الشيخ خالد الجندي: تراجع الأخلاق والأمية دليل فشل الدعاة التقليديين

من عباءة الأزهر إلى كاميرات الفضائيات

TT

يؤمن بالتجديد في لغة الخطاب الديني من رأسه حتى أخمص قدميه. يرفض السير في الطرق المعتادة مفضلاً عليها استكشاف أخرى بديلة عنها. يعشق القراءة في كل شيء حتى مجلات الأطفال. لا يخشى مخالفة الآخرين طالما كان على حق. سلاحه في هذا كله، نشأته في واحدة من حارات حي السيدة زينب بالقاهرة والتي يصفها بأنها سر قوته الحقيقية، لأنها منحته الجرأة والشجاعة فيما يواجه من أمور. إنه الداعية الديني خالد الجندي الذي أثار العديد من الجدل منذ بدء ظهوره حاملاً لقب «الشيخ الأزهري» في الوقت الذي كان يرتدي فيه ملابس الشباب الحديثة والبزات الرسمية المنتقاة من بيوت الأزياء العالمية. بالإضافة إلي أسلوبه الجديد في الدعوة والتعليم والذي أثار ضده المؤسسة الرسمية الدينية في مصر إلى حد مهاجمته في بعض الأحيان ومنعه من الظهور في التلفزيون المصري في أحيان أخري. إلا انه وعلى مدى سنوات مضت دأب فيها علي إثبات ذاته، نجح في التغلب على كل هذا، حتى صار عضواً في المجلس الأعلي للشؤون الإسلامية، وضيفاً مميزاً على برامج التلفزيون المصري.

في حارة الألفي بحي السيدة زينب بالقاهرة كان مولد الشيخ خالد الجندي في عام 1961 لأب كان يعمل موظفاً في إحدي المصالح الحكومية. خطوات التعليم الأولى كانت في الكتاب الذي أتم فيه حفظ القرآن وهو لم يزل في العاشرة من عمره. كانت الدراسة الأزهرية هي الطريق التي اختارها ليلتحق بعد الحصول على الثانوية الأزهرية بكلية الشريعة الإسلامية التي تخرج منها في مطلع الثمانينات ليعمل خطيبا لأحد المساجد بالقاهرة. كان لأسلوبه وحلاوة طرحه لتفسير الدين السبب في ذيوع صيته في زمن الفضائيات والقنوات المفتوحة التي تلقفته ليحل بها ضيفاً على برامجها، وليصبح في ما بعد واحداً ممن يطلق عليهم ظاهرة «الدعاة الجدد»، وهي التسمية التي يرفضها الشيخ خالد الجندي مؤكداً انه ليس هناك دعاة جدد وآخرون قدامى، ولكن، هناك دعاة يعرفون كيفية الوصول إلى المسلمين والتأثير فيهم وآخرون يفشلون في ذلك.

ويضيف الجندي: الكارثة أن رجال الدين لدينا يصرون على سكب ما تعلموه في الكتب على المستمعين لهم من دون أن يعيدوا النظر في كيفية طرحه. والمطلوب من هؤلاء المستمعين أن يقولوا لهم (آمين) وهذا غير صحيح. فالدين يسر وليس عسرا، كما أن الواجب على أي داعية أن يلم بشؤون عصره وعلومه وأحداثه ومواقفه. وأن يخاطب الناس بلغتهم لا بلغة السلف الذين خاطبوا الناس بلغتهم وبما يناسب عصورهم التي ظهروا فيها. ولسنوات فشلت المؤسسة الدينية الرسمية في بلادنا العربية كلها في الوصول إلى الناس والتأثير فيهم، وأقول (فشلت) وأمامي أدلة متعددة، منها الأمية التي عجزنا عن محوها، وأخلاقيات الناس التي فشلنا في السمو بها، ومخالفات المرور التي فشلنا في جعلها جزءاً من سلوكيات الناس فيطبقونها حتى في غياب الشرطة.

