة أن يكون رائده إحقاق الحق وإزهاق الباطل ووزن الأمور بميزانها الصحيح، من خلال استقراء التاريخ واستدعاء لبدايات وتسلسل العداء بين الحق والباطل وربطه ربطاً فطناً بما يدور حولنا من أحداث ومن تداعيات لكل هذه الأمور، ومحاولة قراءتها قراءة واعية مستنيرة من خلال فهم حقيقي للإسلام وعدله ووسطيته ونبذه للغلو والتطرف سواء كان إفراطاً أو تفريطاً، أو الخروج عنه وعن تعاليمه السمحة التي تخاطب الناس والعقول جميعاً برفق ولين ورحمة، أما الإنسان الذي لا يعرف حقائق الأمور أو لا يدركها فإن من حق الناس عليه أن يبتعد عما لا يحسن وما لا يعلم.

ومن يعلم حال السعودية وإيمانها الذي لا ينفك عن أي عمل من أعمالها، يجد أن الإجابة عن السؤال السابق تتمحور حول الأسباب الآتية:

1 ـ لأن السعودية تمثل حقيقة الدين الإسلامي وجوهره النقي، في نظامها وتنظيمها.

2 ـ ولأنها الأنموذج الجلي لتطبيق شرع اللّه في جميع مناحي الحياة، وهذا ما يؤرّق أعداء الإسلام ويقض مضاجعهم.

3 ـ ولأن السعودية هي قبلة المسلمين في كل مكان في العالم، ومحضن الحرمين الشريفين وخادمتهما.

4 ـ ولأن السعودية مهوى أفئدة المسلمين في كل مكان، وأعداء الإسلام والمسلمين يريدون أن يكون مهوى أفئدة المسلمين ووجهتهم المزيد من الشهوات والشبهات وكل ما يفسد عليهم دينهم فيتفرقون شيعاً وأحزاباً.

5 ـ ولأنها مهبط الوحي الذي جاء بالرسالة الخاتمة التي أرسل الله سبحانه وتعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم للناس كافة.

وأعداء الإسلام يحاولون تشويه هذه الرسالة والطعن فيها والتشكيك بها.

6 ـ ولأن السعودية لها مواقفها الثابتة والصلبة تجاه قضايا الإسلام والمسلمين المعاصرة، منذ عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ إلى يومنا هذا، وفي مقدمة هذه القضايا قضية فلسطين، التي ما زالت السعودية لا تنفك تطالب في جميع المحافل الدولية بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وعودة جميع الحقوق المشروعة للفلسطينيين. واليهود ومن شايعهم يريدون طمس هذه القضية لمصلحة إسرائيل والصهيونية العالمية.

7 ـ ولأن السعودية تساعد المسلمين في نشر رسالة الإسلام وتعاليمه السمحة في كل مكان من خلال المراكز الإسلامية والمساجد، ومن خلال الندوات والملتقيات التي تعقدها تباعا في دول متعددة لمعالجة قضايا المسلمين في كل مكان، مما أسهم في نشر الإسلام واعتناق عدد كبير من أبناء بلاد كثيرة في العالم للإسلام، وأعداء الإسلام لا يريدون ذلك من قريب أو بعيد.

8 ـ ولأن السعودية انطلاقاً من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف أخذت على عاتقها دعم قضايا المسلمين في المحافل الدولية في كل مكان ومناصرة حقوق الأقليات والجاليات الإسلامية في شتى بقاع الدنيا، وأن تقول كلمة الحق ولا تخشى في الله لومة لائم.

9 ـ ولأن السعودية كانت ولا تزال على نهجها الحكيم والمعتدل، خاصة في الأزمات الدولية واضعة في مقدمة اهتماماتها إصلاح ذات البين بين الدول الإسلامية وتوحيد صفوفها وتضامنها أولا، وهذا عكس ما يريده أعداء الإسلام والمسلمين من تأجيج للخصومات وإذكاء للخلافات والتفريق والتشتيت للمسلمين.

10 ـ ولأن السعودية تناصر وتدافع عن أهل التوحيد الخالص المبني على جوهر الدين الصحيح دون غلو أو إفراط أو تفريط في أي مكان في العالم، وأعداء الإسلام لا يريدون ذلك، بل يريدون أن ينفذوا إلى الإسلام من خلال ما يجدونه من مظاهر التناقض في مواقف المسلمين.

