القرضاوي عضوا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر

بعضهم اعتبره دعما للهيئة.. وآخرون توقعوا صداما بينه وبين أعضائه

الشيخ يوسف القرضاوي («الشرق الأوسط»)
TT

برغم فتاواه المثيرة للجدل، إلا أن علماء الإسلام، الأعضاء في مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، اعتبروا انضمام الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي لعضوية المجمع «إثراء لنشاط المجمع».

وقال علماء من الهيئة الأبرز في الأزهر (مجمع البحوث)، إن مسألة توقيت انضمام القرضاوي لا تعني الكثير بجانب دور الرجل المؤثر في رعاية الحوار الإسلامي، فضلا عن الحوار العالمي حول الأديان الذي يوليه الشيخ القرضاوي اهتماما كبيرا. بينما رأى أحد المفكرين الإسلاميين أن انضمامه المتأخر سيؤدي لحالة من الصدام بين منهجين مختلفين في وقت يعاني فيه المجمع من حالة جمود.

وأكد بعض علماء الأزهر في لقاءات متفرقة مع «الشرق الأوسط» على أن الجدال حول بعض فتاوى الشيخ القرضاوي وآرائه والاختلاف معها لم يحل دون انضمامه إلى المجمع. وكان من بين آراء القرضاوي المثيرة وصفه للمجمع ذاته قبل عدة سنوات بالضعف ومطالبته بأن يضم كفاءات إسلامية لإنعاشه، معتبرا أن ذلك الضعف دليل على ضعف الأزهر وجموده وعدم قدرته على التطور، الأمر الذي أحدث حالة من الجدل بين علماء الأزهر واتهام القرضاوي من قبل البعض بالغيرة العلمية.

يأتي ذلك في سياق موافقة المجمع أخيرا على زيادة أعضائه من خارج مصر بعد تزايد الانتقادات بسبب تعطيل المجمع لقانونه الخاص بضرورة اختيار 20 عضوا من خارج مصر، إضافة إلى 30 عضوا مصريا ليكتمل النصاب القانوني للمجمع البالغ 50 عضوا من كبار الشخصيات الإسلامية في العالم الإسلامي. وقد تم انتخاب أربعة أعضاء جدد من خارج مصر هم: الدكتور القرضاوي القطري الجنسية (المصري الأصل) والمقيم في قطر، والدكتور محمد رشيد قباني مفتي لبنان، والشيخ حمودة النهار مفتي اليمن، والدكتور محمد أحمد الصالح عضو المجلس العلمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية، وبذلك يرتفع عدد أعضاء المجمع غير المصريين إلى سبعة أشخاص، حيث كان قد تم من قبل انتخاب كل من: الدكتور عبد السلام العبادي وزير الأوقاف الأردني الأسبق، والشيخ علي عبد الرحمن الهاشمي مستشار رئيس دولة الإمارات للشؤون القضائية، والدكتور مصطفى عبد الواحد إبراهيم الأستاذ في جامعة أم القرى بالسعودية. يذكر أن قرار الانتخاب يأتي بناء على طلبات يقدمها العلماء إلى هيئة المجمع، حيث يتم تزكيتها من اثنين من أعضاء المجمع لكل طلب، ثم يتم التصويت عليها من قبل أعضائه وقد حصل القرضاوي على أعلى أصوات اللجنة التي تشكلت لاختيار العلماء الأربعة. وبسبب شروط الانضمام إلى المجمع يحجم كثير من العلماء على التقدم بطلبات للترشح رغم فتح باب الترشيح، مفضلين اختيار الأزهر لهم، خوفا من طرحهم للانتخاب وفشلهم في الحصول على العضوية ومن ثم اهتزاز صورتهم أمام أبناء شعوبهم. من جانبه، قال الدكتور عبد المعطي بيومي عضو المجمع، أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، إن انضمام الدكتور القرضاوي للمجمع «دليل على رحابة الأزهر»، موضحاً «أن المجمع منذ عام تقريبا بدأ في العمل على اختيار شخصيات من خارج مصر للمجمع تفعيلا للقانون التنظيمي الخاص بالمجمع».

واعتبر الدكتور بيومي «أن انضمام الكوادر العلمية البارزة القادرة على الفتوى والبحث من خارج مصر للمجمع يمثل إضافة له ويعطيه صفة العالمية». ويرى الدكتور بيومي «أن ضم الشيخ القرضاوي لم يتأخر كما يظن البعض»، موضحا «أن المجمع لم يكن قد شرع بعد في العمل على ضم جنسيات أخرى، وبمجرد تفعيل هذا البند كان الشيخ القرضاوي في طليعة المنضمين للمجمع».

وأعرب الدكتور بيومي عن أمله في أن يدعم انضمام القرضاوي للمجمع تيار الوسطية في العالم الإسلامي، وأن يتناغم جهده البارز مع منظومة العمل الأزهري، باعتبارها العباءة التي احتضنته ورعته وتثقف بثقافتها طوال عمره.

