نصرة نبينا الأكرم.. عمل واقتداء بسيرته

د. عادل بن علي الشدي
TT

لقد أكرمنا الله تعالى بالهداية إلى هذا الدين، وبمبعث نبيه المصطفى خاتم المرسلين فأكمل به النعمة، وأتم به المنة كما قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه «لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين»، (آل عمران: 164). هذا النبي الكريم جعله الله تبارك وتعالى سبباً لهدايتنا ووحدتنا واجتماع كلمتنا، وبين لنا ربنا سبحانه أن الإيمان به واتباعه والاقتداء به ونصرته سبيل الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة فقال سبحانه «..فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون» (الأعراف: 157). إن من واجبنا أن نتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ونتدارس سيرته العطرة وأيامه النضرة للتأسي والعمل، كما قال سبحانه وتعالى «لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا» (الأحزاب: 21).

وحين تتحول نصرة المصطفي صلى الله عليه وسلم ومحبته إلى عمل واقتداء، ونصرة واعية لخاتم الأنبياء، فإنها تثمر أطيب الثمار وأينعها، ذلك أن الإسهام في نصرته صلى الله عليه وسلم والتعريف به في العالمين شرف يوفق الله إليه من يشاء من عباده ومنّة يتفضل بها عليه، وتكليف يتناسب في ثقله مع مستوى التشريف كما قال سبحانه وتعالى عن القرآن الكريم «وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون. وسئل الذين من قبلكم من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون» (الزخرف: 43/44) إن مسؤولية المسلم في التعريف بنبيه صلى الله عليه وسلم ورسالته السمحة العالمية كبيرة وتزداد كلما زادت الفرصة أمامه، وقد أتاح الله للمسلمين اليوم فرصة أكبر لتعريف الآخرين ممن لا يدينون بالإسلام، بنبينا صلى الله عليه وسلم ورسالته وجوانب التميز والعظمة في شخصيته وما اتصف به من الرحمة والسماحة وحسن الخلق والوفاء بالعهود وحب الخير للبشر أجمعين.

والسؤال هنا: عن مدى قيامنا بهذا الواجب ونهوضنا بهذه المسؤولية التي هي تشريف وتكليف؟

فهل أعطينا الآخرين بأخلاقنا وتعاملنا الانطباع الصحيح عن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هل يجدون منا الصدق في المعاملة والوفاء بالعهد والالتزام بالكلمة والوضوح في التعامل والرحمة للخلق والكلمة الطيبة والبشاشة في الوجه والاستقامة في الخلق والثبات على المبدأ، والاعتزاز بالدين واتباع المنهج النبوي في سائر شؤون حياتنا، فنكون بذلك ممن شرفهم الله ووفقهم إلى التعريف العملي والنصرة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم، الذي أكرمه ربه جل جلاله بمحاسن الأخلاق ومن أعظمها الرحمة بالخلق أجمعين فهو الرحمة المهداة من الله لخلقه كما قال سبحانه وتعالى «قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون» (الأنبياء: 107)، ويكفي في تأكيد ذلك تدبر قوله «لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم» (التوبة: 129) من المؤسف أن حال كثير من المسلمين اليوم بعيدة عن هذا الاقتداء المنشود بنبينا صلى الله عليه وسلم واتباع هديه والتخلق بأخلاقه ويزداد الأسف حين ترى البعض يركز كثيراً على بعض السنن النبوية، وهذا أمر حسن في ذاته – لكنه يُهمل ما ورد من النصوص الموجبة لحسن الخلق من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، القولية والفعلية، التي أكدت على أن حسن الخلق من أعظم الأسباب الموصلة إلى الجنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه ضامن بيتاً في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، وبأن المتصف بحسن الخلق من خيار المؤمنين وأقربهم منزلة منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.

لقد قام البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم من خلال هذه المنطلقات، لتحقيق هذه الأهداف أداء لجزء من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين جميعاً، ونصرة له ومواجهة لحملات التشكيك والتشويه لشخصيته عليه الصلاة والسلام، واستثماراً لتقنيات الاتصال والإعلام الحديثة لإيصال مادة علمية ميسرة باللغات المختلفة تبرر جوانب التميز في شخصية نبينا صلى الله عليه وسلم ورسالته، وسعيا إلى تحويل الأفكار الفردية إلى جهود مؤسسية ودائمة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف به، لأن ردّات الفعل المؤقتة وأن كانت مهمة في وقتها إلا أنها سرعان ما تضمحل، ولأن المبادرة بعرض ما نعرفه عن شخصية نبينا صلى الله عليه وسلم ورسالته خير من الانتظار لحين وقوع الإساءات ثم البدء بالدفاع ورد الفعل. ومن اللافت أن البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة حين قام قبل سنتين كانت مشاعر المسلمين ملتهبة وعواطفهم جياشة وغضبهم كبيراً، نتيجة توالي محاولات الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض المغرضين.

واليوم ومع تلاشي كثير من ردّات الفعل المؤقتة يتصاعد عمل البرنامج يوماً بعد يوم لأنه سعى إلى استثمار تلك العواطف وترشيدها مع عدم إهمال ردّات الفعل المناسبة في توقيتها وحجمها، وقبل ذلك موافقتها للهدي النبوي وتواصل العمل حتى شملت أنشطة البرنامج وإنجازاته أكثر من 40 مشروعاً في مجالات تنظيم المؤتمرات والندوات والمعارض والدورات، والكتب والترجمة والمطبوعات والبرامج الإعلامية، ومواقع الإنترنت وتقنية الاتصالات وإقامة المسابقة العالمية للتعريف بنبي الرحمة، حتى حظي البرنامج ولله الحمد والمنة بإشادة ملكية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي امتدح ما يحمله البرنامج من استراتيجية واضحة وواقعية في الدفاع عن الإسلام ورموزه كما كُرّم البرنامج باستقبال خاص من الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود وزير الداخلية السعودي والأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة الرياض، وحظي كذلك بمباركة من مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، والمجمع الفقهي بمكة المكرمة.

إضافة إلى ما لقيه البرنامج من تقدير كبير من شعوب العالم الإسلامي والمسلمين في الغرب ودعم وثناء يؤكد على تعطش المسلمين لمثل هذه المشاريع التي تجمع الجهود الهادفة إلى نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف به في العالم.

ويشعر القائمون على البرنامج بالامتنان والتقدير للدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي على قبوله الإشراف على البرنامج وبذله الكبير في سبيل الارتقاء به واحتضان رابطة العالم الإسلامي له، وتوفير المظلة الداعمة لعمله.

وختاماً: فإن البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة هو برنامج كل مسلم وكل محب لرسالة السلام والرحمة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام وهو يدعو كل قارئ إلى التواصل بتقديم الأفكار والملاحظات والتعليق على المشاريع والإنجازات والتطلعات من خلال الموقع الإلكتروني على شبكة الإنترنت: www.prophet-of-mercy.com

*أمين عام البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة