قطار الصعيد المنكوب كشف قصور قانون الأحوال الشخصية في مصر

جدل واسع بين علماء الدين ورجال القانون ونواب البرلمان حول مدة الحكم بموت المفقود

TT

أحال الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري الى لجنة الاقتراحات والشكاوى ثلاثة تعديلات تشريعية مقدمة من الاعضاء منصور عامر وعماد الجلدة وتيسير مطر بشأن المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية.

وتنص التعديلات على اعتبار المفقود ميتا بعد مضي سنة من تاريخ فقده في حالة ما اذا ثبت انه كان على ظهر سفينة غرقت أو طائرة سقطت أو في حوادث القطارات والزلازل، ويفوض بتحديد المدة التي يحكم بعدها بموت المفقود الى القاضي على ألا تقل عن أربع سنوات بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة.

وأثارت هذه التعديلات جدلا بين علماء الدين ورجال القانون فالبعض يطالب بعدم تخفيض المدة التي يحكم بعدها بموت المفقود والأخذ بالأحوط لأن التعجل قد تترتب عليه مشكلات اجتماعية ومادية تتعلق بزوجة المفقود وورثته، في حين يؤكد المؤيدون لتخفيض المدة الى سنة أن تقدم وسائل المواصلات والاتصالات يجعل من السهل التحري عن المفقود والتأكيد من حياته أو موته بالاضافة الى أن تخفيض المدة يحقق مصلحة كل الاطراف. جاءت هذه التعديلات في اعقاب احتراق قطار الصعيد واحتراق مئات الضحايا وعدم التمكن من التعرف على هوياتهم والتي كشفت عن قصور واضح في قانون الأحوال الشخصية.

واوضح الدكتور جمال الدين محمود نائب رئيس محكمة النقض السابق ان الفقهاء ورجال القانون ميزوا بين حالتين للمفقود، الأولى وتضم من فقد في حالة يغلب عليه فيها الهلاك وهنا يحكم بموته بعد مرور أربع سنوات، والثانية تضم من فقد وانقطعت اخباره لكن في حالة لا يغلب عليه فيها الهلاك وهنا يحكم بموته بعد بلوغ سن معينة مثل الستين أو السبعين أو بعد موت معظم أبناء جيله.

واشار الى أن هذه المعايير لا بد من اعادة النظر فيها لأنها لا تلائم طبيعة العصر في ظل تقدم وسائل النقل وثورة الاتصالات وكثرة المخاطر التي يتعرض لها الناس، موضحا ان المشكلة التي تواجهنا بالنسبة لتقليل المدة لسنة واحدة تتمثل في ان الطائرات والسفن والقطارات لا تمثل حالات يغلب على من يستغلها الهلاك، لكن يمكن الحكم عند غرق السفينة أو سقوط الطائرة أو احتراق القطار بموت الركاب ان لم يكونوا بين الناجين أو المصابين.

واقترح الدكتور محمود ان تكون هناك سلطة متخصصة تصدرقرارا بموت المفقودين في مثل هذه الحالات لأن انتظار حكم قضائي بموت المفقود لفترة طويلة يلحق الضرر بالاحياء خاصة الزوجة والورثة.

وقال أما من لم يثبت انه كان يستقل هذه الوسائل وقت وقوع الحوادث ولم توجد له جثة فيجب في هذه الحالة اتباع الاجراءات العادية التي نص عليها القانون، اي الانتظار أربع سنوات للحكم بموت المفقود، أو الانتظار الى السن التي يموت فيها معظم أبناء جيل المفقود في الحالات التي لا يغلب عليه فيها الهلاك.

واوضح الدكتور أحمد طه ريان استاذ الفقه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ان المفقود في حالات الكوارث والاوبئة يجب على القاضي التحري عنه في كل مكان يظن وجوده فإذا لم يتم العثور عليه تنتظر زوجته أربع سنوات وفي نهاية هذه المدة تعتد عدة الوفاة وبعد انتهاء العدة لها الحق أن تتزوج وان تستوفي كل حقوقها كمؤخر المهر ونحو ذلك.