11 ـ ولأن السعودية تضم بين جنباتها أكبر مجمع لطباعة القرآن الكريم دستور الإسلام والمسلمين والذي وصلت مطبوعاته من المصحف الشريف بجميع اللغات ومن تسجيلاته إلى قارات الدنيا كلها، فانتشر بين المسلمين وغيرهم ممن يريدون معرفة الحق من مصدره، وأعداء الإسلام يريدون صراحة وضمناً محو تعاليم هذا القرآن شكلاً ومضموناً.

12 ـ ولأن السعودية رائدة التضامن الإسلامي وتحتضن مقر منظمته، منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تنتظم جميع الدول الإسلامية في العالم، كما أنها تحتضن رابطة العالم الإسلامي وجمعاً من المؤسسات الإسلامية، وعددا من الهيئات والمؤسسات والجمعيات الخيرية والإغاثية التي عمّ نفعها جميع أنحاء الدنيا فانتفع بها كل المتضررين من المشردين واللاجئين والفقراء في أنحاء المعمورة، ويأتي ذلك كله توحيداً للصف وجمعاً للكلمة، وتبياناً لسماحة الإسلام وتأصيلاً للتكافل الإسلامي، وأعداء الإسلام والإنسانية لا يريدون للصف أن يتّحد ولا أن يهدأ العالم، فهم لا يعيشون إلا في الأجواء المتوترة وبين أشلاء البشر وعويل اليتامى والثكالى.

وفي ظل معرفة المراد بالبغي الإعلامي ودوافعه، وتسلط وسائل الإعلام الأجنبية على السعودية حصن المسلمين ودار الإسلام ومعينه، وفي ظل ضرورة أن نتعايش في هذا العالم، فكيف نتعامل إذن مع هذا البغي الإعلامي؟

* الفكر الرشيد والمنهج القويم

* كيف نتعامل مع هذا البغي الإعلامي؟ إن الفكر الرشيد والمنهج القويم في التعامل مع هذا الموقف يتطلب منا حسن التخطيط ودقة التدبير من جانبين، جانب الفعل في المقام الأول، وجانب ردّ الفعل في المقام الثاني، خصوصا ونحن أهل حق وأصحاب عقيدة سليمة وقيم نبيلة سامية تسعى لخير العالم أجمع، فعلينا دائماً أن ننطلق من موقف الفعل، موقف المرسل، موقف المصدر للقيم النبيلة والمبادئ السامية والأخلاق العالية الرفيعة التي يرتكز عليها ديننا الحنيف، وان نكون قدوة حسنة في جميع أعمالنا، وألا تخالف أقوالنا افعالنا. «يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون».. وقول الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وقول الآخر: «آسي يداوي الناس وهو عليل».

وعلينا أن نتذكر دائماً أن مجتمعنا مجتمع رسالة، وأننا أهل رسالة إنسانية للبشرية جمعاء، ولا نقبع ونقيد أنفسنا برد الفعل الذي يجعلنا دائما في دائرة الاتهام، لكن علينا العمل بقوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، وألا نلجأ إلى ردّ الفعل إلا حينما يُفرض علينا ونُجبر عليه، ذلك لتوضيح الحقائق ووضع الأمور في نصابها، لأن شريعتنا الإسلامية تحفظ حقوق الإنسان وتدافع عنها وتدعو إلى التعايش والتسامح بين الناس على منهج حق وعمل صحيح، وتحارب الغلو والتطرف والإرهاب بأسلوب يناسب كل فطرة سليمة وعقل رشيد.

* موقف الفعل

* وفي ما يلي توضيح لكيفية التعامل مع كل من الجانبين:

أولا: في ما يتعلق بموقف الفعل: يجب علينا أن نقوم بما يأتي:

1 ـ ان إفراد اللّه سبحانه وتعالى بالعبادة هو جوهر وظيفة الإنسان في هذا الوجود «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، وهذا يجب أن يكون حجر الأساس في الدعوة إلى الله كما جاء في حديث معاذ حين أرسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليمن «إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا اللّه فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة». الحديث، وأن نتدرج في التعليم كما وجه نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم معاذاً بهذا، وألا نكره الناس بقول أو فعل على شيء لا يريدونه.

