مشاهد من حرب الإبادة في تسعينيات القرن الماضي تعود في مطلع الألفية الجديدة

البوسنة: حرق مسجد في بيالينا من قبل الصرب واستمرار الاعتداءات على المسلمين

أحد المساجد التي تعرضت للعدوان في البوسنة («الشرق الأوسط»)
TT

مثل الاعتداء الذي تعرض له مسجد فضل الله غيتش كولا بمنطقة غاتسكو في شرق البوسنة، قمة الاعتداءات التي تعرض لها المسلمون البوشناق بعد حرب الإبادة التي استهدفتهم في تسعينيات القرن الماضي. حيث أقدم الصرب على إحراق المسجد الوحيد بالمنطقة، والذي تعرض للهدم أثناء العدوان السابق، وتمت إعادة بنائه عام 2003. وقد أتت النيران على ما في المسجد ما عدا الجدران والمنارة. وقد صلى المسلمون صلاة العيد داخل المسجد، بعد تنظيفه من آثار الحرق، في رسالة إصرار على البقاء رغم الارهاب الصربي، الذي يتخذ غطاء دينيا وعنصريا.

وقال مفتي بيالينا الشيخ حسين هوجيتش لـ«الشرق الأوسط» «في جميع مناطق الفيدرالية، يطلب حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الاوروبي، والبعثة الدولية، وضع حراسة من الشرطة على جميع الكنائس، بينما لا تتخذ نفس الاجراءات عندما يتعلق الأمر بالمساجد في مناطق السلطة الادارية لصرب البوسنة». وعما فعلته الشرطة في بيالينا قال «ككل مرة تسجل الحادثة ضد مجهولين، حيث لم يتم منذ توقيع اتفاقية سلام دايتون في نوفمبر 1995 الكشف عمن يقف وراء الاعتداءات المتكررة على المسلمين ولا سيما المساجد والعائدين»، وعما إذا كان الصرب لم يكفهم ما قاموا به في السابق من قتل وحرق وتهجير، أجاب «ما قام به الصرب في البوسنة وكوسوفو أكبر من جميع الجرائم التي قام بها أفراد ينتسبون للمسلمين في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك لم تسلط الأضواء سوى على تلك الجرائم التي قام بها أفراد لا يمثلون سوى أنفسهم، ولكن الاعلام الغربي قام بتعميمها وجلد الاسلام والمسلمين بها». وعن الاعتداء الذي قام به أحد الصرب في وقت سابق ببيالينا، أكد على أن ذلك الاعتداء، حلقة في سلسلة اعتداءات «لم يكن الاعتداء الذي نفذه صربي قبل ذلك على مسجد بيالينا في شرق البوسنة حادثا منفردا، بل حلقة في مسلسل العدوان الصربي على المسلمين. وهو مسلسل يكشف مدى بعد هؤلاء (البشر) عن القيم الانسانية، فضلا عما تدعو إليه الأديان من محبة وتسامح»، وتابع «قام أحدهم بالتبول أمام المسجد على مرآى ومسمع من الشرطة المحلية (صرب)، بينما كان المسلمون يتوجهون للمسجد الذي أعادوا بناءه بعد أن هدمه الصرب أثناء عدوان التسعينيات». وقال مفتي بيالينا الشيخ حسين هوجيتش إن ذلك «ليس أول اعتداء يعبر فيه هؤلاء عن الكراهية ورفضهم التعايش».

ولقيت عملية حرق مسجد فضل الله غيتش كولا إدانات واسعة؛ فقد دانت حكومة سراييفو الاعتداء «الهمجي» واعتبرته «محاولة من قبل التشتنيك الصرب وقف عملية عودة المهجرين إلى ديارهم بعد 17 سنة على طردهم من ديارهم» وأن «ثقافة الكراهية التي تشربها الجناة المجرمون، ليست ردود فعل تاريخية حيث لم يتم الاعتداء على الكنائس على مدى 500 عام من الحكم الاسلامي للبلقان، وانما تعبير عن رفض الآخر وعدم قبول التعايش»، كما دان حزب العمل الديمقراطي الذي أسسه الزعيم علي عزت بيجوفيتش (رحمه الله) الاعتداء الآثم على المسجد وكذلك الاعتداء الذي تعرض له مسجد عثمان باشا في بيالينا، واعتبره عارا على مقترفيه يضاف لسجل العار الذي يتسربلون به في العالم. ودان الحزب صمت الشرطة المحلية وتواطئها، داعيا لاصلاح الشرطة. وكان إمام مسجد فضل الله غيتش كولا قد تلقى رسالة تهديد من قبل عناصر التشتنيك الصرب، تقول «رسالة حرب من التشتنيك الصرب بأن جامع كولا سيحرق، وكولا ستسحق، لن تبقى محجبة، ولا كولا معربة»، وقد تمت اعتداءات تعد بالمئات ضد البوشناق المسلمين والمساجد وحتى المقابر بعد الحرب. ودان حزب من أجل البوسنة، الذي يتزعمه عضو مجلس الرئاسة الدكتور حارث سيلاجيتش العدوان، وقال إنه «عمل إرهابي يهدف لترويع العائدين لديارهم، ودفعهم للهجرة من جديد»، ودعا الحزب المسؤولين المحليين إلى «الاضطلاع بمهامهم في حماية المواطنين على مختلف أصولهم العرقية ومذاهبهم الدينية». كما دعا لمعاقبة المعتدين وإنزال أقصى العقوبات بحقهم وكشف المتورطين في الاعتداءات السابقة. أما المبعوث الدولي ميروسلاف لاييتشاك، فقد ذكر لـ«الشرق الاوسط» أن «العيد هو أمل جديد للمسلمين.. وما جرى هو محاولة لتعكير الأجواء»، وشدد على أهمية «كشف المعتدين وتقديمهم للعدالة في أقرب وقت ممكن». وأعرب وزير المهجرين في حكومة صرب البوسنة عمر برانكوفيتش، عن أمله في «إجراء تحقيقات جدية حول الاعتداء، والاسراع في كشف اللثام عن الجناة الحقيقيين».

واعتبرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في البوسنة، ما حدث له علاقة بمحاولة وقف عودة المهجرين، لكنها لم تصف العدوان بالارهابي. وقال مدير المكتب، نافيد حسين لـ«الشرق الاوسط» «بلا شك فإن هذا الحادث يهدف للتأثير على عودة المهجرين لديارهم»، ودعا بدوره إلى «إجراء تحقيقات وافية وسريعة حول الحادث الذي يؤثر على العلاقات بين الاثنيات، ويهدد الأمن والاستقرار والسلام».

وهناك العديد من الاعتداءات التي تعرض لها المسلمون والمعالم الاسلامية في البوسنة، بعد توقيع اتفاقية دايتون، منها إقدام ارهابيين صرب على وضع قنبلة موقوتة أمام مقر المجلس الاسلامي بمدينة برنيافور شمال البوسنة، وقد عثر أعضاء من المجلس الاسلامي في المدينة على القنبلة وقاموا باستدعاء الشرطة التي أبطلت مفعولها. وفي نفس المدينة قام ارهابيون صرب بتدمير عدد من شواهد المقابر يعود بعضها إلى سنين غارقة في القدم. وقال المجلس الاسلامي بالمدينة إن الشواهد التي تم الاعتداء عليها تعود لعائلات مختلفة، بلغ عددها 20 عائلة. وقد طالب المسلمون من الشرطة في مدينة برنيافور ذات الاغلبية الصربية بمنع هذه الاعتداءات والحيلولة دون وقوعها في المستقبل. وقد ألقت الشرطة في مدينة برنيافور (شمال البوسنة) القبض على 3 أشخاص يشتبه بأنهم وراء الاعتداء الذي تعرضت له مقبرة يدفن المسلمون فيها موتاهم بالمدينة؛ حيث تم تحطيم شواهد 26 قبرا يعود بعضها إلى 211 سنة خلت. لكن سرعان ما أطلق سراحهم. وقال الشيخ تشاتشيف تشيشمان مسؤول الائمة في برنيافور «هذه المرة الرابعة التي تتعرض فيها المقبرة للاعتداء»، وقال إن «البوشناق المسلمين في المدينة يأملون في مستقبل أفضل من خلال كشف الجناة ومحاكمتهم وإقامة علاقات جيدة بين جميع السكان بقطع النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية»، وتابع «آمل أن يعود جميع المهجرين ويحظون بحياة طبيعية لأنه لا يمكن أن يشعر البعض بالانزعاج من الأموات ويقبل بالتعايش مع الاحياء».

من جهته، قال رئيس المجلس الاسلامي في برنيافور حسين فوكوفيتش لـ«الشرق الاوسط» «من بين معالم القبور التي تم تحطيمها من يعود تاريخه إلى 211 سنة خلت». وعبر عن مخاوفه من أن تكون العملية «رسالة عداء وتهديد في الذكرى الـ14 لهدم مسجد الفرهادية التاريخي والذي اتخذه المسلمون في البوسنة ذكرى سنوية ليوم المساجد. وكان جامع الفرهادية قد تم تدميره من قبل الصرب أثناء العدوان في 7 مايو 1993». وقد دعا المجلس الاسلامي في برنيافور آنذاك في بيان له بهذا الخصوص المسؤولين المحليين والبعثة الدولية في البوسنة إلى «تحمل مسؤولياتهم في حماية العائدين وكل ما يمت إليهم بصلة وضمان الأمن والاستقرار الديمغرافي والاجتماعي في برنيافور». وتعرض مكتب المشيخة الاسلامية في منطقة دوبوي غرب البوسنة إلى اعتداء من قبل مجهولين، أسفر عن أضرار مادية تعتبر فادحة نظرا للظروف المالية التي يعيشها. ولم يستخدم المعتدون متفجرات أو أي نوع من الاسلحة، ولكنهم قاموا بكسر بعض النوافذ وخلع بعض الاقفال بحثا عن أموال ووثائق. وقال الشيخ بايرو دجافيتش رئيس الائمة في مقاطعة دوبوي لـ«الشرق الاوسط» «اكتشفت سكرتيرة المكتب أمينة مويكيتش عملية الاعتداء عندما همت بالدخول للمكتب وقامت في الحال بالاتصال بالشرطة»، وقال «الجناة دخلوا من الشباك الخلفي وقاموا بكسر بابين ونافذتين ويبدو أنهم كانوا يبحثون عن أموال أو أشياء ثمينة أو وثائق ولكنهم لم يأخذوا معهم سوى 50 ماركا (25 يورو) كنت قد تركتها في درج المكتب»، وقد قدر حجم الخسائر التي لحقت بالمكتب بـ 1500 مارك بوسني. وتجدر الاشارة إلى تعرض المكتب لاعتداءات سابقة؛ فليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها المكتب للاعتداء.