وقال اذا حضر الزوج الأول قبل ان يدخل بها الزوج الثاني تعود اليه، أما اذا كان الزوج الثاني قد دخل بها فهي له، مشيرا الى أن الزوجة اذا كانت ستضرر من الانتظار سواء لعدم وجود مال تنفق منه أو لكونها شابة ترفع الأمر للقضاء ويحكم لها بالطلاق للضرر.

واضاف الدكتور ريان ان احتراق القطار أو غرق السفينة أو سقوط الطائرة ينطبق عليها نفس الحكم أي تنتظر الزوجة أربع سنوات ثم يحكم بموته بعد ذلك، مشيرا الى انه لا يجوز تخفيض المدة الى سنة أو أقل من أربع سنوات لأن الذي سن هذه المدة هو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما اختفى رجل فضرب لزوجته أجل أربع سنوات.

واشار الى أن الذين يطالبون بتخفيض المدة لا يستندون الى دليل فقهي وانما يعتمدون على عقولهم وعلى قدرة الوسائل التكنولوجية الحديثة في التوصل الى موت المفقود أو حياته.

ويؤيد الدكتور محمد فؤاد شاكر استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة عين شمس تخفيض المدة التي يحكم بعدها بموت المفقود الى سنة، مؤكدا ان تغير الحياة وتطور وسائل الاتصال جعلا من الممكن التحري والبحث عن المفقود والتوصل الى نتيجة مؤكدة خلال فترة قصيرة جدا وبالتالي فلا يوجد مبرر للانتظار أربع سنوات من جانب الزوجة أو الورثة.

ولا يفرق الدكتور شاكر بين الحالات التي يغلب فيها على الشخص الهلاك والحالات التي لا يغلب فيها الهلاك، مشيرا الى انه حتى بالنسبة للشخص الذي انقطعت أخباره يمكن الاستعلام عنه عن طريق السفارات ووزارات الخارجية وكذلك عن طريق منافذ الخروج والدخول سواء البرية أو البحرية، وكل هذا لا يحتاج الى وقت طويل.

وأكد ان التعديل المقدم لمجلس الشعب يواكب تطور العصر ويلبي احتياجات الناس ويحقق مصالحهم وهذه أمور معتمدة في الشريعة الاسلامية لأن الدين جاء لاسعاد الناس وليس للتضييق عليهم.

وقال الشيخ فرحات السعيد المنجي المشرف العام على مدينة البعوث الاسلامية في الازهر، ان الفقهاء حددوا المدة التي يحكم بعدها بموت المفقود بأربع سنوات، بحيث اذا لم يعد المفقود خلالها فإنه يكون من الأرجح ليس على قيد الحياة.

واضاف لكن هذا الحكم لا يمنع ان نجعل المدة سنة واحدة بالنسبة للمفقود في الكوارث كسقوط الطائرة أو غرق السفنية ما دمنا متأكدين تماما ان المفقود كان موجودا على متن الطائرة أو السفنية وقت وقوع الكارثة ولم يكن في مكان آخر، مشيرا الى ان هذه المدة كافية للحكم بموت المفقود وفي تلك الحالات حتى ولو لم يتم العثور على جثته.

ويرى انه بالنسبة للشخص الذي يسافر الى بلد وتنقطع اخباره سواء لظروف لا تمكنه من العودة أو الاتصال بذويه أو لفقدان الذاكرة أو مرض ونحو ذلك، فاننا لا يمكن ان نصدر حكما بموته بعد سنة واحدة وانما لا بد من الانتظار أربع سنوات على الأقل. أما لو حدثت كارثة في البلاد التي يقيم فيها أو انتشر فيها مرض فتاك أو زلازل مدمرة أو وقعت كارثة طبيعية أو حرب، فيمكن الاكتفاء بسنة واحدة.