علماء أزهريون: تجسيد شخصية النبي أو الصحابة ينقلها من المطلق إلى المحدود في تصور البشر

رفضوا فيلم «فجر الإسلام» للرد على فيلم «فتنة» الهولندي المسيء

TT

رفض مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر مجددا التصريح بالموافقة على ظهور بعض الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي كالأنبياء وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعشرة المبشرين بالجنة، وآل البيت الكرام في أي أعمال فنية، سواء في السينما أو المسرح، وذلك ردا على خطاب تقدمت به أخيرا إحدى شركات الإنتاج الفني إلى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، تطلب الموافقة بالتصريح لها بإنتاج فيلم بعنوان «فجر الإسلام» وذلك للرد على فيلم «الفتنة» الهولندي، والإساءات التي يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم في الصحافة الدنماركية والأوربية، ولبيان جوانب حقيقية من سيرته العطرة ومواقفه الإنسانية مع معارضيه ودعوته للسلام والتعايش والأخوة بين بني البشر جميعا.

وقال الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: إن المجمع قد أصدر العديد من الفتاوى الرافضة لتصوير الأنبياء وكبار الصحابة باعتبار أن تجسيد شخصية النبي أو الصحابي ينتقل في تصور الذهن البشري من المطلق إلى المحدود، ونحن نتصور الأنبياء على أكمل ما تكون عليه الكمالات الإنسانية، فالنبي بشر لكنه معصوم من الخطيئة. ويؤكد عاشور أن هذا يشكل لا موقفا رافضا للفن ـ وعلى حد قوله: «لسنا ضد الفن والإبداع ولكن بعيدا عن المساس بالأنبياء والمقدسات».

لكن الدكتور عمر القاضي أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر عضو الأمانة العامة لرابطة الجامعات الإسلامية يرى جواز ظهور الصحابة وحتى العشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الفنية، لأن كل من يشاهد عملا فنيا يظهر فيه صحابي هو مدرك تماما أن هذا تمثيل في تمثيل، وتجسيد للشخصية التي يقوم الممثل بأداء دورها في العمل الفني، مؤكدا أن عدم تجسيد الصحابة على الشاشة خسارة ضخمة للدعوة الإسلامية. وأضاف الدكتور القاضي: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد استخدم أروع الأمثلة في تقديم قصص الأنبياء في القرآن الكريم فهذه دعوة لنا لنسير على المنوال ليس في تصوير الأنبياء، ولكن تصوير الصحابة والشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي، مستغلين أروع ما اخترعه عصرنا من وسائل إبهار وانتشار للرد على الأكاذيب والافتراءات التي يروج لها الإعلام المغرض لتشويه التاريخ الإسلامي. وأشار القاضي أن هناك بعض الضوابط والمحاذير التي لا يجوز التفريط فيها، أو تجاوزها فمثلا اتفق جمهور العلماء المسلمين والفقهاء على تحريم تمثيل شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في الأعمال الفنية وكذلك سائر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام أجمعين، فالنبي صلى الله عليه وسلم شخصية مقدسة لا ينبغي ابتذالها بالتمثيل أو غيره. ولكن الصحابة الكرام، وغيرهم من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي من دون الأنبياء رجال وبشر مثلنا، فما المانع من أن نقدم سيرهم ويمثلوا بلغة العصر، مع توفير كل ما يليق بهم من احترام وتقدير، لكي نبين للعالم وجه الإسلام المشرق وتاريخه المضيء الحافل بالإنجازات.

ولفت الدكتور القاضي إلى أن الممثل الذي يقوم بتمثيل شخصية أحد الصحابة الكرام يجب عليه الالتزام بعدم تمثيل أي أدوار خليعة، ويفضل أن يكون متخصصا في هذا النوع من التمثيل حتى لا يسيء إلى الشخصيات التي يقوم بتجسيدها.

يذكر أنه في عام 1950 أصدر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر فتوى مشتركة مع دار الإفتاء المصرية ترفض تمثيل شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وبحيث لا تظهر أية صورة أو يسمع صوت لأي واحد من هؤلاء. وفيما بين عامي 1961، و1977 أثير هذا الموضوع وأكد مجمع البحوث على قراره الرافض تمثيل الأنبياء والصحابة الكرام، أو ظهورهم في أي أعمال فنية، بحجة صيانة شخصيات الأنبياء وعدم ابتذالها، أو تعرضها لما لا يليق بها، ولذا وضع مجمع البحوث شرطا أساسيا لمراقبة الأعمال الفنية خاصة التي تتعرض للتاريخ الإسلامي، أو جوانب منه بأنه لا بد من عرض أي عمل فني على المجمع قبل عرضه على الشاشة لمراجعته، والتأكد من عدم تعارضه مع القيم والآداب الإسلامية. والشرط نفسه أكدته فتوى شيخ الأزهر السابق الشيخ الراحل جاد الحق علي جاد الحق التي أصدرها في عام 1980، والتي نصت على: "إن عصمة الله لأنبيائه ورسله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يتمثل شخصياتهم إنسان، ويمتد ذلك لأصولهم وفروعهم، فكل الشخصيات التي تتصل بالأنبياء يأخذون نفس هذا الحكم تبعا للأنبياء لان ذواتهم كرمها الله عز وجل وشرفها بالوحي فلا تمثل، ولا تمثل أصولهم، ولا فروعهم، ولا زوجاتهم، بل ولا أصحابهم الذين عاصروا الرسالة وأسهموا في إبلاغها. فإن القدوة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الأصحاب».