مستعدون لحوار الأديان

د. عائض القرني

TT

الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان دعوة موفقة، متفقة مع منهجنا الإسلامي في حوار غير المسلمين؛ لأن معنا حجة من الله، وبرهاناً ساطعاً، ودليلاً قاطعاً، ومعنا دين عالمي ربّاني، يدعو إلى الحوار والمجادلة بالحسنى، كما قال تعالى: «وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» بل أمرنا سبحانه وتعالى أن ندعوهم إلى المناظرة والمحاورة بالأجمل من القول والأفضل من الأساليب، قال تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ» بل إن رسولنا صلى الله عليه وسلم حاور أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وزارهم في أماكنهم، وأكل طعامهم، وزاروه في بيته، وأكلوا طعامه، وعرض عليهم الأدلة على صدقه وصدق رسالته، ونحن لا نخشى حوار الأديان؛ فعندنا ـ والحمد لله ـ من الحق الواضح الصريح، والميراث المجيد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما يبهر العقل، ويشرح الصدر، ويجعل المخالف المنصف يذعن للحجة إذا كان قصده الحق، وإلا فكيف نُسْمِع دعوتنا العالم إذا أغلقنا أبواب الحوار، ورفضنا الجلوس مع غير المسلمين؟ ولماذا نخاف من مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل والفكرة بالفكرة، وليس عندنا شيء نخفيه؟ ومبادئنا قويّة صريحة واضحة وضوح الشمس تُعلن كل يوم خمس مرات من على المآذن ومن فوق المنابر، وفي الجامعات والمنتديات، وعبر الفضائيات وفي الصحف والمجلات. إن رسالتنا الإسلامية لم تأتِ لعدة ألوف من البشر، ولا لقبيلة من القبائل، ولا لدولة واحدة، ولا لجيل واحد، فالله يقول لنبيّه صلى الله عليه وسلم: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» كل العالمين؛ الأبيض والأحمر والأسود، في كل زمان وفي كل مكان منذ فجر الرسالة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والواجب على علمائنا ودعاتنا أن يكون عندهم من القوة والرغبة في إيصال الحق الذي نعلمُ إلى كل العالمين، ولا بد من أن يستمع لنا أهل الكتاب كما استمعنا لهم كثيراً، وأن يؤمنوا برسولنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأن يوقِّروه وأن يحترموه كما آمنا بموسى وعيسى وسائر الأنبياء عليهم السلام ووقَّرناهم واحترمناهم. إن مِن الأمم مَنْ وصله إسلامٌ مشوَّه قدَّمه أناس من المسلمين ليس عندهم الأهلية لتمثيل الإسلام، فتعرّف أولئك القوم على صورة مشوَّهة للإسلام ليست صورته الجميلة الباهية، فمن هنا وجب على الثقات من أهل العلم والدعوة والفكر أن يقوموا بمهمتهم، فيشرحوا للآخرين تعاليم الإسلام الراشدة وأخلاقه الفاضلة، ويزيلوا اللّبس الذي علق بأذهان خصوم الإسلام، ويرفعوا الإشكال والشُّبه التي تحكّمت في قلوب الجاهلين بالإسلام، وأنا ضامن أن مَنْ ينصت لنا من غير المسلمين ويستمع لحجتنا ويتفهّم رسالتنا وهو عاقل واعٍ فسيذعن للحقيقة وينقاد للبرهان. إن البيان أقوى من السلاح، وإن البرهان أمضى من السيف، وإن الحجة أنفذ من السهم، نحن في تاريخنا المشرق المجيد فتحنا القلوب والأسماع والأبصار بالحجج والبيّنات والآيات والعظات أكثر مما فتحنا بالكتائب والجيوش والسيوف والرماح، واسألوا إن شئتم إندونيسيا وماليزيا ودول أفريقيا والجمهوريات الإسلامية، هل وصلهم منّا جندي واحد أو دبّابة واحدة؟ بل أرسلنا لهم رسل سلام ووفود محبّة من السيّاح والتجار، فلما رأى أولئك سيرة أبنائنا وصدقهم وأمانتهم وأخلاقهم النبيلة صاح لسان الحال منهم قائلاً: نشهد أن ديناً أخرجكم أنه دين حق، فاعتنقوا الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجاً. فيا خادم الحرمين امضِ بالعلماء في مشروع إسلامي يقوم على الحوار والدليل ويجمّل صورة الإسلام ويشرح للعالمين أهدافنا الربّانيّة من توحيد الله عز وجل، والرحمة بعباده وإخراج الناس من الظلمات إلى النور والتعايش السلمي مع البشرية وإنقاذ الضالين الذين يحاربون الله ورسله وهداية الحيارى إلى طريق الحق المبين، وصدق الله: «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».