أنس الشقفة لـ «الشرق الأوسط»: نظرية المؤامرة لم تعد مجدية ولابد من إزالة الأحكام المسبقة لدى كل طرف عن الآخر

رئيس الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا: هشاشة الحوار مع الغرب وراء تكرار ظاهرة الرسوم المسيئة للإسلام

د. أنس الشقفة
TT

حذر الدكتور أنس الشقفة رئيس الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا من لجوء المسلمين إلى نظرية المؤامرة لتفسير وتبرير الهجوم على الإسلام في الغرب، سواء كان ذلك بقصد أو غير قصد، مشددا على أهمية البحث عن الأسباب الحقيقية التي تدفع إلى هذا الهجوم عن طريق تفعيل الحوار والتواصل بين الأديان والحضارات، وإزالة الأحكام المسبقة لدى كل طرف عن الآخر، لتقديم الصورة الحقيقية للإسلام.

وحول أحوال الجالية المسلمة بالنمسا والمشاكل التي تواجهها أوضح الشقفة أن النمسا دولة تعترف بالدين الإسلامي كبقية الأديان الأخرى الموجودة هناك، مشيرا إلى أن أحداث 11 سبتمبر 2001 ألحقت ضررا بالغا بالمسلمين في كل مكان، لكن هذه الأحداث، بخلاف الوضع في العديد من الدول الأوروبية لم تؤثر كثيرا على المسلمين في النمسا، فلم يتعرض مسلمو النمسا إلى مضايقات، أو صدور قوانين تحد من حريتهم، والتمييز ضدهم، وكلها أمور بلا شك تؤثر على وجودهم وفعاليتهم في المجتمع، ونحن في النمسا انتبهنا لهذه المشكلة مبكراً فكانت الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا على تواصل دائم مع المؤسسات الرسمية في الدولة.

أضاف الشقفة: يبلغ عدد المسلمين في النمسا نحو أربعمائة ألف شخص، وهم يحصلون على ميزات عديدة بموجب نصوص الدستور الذي يساوي بين الجالية المسلمة وغيرها من معتنقي الديانات الأخرى، وهذا الاعتراف الرسمي بالدين الإسلامي حفظ حقوق الجالية المسلمة في النمسا في عدة مواضع مثل حرية ممارسة الشعائر الدينية، وتنظيم الرعاية الدينية الخاصة بالمسلمين، وحصول مؤسساتهم على حق حماية جميع أنشطتها الاجتماعية والدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ومن بين هذه الحقوق الاحتفال بالأعياد الدينية وهذا يعد من ابرز مظاهر التعايش الديني في البلاد، إضافة إلى كل هذا فقد أعطى الاعتراف الرسمي بالإسلام للمسلمين الحق في تدريس مادة الدين الاسلامي في المدارس الرسمية لأبناء المسلمين، والحصول على عطلات في الأعياد والمناسبات الدينية الخاصة بنا كعيدي الفطر والأضحى.

وحول طبيعة الدور الذي تقوم به الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا قال الشقفة: الهيئة الدينية الرسمية للمسلمين تتميز بأن لها وضعا قانونيا متميزا، وهي الجهة الرسمية التي تمثل المسلمين تجاه الدولة، ومن أهم ما تقوم به الهيئة هو الإشراف المباشر على تعليم مادة الدين الاسلامي للتلاميذ في المدارس الرسمية في النمسا، كما تتولى الإشراف على شؤون الدعوة الإسلامية وما يخص المسلمين من كل أمور الرعاية الدينية، وشؤون المساجد والعبادة وإقامة الشعائر والأعياد، وتنظيم شؤون الدفن وإنشاء مقابر للمسلمين وتوفير الطعام الحلال للمسلمين والذبح حسب الشريعة الإسلامية، كما تقوم بالتنسيق والتعاون المستمرين مع قطاعات الدولة الرسمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والكنائس وباقي المنظمات الأخرى العاملة في النمسا.