ويرى الجندي أن البعض يظن أن مهمة الدعاة هي إقناع الناس بأداء فروض الدين، وأن دليل نجاح هؤلاء الدعاة هو زيادة تردد الناس على المساجد وأدائهم للفروض، وهذا غير صحيح والدليل أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لخص الدين في عبارة واحدة عندما سئل عنه فقال «الدين المعاملة»، كما قال: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ولم يقل بعثت لأتمم الصلاة أو الصيام أو الزكاة. لماذا لأنها فروض يلزم المؤمن بفعلها وإن لم يفعلها فإنه لا يؤذي غيره وحسابه على الله. أما أخلاقه إن ساءت فإنها تسيء للدين الذي ينتمي إليه وتسيء لغيره من عباد الله. كما أن مكارم الأخلاق قد تشفع للمسلم الذي غفل عن بعض العبادات يوم القيامة. والدليل هو حديث الرجل الذي دخل الجنة بسقياه لكلب وحديث المرأة التي دخلت النار لحبسها قطة. ولكن العبادات لا تشفع للمسلم يوم القيامة إن كان سيئ الخلق، والدليل حديث المفلس الذي يجيء يوم القيامة مصلياً، صائماً، ومزكياً، ولكنه سب هذا وظلم هذا وأكل مال هذا وهكذا.

ولعل الرغبة في الوصول إلى أكبر عدد من المسلمين كانت وراء إصرار الشيخ خالد الجندي على الظهور أمام الجماهير بالملابس التي يرتديها غالبية الشباب. رغم تفضيله للزي الأزهري في حياته وجلساته الخاصة. وهو الأمر الذي يصفه بقوله: «نعم كان لدي هدف من عدم ارتداء الزي الأزهري عند بدء ظهوري للناس في القنوات التلفزيونية، فقد كنت أسعى للوصول إلى الشباب الذي كلنا كنا نشكو إما من تطرفه ومغالاته في الدين، أو من ابتعاده عنه وعدم التزامه بفروض الإسلام السمح. كما أن البعض يرى بإلزامية رجل الدين المتخرج من الأزهر بارتداء الزي الذي اشتهر به، وهذا ليس صحيحا لأنه ليس فرضاً. وفي النهاية أردت ان أقدم صورة جديدة لمن يتحدث في الدين. فأنا أرفض لقب رجل دين، لأن كل المسلمين رجال دين وكل المسلمات نساء دين، فالإسلام دين يمكنه احتواء الجميع تحت عباءته ولهذا يصبح الجميع مكلفا بالتبليغ به والتعريف عنه لأن المسلمين خير أمه أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بسماحة الدين. ولم يقتصر التجديد لدى الشيخ خالد الجندي على أسلوب الحديث والمظهر فقط، ولكنه امتد إلى إنشاء مشروع جديد أتاح للمسلم الحصول على الفتوى التي يبحث عنها في أي وقت شاء ومن دون الحاجة للذهاب إلى دار الإفتاء مقابل سعر محدد للدقيقة. كان ذلك هو مشروع الهاتف الإسلامي الذي بدأه في مطلع الألفية الثالثة، وحقق انتشارا واسعاً وما زال مستمراً حتى الآن. وكانت تلك الفكرة سبباً في المزيد من الهجوم على الشيخ خالد الجندي بدعوى أنه يسعى لتحقيق التربح السريع من وراء تلك الخدمة. وهو ما نفاه الجندي قائلاً: «ما المشكلة في أن نستغل وسائل الاتصال الحديثة لخدمة المسلمين في أي وقت ومن دون مشقة العثور على شيخ بدار الافتاء أو تكلفتهم عناء الانتقال من أماكنهم. بالاضافة إلى هذا، هناك مسلمون يخجلون من مواجهة رجل الدين عند السؤال عن فتواهم. مثل لص سرق، أو امرأة خانت زوجها، وإلى ذلك من الأمور. والسؤال ما الذي يفعله هؤلاء إذا ما أرادوا من يجيبهم على أسئلة تشغل بالهم. فالهاتف الإسلامي يتميز بالسرية والتجرد والحياد والموضوعية والبعد عن المصلحة، ويشترط أن يكون كل العلماء العاملين فيه من علماء الأزهر لتحقيق وحدة المنهج. فالوسطية هي رمز للفتاوى التي نصدرها. وبالمناسبة فإن تكلفة الخدمة يذهب جزء كبير منها للحكومة المصرية كضرائب وأجر اتصالات، فأي ربح ذلك الذي يتحدثون عنه.