2 ـ أن نفهم ديننا الإسلامي فهماً صحيحاً وفق مراد اللّه سبحانه وتعالى على منهج محمد صلى اللّه عليه وسلم وصحبه الكرام، وأن اللّه قد أرسل رسوله صلى اللّه عليه وسلم بهذا الدين رحمة للعالمين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وأن أمة الإسلام أمة وسطٌ بين الناس «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، وأنها خير أمة أخرجت للناس، «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، ولهذا تكون رغبتنا أن يشاركنا الآخرون هذا الخير الذي نحن فيه.

3 ـ اليقين الكامل والثقة التامة في هذا الدين، وأن في التمسك به العصمة من الزلل، وصلاح الدنيا والآخرة، لأنه من لدن الحكيم الخبير الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلح شأنه وما يفسده، وأن العاقبة والنصر والتمكين ستكون ـ بإذن اللّه ـ لدين اللّه، وهذه حقيقة ثابتة وعقيدة راسخة، والنصر الذي وعد اللّه به عباده المؤمنين لا يكون إلا حين ينصرون دينه «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا اللّه ينصركم»، «إنا للنصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد».

4 ـ تطبيق شرع اللّه في كل مناحي الحياة في العبادات والمعاملات وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي إقامة العدل والقسط ومنع البغي والظلم والفساد.

5 ـ ان الثوابت اليقينية في ديننا يجب ألا تمس ولا تهتز في أنفسنا بحال من الأحوال مهما شكك المشككون أو طعن فيها الطاعنون ومهما تتابعت الفتن والأعاصير وعصفت بالناس، لأن هذه الثوابت قوارب النجاة كما أرادها اللّه سبحانه وتعالى.

6 ـ في الفروع علينا عدم التضييق على الناس وقسرهم على رأي واحد ولهم في ذلك مندوحة شرعية، وألا نخلط بين الأصول والفروع.

7 ـ أن نكون في كل ما نقوم به أنموذجاً عملياً في تطبيق كل ما نقوله أو ندعو الناس إليه حتى لا يخالف عملنا قولنا فيحدث التناقض بين القول والعمل، فيضعف هذا ذاك ويكون ذلك حجّة علينا، ومدعاة للنيل منا ومن دعوتنا، وقد أكد القرآن الكريم على هذا الأمر في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لمَِ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون».

8 ـ أن نعلم يقيناً أن الصراع بين الحق والباطل قديم أزلي، كما اتضح لنا ذلك في صدر هذا المقال، وهذا الصراع ليس مرجعه إلى ديننا الحنيف، ولم يكن ذلك لخلل فيه، بل لحكمة يعلمها اللّه سبحانه وتعالى، حين جعل من خلقه المهتدين، وجعل منهم الضالين.

9 ـ اقتضى عدل اللّه ولطفه ورحمته بنا أن يهيئ لنا كل الأسباب التي نتعامل بها مع هذا الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر، إن أحسنا استيعابها والأخذ بها وإرجاع كل أمر في هذا الصراع إلى شرع اللّه، وألا نترك ذلك لأهوائنا ورغباتنا ومصالحنا الشخصية بعيدا عن دين اللّه، وإلا فنكون قد ضِعنا وضيّعنا.

10 ـ أن يكون لنا منهجنا وخططنا الواضحة تبعاً لأنواع المخاطبين وأحوالهم، وأن نستدعي لكل حال من الأحوال من شرع اللّه ما يصلحها فلكل مقام مقال مدركين في كل ذلك مقاصد الشريعة الإسلامية ومقدمين الأهم على المهم، مع الاهتمام بالجزئيات في نطاق الكليات والمصالح الخاصة، في نطاق المصالح العامة.

11 ـ احترام العلماء وتوسيد الأمر إلى أهله، فمن العجب أن الناس في أمور دنياهم يلجأون إلى أهل كل تخصص، فلا يتجرأ أهل الطب على التعدي على أهل الهندسة ولا أهل الهندسة على الصيدلة إلى غير ذلك، بينما نرى علوم الشريعة أصبحت مشاعاً يتحدث فيها وعنها كل إنسان، بل نجد من الناس من لا يتورع في اختيار من يسأل لأنه يجد من الناس من لا يتورع كذلك عن الإجابة دون أن يعلم ذلك السائل والمجيب، ان المتخصصين في علوم الشريعة يرجع بعضهم إلى بعض في بعض المسائل فكيف بعامة الناس.

