علماء أزهريون: الأعياد في الإسلام مظهر من مظاهر تحقيق وحدة المسلمين عمليا

المنظمات والمؤسسات الخيرية تنفذ العديد من البرامج والأنشطة الإنسانية خلال فترة العيد

جانب من الاحتفالات بعيد الفطر المبارك في مصر (أ ب)
TT

أيد علماء أزهريون الدور الذي تبنته كثير من المؤسسات والمنظمات الخيرية في مصر في الاحتفال بعيد الفطر، وتنفيذها للعديد من البرامج والأنشطة الخيرية خلال فترة العيد. وأكد العلماء أهمية الرسالة التي تؤديها هذه المؤسسات الاجتماعية في رعاية الفقراء والمحتاجين باعتبارها أحد معالم الحضارة الإسلامية.

وكان عدد من المؤسسات والجمعيات الخيرية في مصر قد أعلنت في أواخر شهر رمضان عن تبنيها برامج ومشروعات خيرية من خلال توظيفها لصدقة الفطر وغيرها من التبرعات النقدية والعينية.

في البداية يقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: «تعد الأعياد في الإسلام من مقومات تقاليد المجتمع الإسلامي الفاضل، وفيها استثمار للمعاني الإنسانية، وبالتالي فإن ما تقوم به كثير من المؤسسات الاجتماعية والخيرية من توظيف للصدقات والحث عليها ودعوة القادرين للبذل والعطاء ورعاية الفقراء، أمر ضروري في الإسلام، وفيه إحياء لفريضة التكافل الاجتماعي، لافتا إلى أن الأعياد في الإسلام شرعت لحكم ومقاصد سامية، وهي فرصة للفرح ولتقوية الروابط الاجتماعية ونشر المودة والرحمة بين المسلمين».

وأضاف الشيخ عاشور «إن الأعياد في الإسلام لم تُشَرَع من أجل الفرح فقط وإنما شُرِعَت لكي تستكمل حلقة البر والتراحم والتكافل في المجتمع الإسلامي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مطالباً الأغنياء بألا يتركوا الفقراء لفقرهم: «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم»، هذا في ما يخص زكاة الفطر».

أما الدكتور عمر القاضي، أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر وعضو الأمانة العامة لرابطة الجامعات الإسلامية، فأكد أن الأعياد في الإسلام تعمل على تجديد العلاقات الإنسانية وإشاعة روح المودة والإخاء بين المسلمين، موضحاً أن العيد في الإسلام ليس احتفالاً فردياً، كما أنه لا يكتمل بفرح أفرادٍ دون أفراد، بل هو فرح للمسلمين جميعاً، ولذا حرصت الشريعة الإسلامية على أن يكون الفرح والابتهاج للجميع، ولأجل ذلك ألزمت الشريعة الإسلامية الأغنياء والقادرين من المسلمين بسد حاجات الفقراء والمعوزين خلال فترة العيد، ومن ثم كان العيد تجسيدا لمعاني الفرح والرحمة والمودة والتواصل، ولا يزال التاريخ يحفظ لنا مواقف الأغنياء المسلمين الذين لا تكتمل فرحتهم إلا بتوفير حاجات الفقراء والمحتاجين، فراحوا يطعمونهم ويكسونهم ويغدقون عليهم من الخيرات، وذلك عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».

أما الدكتور محمد أبو ليلة، رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية، فأكد أن الإسلام ربط بين الأعياد وطاعة الإنسان لربه بأداء الفرائض، ولذلك كان عيد الفطر الذي يعقب توفيق الله عز وجل للمسلم في صيام نهار رمضان وقيام ليله، وكذلك يأتي عيد الأضحى بعد إتمام مناسك فريضة الحج.

وأضاف: لقد ألقى الإسلام على الأعياد معاني نبيلة وأظلها بقيم ربانية تجعل منها وسيلة لاستكمال طاعة الله عز وجل بما يحب من سلوكيات وأفعال، فحث على العطف على الفقراء والمحتاجين والإحسان إليهم وزيارة الأقارب وصلة الأرحام، ونهى عن اتخاذ العيد وسيلة لمعصية الله عز وجل، ومن أجل ذلك فقد شرع الله عز وجل صدقة الفطر على الصائم لتكون مطهرة له مما قد يكون قد اقترفه من معاص أثناء الصيام، وفي الوقت نفسه تكون عونا للفقير حتى تذوب الفوارق بين المسلمين فلا يرى الفقير بائسا في هذا اليوم، وحتى لا يكون هناك فقير في هذا اليوم يسأل الناس، وحتى تنزع من قلب الفقير حقده على الغني، وتتحقق دعوة الإسلام بالمساواة بين المسلمين بعضهم ببعض، وبالتالي تصير الأمة كالشخص الواحد غنيها يعين فقيرها ويساعده وينشله مما ألم به من دوافع الفقر والحرمان.

ومن جانبه يرى الدكتور أسامة السيد عبد السميع، أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن الأعياد في الإسلام تعد مظهرا من مظاهر تحقيق وحدة المسلمين عمليا، فضلا عن تجسيد كثير من القيم التي جاء بها الإسلام كالرحمة والبر والتعاون عمليا.

وأضاف أنه «في الأعياد تتجلى المعاني الاجتماعية والمشاعر الإنسانية بالسرور والصفاء والحب، فنرى القادرين من المسلمين يسارعون في البذل والعطاء وكفالة الأيتام والفقراء، فالأعياد ترسم لنا لوحة جميلة نرى فيها صورة واقعية لمآثر الإسلام ومراعاته للبعد الاجتماعي».

ويواصل الدكتور أسامة حديثه قائلاً: إنه للأسف مع تطور العصور، والدخول في عصر التكنولوجيا الحديثة، نجد كثيرا من القيم الإسلامية الخاصة بالأعياد أخذت في التراجع، فكان المجتمع الإسلامي في الماضي مجتمعا مترابطا متراحما، وكان المسلمون في كل منطقة صغيرة يتزاورون ويعرف كل واحد منهم أحوال الآخر، أما الآن للأسف فنجد أن الناس، وحتى ولو كانوا قريبين في المسكن، يقومون بتقديم التهنئة لبعضهم البعض عن طريق الهاتف أو الرسائل الإلكترونية عبر الإيميل أو الـsms.