وعلى الرغم من هاتفه الإسلامي الذي يقدم الفتوى لمن يبحث عنها، وعلى الرغم أيضاً من اشتهاره في عدد من برامج الفتاوى التلفزيونية منذ سنوات، إلا أن الشيخ خالد الجندي أعلن منذ فترة طويلة امتناعه عن الفتوى في تلك البرامج. والسبب كما يقول هو حالة الفوضي التي باتت تعيشها عملية الفتوى وتصدي بعض الدعاة لفتاوى لن تفيد المسلمين في شيء مما تسبب في إثارة بلبلة فكرية في المجتمع الإسلامي، والإساءة للإسلام وكافة المسلمين كما حدث في فتوى إرضاع الكبير.

ويضيف: «قررت أن يقتصر ظهوري في البرامج التلفزيونية على الوعظ العام في شؤون المسلمين والدعوة لله من دون التصدي لفتوى على الهواء حتى لا أصنف ضمن نجوم الفتاوى الفضائية. فأنا من شيوخ الأزهر ولست من شيوخ الفضائيات وهناك فرق كبير بينهما، فلدي مؤهلات يصعب أن يحصل عليها أي من هؤلاء الشيوخ». ومن بين الانتقادات التي كانت قد وجهت للشيخ خالد الجندي قصة زواجه من سيدة مسيحية، وهو ما يقول عنه: «وماذا في هذا.. تزوجت من سيدة مسيحية أسلمت بعد زواجنا وحجت معي إلى بيت الله. وعلى الرغم من انفصالنا منذ فترة الا انني ما زلت أذكرها بكل خير. ليس هذا فقط بل إن أبنائي يدرسون في أحد المدارس القبطية التي تعلمهم الخلق والعلم في ذات الوقت. تلك هي سماحة الإسلام التي أحلت لنا طعام أهل الكتاب والزواج منهم.

انضمام الشيخ خالد الجندي إلى عضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أثار العديد من التساؤلات كان أولها «كيف نجح في إذابة الجليد بينه وبين علماء الأزهر الذين كثيراً ما هاجموه في البداية؟». ويجيب الشيخ خالد الجندي على هذا التساؤل بقوله: «علمتني الحياة الصبر على الأماني حتى أستطيع تحقيقها، وعلمتني نشأتي في الحارة أن أواجه الأمور بصدر مفتوح من دون خشية. لم أخطئ في حق أحد، ولم أخطئ في حق ديني، فقط دعوت للتجديد وجاء الوقت لأنضم إلى نخبة العلماء تلك. للقراءة في حياة الشيخ خالد الجندي مكانة لا ينازعه فيها أي شيء آخر، وهو يقول في هذا الأمر: «قرأت في كل شيء؛ كتب الإلحاد والفلسفة والسياسة والفيزياء والطب، حتى كتب ومجلات الأطفال. ففي رأيي أن الداعية يجب أن يكون مضطلعاً وملماً بكل شيء من دون تخصص، وهذا يساعده في تحقيق أهدافه الدعوية. وأعتقد أن العين خلقها الله لنا للقراءة لا للرؤية فقط». ويبقى لرمضان مكانة في نفس الشيخ خالد الجندي تتيح له فرصة الاختلاء لقراءة القرآن والتعبد كما اعتاد في صغره مع إخوته ووالديه. وهو ما يدفعه لرفض الكثير من الدعوات في ذلك الشهر الكريم الذي يحب استغلال كل دقيقة فيه.