12 ـ معلوم أن الفتوى في المصالح العامة للمجتمعات الإسلامية يجب أن تقيد في أصحابها الذين هم أهل لها وأقدر وأجدر بها، والذين يحددهم ويختارهم ولاة الأمر وفق الضوابط الشرعية لذلك، وعدم التجرؤ على الفتيا ممن هو غير أهل لها، أو ممن لم يوسد إليهم أمر الفتيا، خاصة في المسائل العامة التي لها علاقة بعموم الناس، لأن في ذلك اختلافا في الرأي وشتاتا في الأمر وفرقة وبلبلة في صفوف المسلمين، مما يخالف المقاصد الشرعية في توحيد صف المسلمين وجمع كلمتهم التي هي مقدمة على غيرها، فضلا عن أن النوازل لا يؤخذ فيها بقول أفراد من طلبة العلم أو العلماء، وإنما ينظر فيها ما يصدره جمع من العلماء في الهيئات العلمية أو لجان الفتوى أو ما يجتمع عليه من يوثق بدينه وفقهه للنوازل، ولا يخفى على ذي لب أن في التجرؤ على الفتيا من غير أهلها تجرؤا على حدود اللّه ومَهلَكة لصاحبها، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار».

13 ـ أن يكون من قواعدنا في العمل الطاعة لولاة الأمر في غير معصية فنلتزم بما يضعونه من أنظمة وتعليمات ونعمل بها «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه والرسول وأولي الأمر منكم».

14 ـ أن نضع من قواعد العمل احترام ما لدى الآخرين من أفكار وآراء وألا نسفهها، بل نتعامل معها ونناقشها وألا نلزم الناس بالاستماع إلينا أو بالعمل بما لدينا «لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها».

* رد الفعل

* ثانيا: في ما يتعلق بجانب ردّ الفعل: أمام هذا البغي الإعلامي والافتراءات التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون سواء من قبل أعداء الإسلام، أو من بعض المنتسبين إلى المسلمين وتنكبوا الطريق وخرجوا عن الجادة والصواب ممن غُرّر بهم أو خُدعوا أو بسبب فهم قاصر أو قلة في الإدراك، أو ممن لهم أغراض ومصالح شخصية تخرج عن نطاق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين. ففعلنا يجب أن يأخذ في الاعتبار المعايير التالية:

1 ـ أن يكون من قواعدنا في التبيين والإيضاح العمل بقول الحق جل وعلا: «ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا اللّه إن اللّه شديد العقاب»، وقوله جلّ وعلا: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا اللّه إن اللّه خبير بما تعملون»، فلا نعتدي في القول والعمل، ولا نحمل الأقوال أو الأفعال معاني أو مقاصد لا تتحملها.

2 ـ التثبت والاستيثاق مما يقال وأن نأخذ الأمور من مصادرها لكي نستبين الحقيقة، عملاً بقول اللّه سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».

3 ـ التأني والتروي وعدم التسرع في الردّ على ما يقال قبل دراسته وتمحيصه والوقوف على أبعاده، وعدم الانسياق وراء العواطف، البعد عن الأهواء والانفعالات الشخصية في التعامل مع الأحداث والموضوعات، بل وعدم الرد على كل شيء.

4 ـ عدم ترديد ما يقال من بغي إعلامي وفتن وافتراءات على الإسلام والمسلمين حتى لا نسهم ـ من دون أن ندري ـ في نشرها وتوسيع دائرتها الإعلامية، ومحاولة حصر ذلك في أضيق نطاق ممكن.

5 ـ إلا نصدر الأحكام المسبقة ونجعلها معياراً ومقياساً لكل شيء فنتعسف في تفسير الكلمات وليّ أعناقها لتوافق المعنى الذي نريد حتى يكون الحكم الذي أصدرناه مسبقاً صحيحاً، وأن نتفاعل ونتعامل مع الأمور بقدرها فلا نضعها في بوتقة ليست لها، ولا في نصاب ليس لها.

