اقتراح برلماني بمعاقبة من يفتي بلا رخصة.. يثير جدلا في مصر

بعضهم يراه ضروريا للحد من فوضى الفتوى.. وآخرون يرونه تكميما للحرية

جانب من جامع الأزهر («الشرق الأوسط»)
TT

أثار اقتراح لأحد أعضاء البرلمان المصري قدمه إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى في البرلمان للمطالبة بسن تشريع يعاقب من يتصدى للإفتاء عبر وسائل الإعلام المختلفة بدون رخصة من الجهات الرسمية تؤهله للإفتاء بعقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات جدلا بين علماء الأزهر والدعاة الرسميين وغير الرسميين في مصر، وبخاصة من يفتون عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى.

فمن جانبه رحب الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بهذا الاقتراح مطالبا بسرعة إنجازه في شكل قانون. وأكد أن هذا الاقتراح وجيه ومطلوب الآن لان كثيرا من الفتاوى الغريبة لا نسمع عنها إلا عبر الفضائيات ومواقع الانترنت وخاصة أن هذه الفتاوى تهدف إلى الإثارة والمفتون الذين يصدرونها هم نكرات يهرفون بما لا يعرفون. وقال الدكتور الشكعة: إنني أطالب بمعاقبة كل من يفتى بدون أن يحمل إجازة أو تصريحا بالإفتاء من المؤسسة الدينية الرسمية وهي مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر حتى ولو كان هذا المفتي يحمل لقبا علميا كرسالة دكتوراه مثلا، وسواء أفتى بالخطأ جاهلا أو متعمدا طالما انه لا يحق له الفتوى. أما عن رأي الدعاة غير الرسميين الذين يتطوعون بالإفتاء عبر وسائل الإعلام بخاصة الفضائيات ومن بينهم الدكتور محمد أبو ليلة رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية الذي أبدى تحفظه على هذا المقترح مطالبا بإعادة النظر مرة أخرى فيما ينص عليه المقترح، وعدم النص على عقوبات معينة كالحبس، وترك العقوبة في مثل هذه الأمور إلى المؤسسات الدينية الأزهرية وعلى رأسها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ودار الإفتاء المصرية لاتخاذ اللازم من إجراءات لمنع تسلل من هم غير مؤهلين للإفتاء أصلا إلى ساحة الفتوى عبر وسائل الإعلام دون اللجوء إلى البرلمان.

وأضاف أبو ليلة: إنني أشكر لهذا العضو غيرته على الدين، لكن القوانين وتجاوزاتها أكثر من هذه القوانين نفسها، والمسألة في موضوع الإفتاء مسألة أدبية ومسألة ضمير يجب أن يستيقظ، فضلا عن أن علاج هذه القضية يعود إلى أهل العلم الذين يجب عليهم أن يستيقظوا، فإذا ما استيقظوا فإنه لا مكان لمدعيي العلم والإفتاء، لكن العلماء الحقيقيين للأسف متغافلون عن هذه المسألة وبالتالي فإن هؤلاء المدعين أصبحوا كالفقاقيع.

وأكد الدكتور أبو ليلة أن اللجوء إلى القوانين في مواجهة هذه المشكلة غير مجد لأنه سيخلق كثيرا من المشكلات التي ستقيد حرية العلماء، وتترك الساحة لعلماء بعينهم ربما لا يكونون على المستوى المطلوب، ولا يستطيعون تلبية حاجة المسلمين من الفتوى أو تقديم الموعظة الدينية المناسبة لهم، وبالتالي ستتفشى الأمية الدينية، مطالبا بأن يترك الأمر للمؤسسات الدينية لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات. واقترح الدكتور أبو ليلة بأن تقوم المؤسسة الدينية بالاتصال بوسائل الإعلام المختلفة وتقترح لهم ما يشبه ميثاق الشرف الإعلامي، وبحيث يجب معاقبة من يخالفه عن طريق ما يسمى بمجلس التأديب من قبل المؤسسات الدينية سواء الأزهر أو دار الإفتاء المصرية.

