رئيس جامعة الأزهر: المظاهر الاستهلاكية في رمضان والعيد أضاعت على الناس لذة العبادة

د. أحمد الطيب لـ «الشرق الأوسط»: ما زلت أستقبل الصيام بفرحة طفل القرية

د. أحمد الطيب
TT

يرى الدكتور أحمد الطيب، رئيس جامعة الأزهر، أن كثيرا من العادات والتقاليد الخاصة بشهر رمضان تغيرت وتبدلت مع تطور العصر والتمدن، لافتا إلى أن كثيراً من العادات الجميلة بدأت في الاندثار وحلت محلها عادات أخرى كادت تفسد روحانية الصيام، فتعدد المظاهر الاستهلاكية في رمضان والعيد جعل الناس لا يستمتعون بلذة العبادة.. في اللقاء التالي يقلب الدكتور الطيب صفحات ذكرياته خلال شهر رمضان ومواقف وعادات تعلمها منذ الصغر من أبيه، شكلت تكوينه النفسي والفكري حتى هذه اللحظة.

وعن ذكرياته في شهر رمضان، وشكل الحياة فيه مقارنة بالحياة الآن، يقول الدكتور الطيب: لقد اختص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بالصيام لأنه هو الشهر الذي انزل فيه القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ليلة القدر، وهذا الشهر جعله الله سبحانه وتعالى مدرسة إيمانية ومحطة روحية ليتزود منه المسلمون لبقية العام، فضلا عن كونه مدرسة للتغيير يغير فيه الناس من سلوكاتهم وعاداتهم. ويضيف الدكتور الطيب: انه على مدى سنوات العمر الماضية كان للدروس التي تعلمتها من شهر رمضان دور كبير فيما وصلت إليه، وهي دروس لا أستطيع أن أعبر عنها بالكلمات. ويعود الدكتور الطيب بالذاكرة إلى الوراء ويقول: في قرية القرنة بالبر الغربي بمدينة الأقصر كنت أتطلع بشغف وفرح أنا وأطفال القرية لاستقبال هذا الشهر المبارك، وعندما تعلن الرؤية نجري فرحين ونبلغ أهالي القرية بدخول شهر رمضان ـ وهم بالطبع يعلمون ـ ونخبرهم بأننا سنصوم هذا العام. كان الصيام بالنسبة لي أمنية منذ الصغر، فكنت انتظر هذا الشهر لاقتدي بالكبار وأصوم مثلهم، خاصة أبي الذي كان من علماء الأزهر، فقد تعلمت منه كثيرا من القيم النافعة لي في حياتي، حيث عمل على تربيتنا تربية إسلامية صحيحة، والحمد لله استطعت الصيام منذ سن مبكرة قبل سن التكليف، وإلى يومنا هذا وأنا أصوم وأقوم بكل أعمالي على أكمل وجه سواء كنت تلميذا أو طالبا بالجامعة أو مفتيا للديار المصرية أو رئيسا لجامعة الأزهر.

انتقل الدكتور الطيب في حديثه عن ذكريات رمضان في الماضي إلى محطة أخرى من محطات حياته في رمضان يقول فيها: كان شهر رمضان في الماضي مناسبة سعيدة للكبير والصغير. وكان لرمضان في القرية مذاق خاص وكان أكثر روحانية مما عليه الآن، حيث لم تكن هناك أماكن للسهر واللهو كالمقاهي التي انتشرت الآن في كل مكان، ولم يكن ثمة تلفزيون ومسلسلات وما شابه من وسائل التسلية التي يضيع معظم الناس أوقاتهم أمامها، بل كنا في القرية نسهر في المساجد للصلاة وقراءة القرآن. عندما التحقت بجامعة الأزهر ورأيت كيف تستقبل القاهرة شهر رمضان أدركت على الفور أن الاهتمام بشهر رمضان في مصر يختلف عن الاهتمام به في كل بلاد العالم، ونحن نستقبل شهر رمضان سواء كنا في القرية أو المدينة بالفرح والسرور، ورمضان في الماضي كما عشته في سنوات عمري الأولى كان أكثر روحانية، والناس كانوا دائما يسعون لاغتنام أوقات الطاعة. وكان الصيام أكثر تأثيرا في سلوكاتهم وكانت همتهم عالية في التوبة والعبادة وفعل الخيرات، فلم يتكاسلوا عن أداء أعمالهم بسبب السهر حتى الصباح لمشاهدة التلفاز، كما نشاهد الآن، فان رمضان طغت عليه للأسف المظاهر وأصبح الناس لا ينشغلون بالعبادة كثيرا ولا يفكرون كيف ينتهزون شهر رمضان في التوبة وقراءة القرآن والذكر والدعاء وتحري ليلة القدر، لكن للأسف نجد كثيرا من الناس ينزعون بشدة تجاه تحصيل الملذات، ولذلك نجد أن كميات السلع الاستهلاكية وتنوع الأكلات أشكالا وألوانا، والتي يسمونها بالأكلات الرمضانية تمثل عبئا كبيرا على ميزانية الأسرة، بالرغم من انه يحدث العكس وتقل كميات الاستهلاك لتكون الاستفادة كاملة من الصيام.

وعن برنامجه اليومي في شهر رمضان، يقول الدكتور الطيب: طبعا كنت دائما وما زلت في شهر رمضان حتى قبل عملي كرئيس لجامعة الأزهر أكثف نشاطي في قراءة القرآن الكريم ومراجعته، ذلك لأن الحياة دائما تأخذنا من أنفسنا فننسى، لكن رمضان موعد للعودة إلى العبادة والقرآن، وكذلك أذهب إلى مكتبي بجامعة الأزهر وأمارس عملي على خير وجه، وللأسف نجد أن هناك بعض الموظفين الذين يذهبون إلى أماكن أعمالهم متأخرين بل قد يتكاسلون في أعمالهم ويقل إنتاجهم بحجة الصيام، وهذه السلوكات تعطي صورة سلبية عن العبادات في الإسلام، فالمسلم الذي يتقي الله في الصيام سيؤدي عمله بإتقان وأمانة وسيزيد الإنتاج لأن الصيام حافز على التحصيل والتقوى.