6 ـ التعامل مع الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة من قبل أهل الاختصاص في ذلك، وبالقدر المناسب لتفنيدها وتصحيحها ووضع الأمور في نصابها، وأن لا يزيد مقدار ردّ الفعل عن الفعل نفسه، حتى لا تسهم المبالغة في ذلك في تضخيمها وتهويلها وإشاعتها، وألا يتولى الرد والإجابة من لم يطلع على حقائق الأمور فنصدر أحكاماً مبسترة وقاصرة عن أداء الرسالة وتحقيق الهدف، بل يترك الرد لأهل الحل والعقد الذين لديهم الاطلاع والقدرة على التمحيص لمعرفة جلب المصالح ودفع المفاسد.

7 ـ أن يكون الرد على كل أمر وفقاً لما يناسبه فأحياناً يكون من الكياسة والفطنة التعامل مع الافتراءات والبغي الإعلامي بتكذيبها عملياً من دون مناقشة هذه الفرية أو إذاعتها أو ترديدها بإذاعة الرد عليها، بل يكتفى بالجواب العملي وكفى، دون أن نردد هذه الفرية على الإطلاق وهكذا في كل مسألة لها ما يناسبها تبعاً لحالها وموقفها وزمانها.

8 ـ إيضاح وإبراز قُبح وبُغض الكذب والافتراء والتقول ونشر الأخبار السيئة والتحدث عن كل شيء (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع)، لأن الكذب فضلاً عن تحريمه شرعاً مفسد لكل أمر يدخل فيه، وقد ذمّ القرآن الكريم الكذب في أكثر من موضع وكذلك الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ومن المؤسف أن يكون الكذب بشتى أنواعه المطية التي تمتطيها كل الأبواق الإعلامية الباغية.

9 ـ إبراز وإيضاح المكانة العظيمة للإنسان عند اللّه عز وجل وتعظيم الإسلام لذلك، وتعظيم حرمة العرض في الشريعة الإسلامية وخطورة المساس بالأعراض، وتوعد الإسلام لكل من يمس أو يتجرأ على تلك الحرمات بالويل الشديد لخطورة هذا الفعل على المجتمعات الإسلامية. يقول الحق جل وعلا: «ولقد كرمنا بني آدم..» الآية، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)، وكان عليه الصلاة والسلام يقول ذلك وهو يخطب في الناس في عرفة، حيث اجتمعت حرمة المكان وحرمة الزمان.

10 ـ في ما يتعلق بغير المسلمين، علينا اضافة الى ما سبق أن نتبع ما يأتي:

أ ـ تفهم عقلياتهم ولغة الخطاب التي يفهمونها عند تفنيدنا لما يصدر عنهم، وذلك في إطار الشرع الحنيف، بالمنطق الذي يناسبهم، ولغة الخطاب التي يفهمونها.

ب ـ أن نقدم المجادلة بالتي هي أحسن والحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين في كل ما نقدمه لهم وفي الحقائق التي نعرضها عليهم، في تفنيدنا لكل ما يقولون ويفترون على الإسلام والمسلمين.

ج ـ أن نتدرج معهم في لغة الخطاب وأن نصبر على ذلك حتى نصل إلى ما نصبو إليه من إيصال الحق والخير إليهم، وقد أمرنا ديننا الحنيف بالصبر والتحمل في سبيل ذلك.

د ـ ألا نناصبهم العداء والصدام ابتداء وألا يقع منا سباب لهم «ولا تسبوا الذين يدعون من دون اللّه فيسبوا اللّه عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون».

هـ ـ علينا أن ندرك أنهم إن كانوا قد عصوا اللّه فينا ببغيهم الإعلامي، فلا نكون مثلهم ونعصي اللّه فيهم في تجاوز الحد عند الرد على تلك الافتراءات، لأننا أهل حق وقيم سامية تحرم علينا البغي أياً كانت الأسباب.

و ـ أن نحلّ جميع ما يعرض أو ينشأ بيننا وبينهم في إطار فهمنا الدقيق لنصوص الكتاب والسنة فهماً متكاملاً يحقق المقاصد الشرعية، دون أن نتعامل مع نص ونترك الآخر بموجب فهم يوافق مراد اللّه سبحانه وتعالى وفهم نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم وصحابته من بعده، وسلف هذه الأمة فلا يستدل بالنصوص في غير ما جاءت من أجله ولا تفهم أو تفسر الآيات خارج الفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية.

