بين «الشريعة» و«العرف».. خلاف حول ربط الحجاب باللون الأسود

TT

بين مؤيد ومعارض، فتحت قضية الحجاب النسائي وربطه باللون الاسود نقاشا، خاصة في عدد كبير من الدول العربية الاسلامية، وذلك في وقت تعارضت فيه آراء رجال دين ودعاة فذهب البعض الى عدم تحديد الدين للون الاسود، واعترض آخرون مؤكدين ان الشريعة حددته بشكل او بآخر.

ورغم ان مفسرين الرؤى والفلاسفة على مر العصور ربطوا بين اللون الأسود وبين كل ما يثير التشاؤم بدء برؤية الغراب الأسود والبقع السوداء، الا انه وعكس ذلك تماما ارتبط العرب وأهل الجزيرة العربية بعلاقة حميمة مع اللون الأسود بل أنهم يفضلون حماية وتخبئة كل ما هو ثمين باللون الأسود كالكعبة المشرفة التي اختير في كسوتها منذ العصر العباسي اللون الأسود.

وفي ايران ولبنان نرى بعض الشيعيين يرتدون العمة السوداء، ويظهر تمسك أهل الجزيرة باللون الأسود واضحا وجليا في حجاب المرأة المتمثل بالعباءة السوداء، والتي ارتدتها المرأة المسلمة منذ القدم وعلى مر العصور الإسلامية بارتدائها الخمار الأسود، وتليها الملاية المصرية التي اشتهرت في عصر الاستعمار الأجنبي، واللون الأسود في الحجاب تجاوز نساء الجزيرة العربية لتعرف المرأة الإيرانية أيضا بعباءتها السوداء «شادور»، وصارت العباءة السوداء عنوانا للمرأة السعودية والخليجية بشكل خاص كأنها ختم تملكها هذه السيدة المحجبة، لتعرف بها في جميع أنحاء العالم.

هذه العلاقة الوطيدة طرحت سؤالا حول الخصوصية الدينية للون الأسود في الإسلام، اذ يقول لـ«الشرق الاوسط» الشيخ جمال قطب الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بجامعة الأزهر الشريف حول اللون الأسود وخصوصيته الدينية إن وجدت ويقول «اختير اللون الأسود لكسوة الكعبة المشرفة منذ القدم وعلى مر العصور، لأنه لون مناسب للبيئة الصحراوية المحملة بالأتربة والغبار والأمطار، قادر على تحملها، كما أن الصبغة السوداء تعد من أرخص الصباغ وأكثرها وفرة، إضافة إلى أن هذا السواد يجعلها مميزة عما حولها من البشر والمباني السكنية وغيرها».

وأضاف «أما بالنسبة للعمة السوداء فقد روي أن المصطفى عليه الصلاة والسلام اعتصب عصبة سوداء في غزوة بدر ويوم فتح مكة المكرمة، ويرتدي العمة السوداء بعض أفراد من الشيعة ليميزوا أهل البيت السادة والأشراف من غيرهم كما يقولون، وقد نهى رسول الله عن صبغ الشعر واللحية باللون الأسود لما فيهما من تزوير وغش ينافي الحقيقة والواقع».

أما السواد في الحجاب، هل أمر الإسلام باللون الأسود في حجاب المسلمات؟

ينفي الشيخ قطب أن هناك أي إلزام من الشرع يأمر بارتداء اللون الأسود في الحجاب ويقول «ليس في القرآن الكريم وصحيح السنة أمر توجيه لأي لون من الألوان في الثياب للبشر عامة وللنساء خاصة».

وحول تمسك بعض المجتمعات العربية كالسعودية ودول الخليج باللون الأسود في حجاب نسائها، يرى الشيخ قطب أنها مسألة تعود إلى ما جرت عليه العادة ويقول «ما تعارفت عليه بعض البلاد من ارتداء السيدات للون الأسود، فهي عادة، وأرجح أنها كانت في بلاد العرب البادية لتمييز النساء عن رجالها حرصا على كرامة المرأة كدستور عرفه العرب قبل الإسلام وبعده، من باب ألا تتعرض المرأة لمضايقات».

وباستناد البعض لحادثة نزول آية الحجاب وتحجب أمهات المؤمنين والصحابيات رضوان الله عليهن ووصفهن كالغرابيب السود يقول الشيخ قطب «المقصود بالغرابيب السود أمور كونية غير البشر، إما صورة الغراب أو الجبل فكلاهما اسود، والمعروف أن الإسلام لم يحدد للثياب لونا فهي جزء من تعارف المجتمع تشكل جزءا من ذوقه ومن اقتصاده ونفقات المجتمع فعليهم عدم الخروج عن العرف السائد».