* هل برأيك الحوار كفيل بتصحيح الأوضاع التي نشأت عن سوء الفهم للإسلام فى الغرب؟

ـ الحوار من أفضل الوسائل لإنهاء المشكلات بصفة عامة خاصة أن الإسلام يحث على هذا الحوار مع الآخر، وهذا ليس نموذجاً جديداً وإنما دعوة قرآنية توجه المسلمين للخطاب مع الآخرين، والإسلام على مدى القرون الماضية عاش مع الأديان والحضارات الأخرى في سلام ومودة، فكان الخطاب القرآني يحث المسلمين على الحوار والتواصل والتعارف بين بني البشر على مختلف أديانهم، قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، وقوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون الله). من هنا فإن الحوار والتواصل أمر ضروري، فالحوار مع الآخر يثبت أن المسلمين منفتحون على العالم ودعاة للتعايش والسلام، وليس هناك ما يخفونه عن الآخرين، رافضين كل ألوان العنف والإرهاب والعدوانية، فضلا عن أن الحوار يسهم في إزالة كثير من الأحكام المسبقة والمفاهيم الخاطئة لدى كل عن الآخر، وبالتالي فان هذا الحوار أفضل وسيلة لدى المسلمين في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الغرب عن الإسلام.

* هل سبق للهيئة الدينية الإسلامية في النمسا أن قامت بحوارات أو شاركت في حوارات بهذا الخصوص؟

ـ حواراتنا مع الكنائس مستمرة، وهذه الحوارات عموما بين أتباع الديانات السماوية تأتى في إطار سياسة الحوار والتسامح التي تعتمدها النمسا مع مختلف الأديان والثقافات بعيدا عن العنصرية والكراهية، ونهدف من خلال هذه الحوارات خدمة الإسلام والمسلمين، والى تنمية التعاون والتفاهم والعمل على درء الأخطار والمفاسد التي تؤذي الإنسانية، وكما أننا نسعى من خلال هذه الحوارات إلى ترسيخ ثقافة التسامح على أساس المبادئ السامية والتفاهم المشترك والاحترام المتبادل.

* يحكم موقعك في الغرب، ما الدافع وراء الهجوم على الإسلام والإساءات المتكررة للرسول الكريم في الإعلام الغربي، وما هو الحل الأمثل برأيك للقضاء على هذه الظاهرة أو حتى التخفيف من حدتها ؟

ـ أولا الهجوم على الإسلام له أسباب ودوافع عديدة أولها هشاشة الحوار بين الإسلام والغرب وعدم توضيح الرؤية الصحيحة للإسلام، وموقفه من كثير من القضايا خاصة التي يتهم فيها ظلما بأنه دين يشجع على العنف والإرهاب والكراهية والتعصب وغير ذلك من الصفات المذمومة، فضلا عن الكتابات المسمومة خاصة التي كتبها المستشرقون غير المنصفين ضد الإسلام، والاهم من ذلك ما يتمسك به الغرب من تقديس لحرية التعبير، وهذا المفهوم يختلف عن مفهوم الحرية لدينا. أما عن كيفية إيجاد حل لهذه المشكلة (مشكلة نشر الرسوم والكتابات المسيئة للإسلام في الغرب) فلا يوجد حل جذري لمنعها مطلقا وذلك لعدة أسباب أهمها أن المجتمعات الأوروبية تميل إلى إطلاق الحريات، وبالتالي فإنه توجد لديها حساسية بخاصة في المنع والتقييد وفيما يتعلق بحرية التعبير والتعليم حيث العرف في أوروبا يمنع فرض أي شيء لتقليص هذه الحرية، لكن لنا أن نتساءل ونفكر ـ كمسلمين ـ كيف يمكن أن نقلل حجم هذه الإساءات، وبالتالي فإن إهمال هذه الإساءات وعدم التعليق المستمر عليها يمكن ألا يؤدي إلى انتشارها بالشكل التي عليه الآن، لأنه إذا أهملت شيئا تكون قد قضيت عليه وهذا عند العقلاء، كما أن ردود الأفعال غير العقلانية تأتي بنتائج سلبية، وكلما أمعن المسلمون في ردود الفعل غير العقلانية وغير المنضبطة حرضوا الآخرين على التحرش بهم، فمثلا نجد ذات مرة قام رسام نمساوي بتصوير السيد المسيح عليه السلام بأنه إنسان يجتمع بالحواريين على شكل مجموعة حشاشين، ولم يحدث شيء من قبل الكنائس أو المسيحيين في الغرب إلا نشر المقالات التي ترد على ذلك بموضوعية ورؤية تستند إلى العلم والمنطق، ولم نسمع عن أحد خرج في مظاهرات أو هدد بعمليات قتل أو اغتيال ضد هذا الرسام إلا محكمة في اليونان أصدرت حكما بإدانة هذا الرسام وتم الاعتراض على هذا الحكم وعند الاستئناف تم إلغاؤه .. هذا المناخ نفتقده كثيرا في التعامل مع هذه الظاهرة وغيرها.