* تعاليم الدين الإسلامي

* واختتم هذا الموضوع بعبارات وجيزة، وهي:

1 ـ أننا بعد أن نعمل كل ما سبق في إطار تعاليم ديننا الحنيف ونأخذ بالأسباب الممكنة بالطرق والأساليب المشروعة علينا أن نؤمن ونثق بأن كلمة الحق هي التي تعلو وهي التي لها الثبات والرسوخ والبقاء، تصديقا لقول اللّه تعالى: «ألم تر كيف ضرب اللّه مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب اللّه الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل اللّه الظالمين ويفعل اللّه ما يشاء»، وقوله تعالى: «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال»، وقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب اللّه وسنتي». ولو أنصف الإعلاميون ووسائل الإعلام من أنفسهم لجعلوا هاتين الآيتين وهذا الحديث، بالإضافة إلى قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..» نصب أعينهم عند نشر أي خبر أو أي مادة إعلامية، بل لجعلوها الميزان الذي به يزنون مادتهم الإعلامية، والمعيار الذي إليه يحتكمون في أعمالهم الإعلامية كلها.

2 ـ كلمة يفرضها الواقع بل الواجب وهي تمثل الشعب السعودي في تعاملهم مع تلك المكائد والمغالطات الإعلامية قول الحق جل وعلا: «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، إلى قوله تعالى في وصف المؤمنين: «وإذا مروا باللغو مروا كراما»، أجل إنه لم يستمع يوماً إلى هذه المكائد الإعلامية الرخيصة، بل ازداد تماسكاً وترابطاً والتفافاً حول قيادته والمتتبع المنصف يدرك ذلك ويلمسه، متمثلين قول الحق جل وعلا: «فاصبر إن وعد اللّه حق ولا يستخفنك الذين لا يؤمنون»، وقوله: «واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم».

3 ـ ثم أقول لأولئك الذين أخطأوا الهدف حين سخروا وسائل إعلامهم ومحطاتهم الفضائية وأقلامهم لمناقشة ترهات من الأقوال والتصاريح الصحافية المبتسرة، إن رسالة الإعلام الحقيقية هي: خدمة الحقيقة، وأمانة الكلمة، وتحري الإنصاف والعدل، لاطلاع الناس على الحقائق، وأما المؤمنون فلن يضيرهم ذلك، قال تعالى: «والعاقبة للمتقين».

4 ـ كلمة أقولها لأولئك الذين يتطلعون إلى استخدام وسائل الإعلام لتسويق تحاملهم ومفاهيمهم الخاطئة وسياساتهم المتأرجحة وازدواجيتهم في التعامل مع قضايا الشعوب، وتنكبهم لمواثيق وعهود وإعلانات عالمية أشهروا دفاعهم عنها، مما فتح الباب لآخرين للمطالبة بالحقوق نفسها، ذلك لأنه لم يعد الآن خافياً على كل إنسان في هذا العالم أي شيء فيه، فإنسان اليوم ليس إنسان الأمس وعالم اليوم أصبح أصغر من قرية الأمس، واعلموا أنه متى ثارت غرائز الانتقام عند الشعوب وغرست بذور الشر، فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر، لهذا فإن العقل والحكمة في السعي لسد كل باب من أبواب الأحقاد والبغي والتعامل مع الشعوب على أساس المساواة والعدل والإنصاف وتحقيق المصالح وتبادلها بعدل ومساواة.

5 ـ وأخيراً وليس آخراً كلمة يفرضها الواجب الشرعي، كل تلك المكائد الإعلامية، والفجاجة في كيل التهم والانتقادات الإعلامية في تطبيق السعودية لأحكام الشريعة الإسلامية وتمسكها بمبادئها وقيمها ومثلها العليا، ومناصرتها لقضايا المسلمين وفي مقدمتها قضية فلسطين والعمل على تضامن المسلمين وجمع كلمتهم، كل ذلك لم يزد قيادة السعودية إلا تمسكاً بعقيدتها وثباتاً على مبادئها في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومناصرة المسلمين، والإعلان الواضح والصريح عن تمسكها بموقفها من حق الشعب الفلسطيني في بلده، وتكوين دولته المستقلة، دون مراهنة أو مساومة على أي شيء من ذلك، بل أعلنت قيادة السعودية ذلك واضحاً جلياً، فشكر اللّه مسعاهم وزادهم ثباتا وسؤدداً وتمكيناً ووفقهم وسدد أقوالهم وأفعالهم.

* وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف في السعودية