ويختلف عنه الشيخ أحمد القاسم المتحدث الرسمي باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة ويقول «حينما نزلت آية الحجاب وصفن الصحابيات وأمهات المؤمنين وكأن على رؤوسهن الغاربيب السود دليل على أنهن توشحن باللون الأسود فهو الأستر».

ويرى القاسم في حديث لـ«الشرق الاوسط» أن المقصود من الحجاب والجلباب هو الستر ويقول «الأصل في الستر ألا يكون الحجاب فيما يلفت نظر الرائي أو من باب الزينة، فيكون نقيض القصد الذي أمره الشارع المتمثل بستر محاسن ومفاتن المرأة المسلمة».

ويكمل حديث «ليس في حجاب المسلمات ما يلفت النظر، وليس هناك بأس إذا اختلف اللون عن الأسود كالكحلي أو البني أي ألوان داكنة ولا تكون العباءة مزركشة ولافتة وبألوان صارخة».

وترى الدكتورة سناء عابد داعية إسلامية بالسعودية أن اللون الأسود في حجاب السعوديات وبعض السيدات في بعض الدول العربية هي لما جرت عليه العادة ليس أكثر وتقول «ليس هناك نص في القرآن أو السنة يلزم باللون الأسود في حجاب المسلمات، إنما هي عادة وتقليد، بما انه عرف المجتمع فهو يأخذ حكم الشرعية في مجتمعنا، فكل ما لا يتناقض بالدين نأخذ به».

وترى عابد تغيير لون الحجاب من الأسود إلى أي لون آخر في السعودية يعتبر لافتا للنظر، أما خارج السعودية قد يعتبر اللون الأسود في الحجاب لافتا أكثر من غيره فالأفضل ارتداء ألوان دافئة وداكنة.

الكاتبة السعودية أميرة كشغري ترى في اللون الأسود تناقضا يحمله داخل طياته، فهو لون الملوك والهيبة كما أنه لون يشير إلى الكآبة والحزن والحداد بشكل عام، أما فيما يتعلق بتحديد هوية ولون حجاب السعوديات بالسواد تقول كشغري «لا يعد سوى تهميشا لها وبعدها عن الأضواء، كي لا تكون لافتة، بالرغم من أن جونا في السعودية حار وصحراوي، فاللون الأسود يمتص درجة الحرارة بشكل كبير ويحتفظ بها لفترة طويلة على عكس الألوان الفاتحة».

وترد الداعية سناء عابد حول اللون الأسود في حجاب النساء والتهميش وتقول «ليس تهميشا وإهمالا فالمرأة المسلمة وبهذا السواد استطاعت أن تلمع في المجتمع بعلمها ودورها البارز، فالأسود لا دخل له بعقل المرأة قدر أن له أثرا في عقل من يريد خلع الحجاب».

والعباءة السوداء ما عادت كما كانت عليه بشكلها التقليدي إلا نادرا، فقد عرفت خطوط الموضة وذلك بتطويرها بإضافة الإكسسوارات لها وتطريزها بالخيوط والقيطان هذا ما جعل البعض يتهم مصممات الأزياء السعوديات وبعض تجار العباءة بدعوتهم لسفور المرأة وهذا ما ترفضه مصممة الأزياء السعودية حنان مدني وتقول «معظم مصممات الأزياء السعوديات والمهتمات بتطوير العباءة متقيدات باللون الأسود، لأنه تقليد واجبنا أن نحافظ على الصورة التقليدية للعباءة ولا نخرج عن الموروث الاجتماعي، ولنفرض اذا غيرنا اللون الأسود إلى اللون الأبيض على سبيل المثال ستكون المرأة لافتة للأنظار وهذا مخالف للشرع». وكانت قبل سنوات قد عرفت الأسواق في السعودية ألوانا من العباءات كالبني والرمادي والأزرق القاتم إلا أنها منع بيعها في الأسواق من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونهرت النساء المرتديات تلك العباءات الملونة يعلق الشيخ احمد القاسم المتحدث باسم الهيئة قائلا«العباءات المخالفة للشرع واللافتة تلزمنا بان ننصح ونوعي البائع ومصممة الأزياء وكذلك النساء».

وبالعودة مرة أخرى لدلالة اللون الأسود من الناحية النفسية والعلمية يوضح لنا الدكتور سيد صوان أخصائي نفسي إكلينيكي بمركز البسمة للرعاية الخاصة بجدة أنه لون يرمز للكآبة والحزن والاكتئاب الشديد، وهو لون غير لافت إذا كان موجودا بين مجموعة من السواد كحجاب المرأة، كما انه لون متشبع بالطاقة الحرارية لامتصاصه لدرجات الحرارة واحتفاظه لفترة، كما أنه لون فاتن يزيد من جمال المرأة إذا ارتدته على فستان أو أي ثوب مجسم لجسدها فهو ملك الألوان قادر على إخفاء العيوب مما يزيد المرأة جمالا وفتنة.