ومن جانبه يرفض الدكتور احمد عبد الرحيم السايح الأستاذ في جامعة الأزهر هذا الاقتراح واصفا إياه بأنه يفتقد الواقعية والمصداقية، وأن هدفه تكميم الأفواه وإرهاب العلماء خاصة الذين يحملون مؤهلات للفتوى من أساتذة وعلماء الأزهر لكنهم لا يتبعون المؤسسة الرسمية، ولا يحملون رخصة بالإفتاء.

وقال الدكتور السايح: إن الإفتاء غير الرأي والذي يجب أن ننظر إليه بإمعان هي أن الفتوى قد يصدرها رجل القانون خاصة في مسألة قانونية، أو المهندس في مسألة هندسية، أو الطبيب في مسألة طبية، وكذلك باقي التخصصات الأخرى، أما الرأي فقد يقول الناس آراءهم في كثير مما يعن لهم من أمور، وبالتالي فلا يجب أن ننظر إلى ما يقول به العلماء عبر الفضائيات من آراء بأنه فتاوى. وقد كان الإمام أبو حنيفة يقول بالرأي، والرأي في الفقه الإسلامي جائز ولا شيء فيه، وبالتالي فان إصدار قانون لمحاسبة العلماء الذين لا يحملون رخصة رسمية بالإفتاء سيدخل الدولة والمجتمع في قيل وقال وفوضى طاحنة، لأنه في هذه الحالة لا نستطيع أن نفرق بين الرأي والفتوى ويحتاج من يتحدث إلى رخصة.

وأضاف الدكتور السايح إن الذين يطالبون بإصدار تشريع يقضي بمعاقبة العلماء الذين ليس لديهم رخصة بالإفتاء هم يريدون احتكار الساحة لأنفسهم دون غيرهم، وبالتالي فان المسألة مسألة احتكار وليس غيرة على الدين في حين أن الإسلام يدعو إلى السعة وليس الاحتكار، ويدعو الناس أن يقولوا آراءهم بحرية. ويرى الدكتور السايح أن ظاهرة تعدد الفتاوى ظاهرة صحية وتدل على الاجتهاد وانتشار الوعي الديني لأن الناس عادة لا يركنون إلى ما يحكى من روايات وأساطير قد تتناقض مع القرآن الكريم والسنة النبوية والواقع المعاش ومع الأعراف والتقاليد. وقال الدكتور السايح متسائلا: إن كثيرا من زملائي من أساتذة جامعة الأزهر الذين يتم اختيار مفتي الدولة من بينهم، وهم أيضا يدرسون العلوم الشرعية ويعلمون المفتين والدعاة ويؤهلونهم للفتوى، هل يمنعون من الإفتاء وإذا أفتوا وهم لا يحملون في العادة رخصة بالفتوى هل سيعاقبون بموجب هذا القانون، طالما أنهم مؤهلون للفتوى أكثر من غيرهم؟

أما الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة فيؤكد أن هذا الاقتراح ليس له قيمة إلا في حالة النص على تطبيقه على الدعاة الرسميين وغير الرسميين دون استثناء لأحد، وعلى كل من خالف الشرع بفتاويه سواء كان من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية أو غيرهم، بخاصة أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين يفتون ـ بحسب تعبيره ـ وهم غير حاملين لمؤهلات الإفتاء وليس من خريجي الأزهر ومنهم أطباء ورجال قانون.

وقال الشيخ البدري إن الذين يفتون من أعضاء مجمع البحوث منهم من يستحق عقوبة الحبس لان فتاواهم غالبا ما تأتى مجاراة لوضع معين ولا تلتزم بأحكام الشرع.

وأضاف الشيخ البدرى: لا بد من عودة هيئة كبار العلماء التي تم إلغاؤها في الستينيات من القرن الماضي والاستبدال بها مجمع البحوث الإسلامية الحالي.