وقال الدكتور محمد الراوي عضو مجمع البحوث الإسلامية «إن الشيخ الدكتور القرضاوي عاش حياته مجاهدا لخدمة دينه وابتلى في ذلك كثيرا، وأن اختياره من قبل الأزهر جاء موفقا تماما، معتبرا أن انضمامه إضافة مهمة لمبدأ الحوار الذي ترعاه المؤسسة الإسلامية الأكبر في العالم الإسلامي، فالرجل ـ بحسب الراوي ـ لا يتأخر عن حوار يدعى إليه ومرجعه دوما الكتاب والسنة.

من ناحيته، قال الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو المجمع، إن القرضاوي عالم من علماء العصر الذين لهم باع طويل في البحث العلمي والفقهي على وجه الخصوص، ويظل تناوله للموضوعات والقضايا والمسائل من أعمق ألوان التناول العلمي سواء كان عبر كتبه أو في أحاديثه الفضائية أو عبر خطبه في الجماهير في صلاة الجمعة أو في المناسبات العامة الأخرى.

ويعترف الدكتور عثمان أن انضمام الشيخ القرضاوي للمجمع تأخر كثيرا كونه من الشخصيات المرموقة التي كانت تستحق العضوية منذ وقت طويل، لكن بحسب الدكتور عثمان كانت بعض أسباب هذا التأخر ترجع إلى ما يفرضه القانون من أن عضوية المجمع لا تكون إلا لمن يتقدم برغبته للحصول عليها، وهذا ربما يكون أحد الأسباب التي أدت إلى تأخر عضوية هذا العالم العالمي الكبير وغيره من العلماء الأفاضل المشهود لهم بالعلم والكفاءة. أما المفكر الإسلامي جمال البنا، فقد عبر عن دهشته من طلب القرضاوي الانضمام إلى «هيئة صلبة ومتجمدة» مثل مجمع البحوث على حد تعبيره! مضيفا أن «القرضاوي لا يختلف عليه اثنان في كفاحه وسعة أفقه وعلمه، وكان من المفترض أن يكون على قمة هذا الهرم المؤسسي قبل عدة عقود، لكن انضمامه الآن ربما يقلل من شأنه، خاصة أنه لن يغير من أوضاع الأشياء داخل الأزهر، وكان عليه الاعتذار والرفض بكل أنفة».

وتوقع البنا أن يؤدي انضمام القرضاوي إلى المجمع إلى صدام بينه وبين باقي أعضاء المجمع على خلفية اختلاف الآراء في كثير من القضايا والمسائل. وأشار البنا إلى ضرورة تفعيل البند الخاص بضم عشرين عضوا من خارج مصر حتى يتم نفي صفة المصرية عن مجمع «من المفترض أن يكون عالميا طالما هو في الأساس مؤسسة إسلامية».

يذكر أن الشيخ القرضاوي من مواليد قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بدلتا مصر في سبتمبر (أيلول) عام 1926، حفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، التحق بالأزهر الشريف حتى نال شهادة الثانوية العامة، ثم اختار كلية أصول الدين في جامعة الأزهر وتخرج منها عام 1953. بعدها حصل الشيخ القرضاوي على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب عام 1958، ثم الماجستير في علوم القرآن عام 1960، وبعدها حصل على شهادة الدكتوراه من كلية أصول الدين عام 1973 عن رسالة كان موضوعها «الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية».

كان للقرضاوي تاريخ حافل مع السجون والمعتقلات على خلفية انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، فقد دخل السجن للمرة الأولى في العهد الملكي عام 1949، ثم اعتقل ثلاث مرات في الحقبة الناصرية حتى سافر إلى قطر عام 1961 ليعمل مديرا للمعهد الديني الثانوي، وبعد استقراره هناك حصل على الجنسية القطرية في عام 1977، وتولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة الإسلامية في جامعة قطر حتى عام 1990، كما أصبح مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر ولا يزال قائما بإدارته حتى اليوم.

وللشيخ القرضاوي ما يربو عن الثمانين كتابا خطتها يداه عبر تاريخ طويل من البحث في التراث الإسلامي، إضافة إلى عشرات الرسائل والفتاوى والبرامج الدينية على شاشات التلفاز والفضائيات العربية. ويعتمد منهجه على الاعتدال والتيسير في فتاواه محاولا الجمع بين الأدلة الشرعية في حال التعارض، مما فتح باب الجدل إزاء بعض فتاواه حيث أتهمه البعض بتقديم رأيه على الدليل الشرعي استجابة لضغوط العصر ومتطلباته. بينما يرى مناصروه أنه يصل لآرائه الفقهية عبر استناده إلى قواعد واضحة في أصول الفقه كالجمع بين الأحاديث المتعارضة في الظاهر عن طريق البحث في مناسبة الحديث، إضافة إلى دراسة المذاهب الفقهية المقارنة للوصول إلى الرأي الراجح.