الإسلاميون: الدين من لوازم الحياة ودعوة العلمانيين لإقصائه من أهم أسباب التطرف الإسلامي العلمانيون: المنهج العلماني أمل المجتمعات العربية في الخروج من التخلف وتحرير العقل العربي

جدلية الدين والدولة تشعل مبارزة فكرية ساخنة بين إسلاميين وعلمانيين

فريق الإسلاميين: من اليسار المحامي منتصر الزيات، والباحث والكاتب الصحافي د. عمرو الشوبكي، والمهندس أبو العلا ماضي («الشرق الأوسط»)
TT

وسع إسلاميون وعلمانيون من البون الشاسع بينهما في ندوة ساخنة، ضمت نخبتين منهما بالقاهرة. عقدت الندوة تحت عنوان «مساحات الاتفاق والاختلاف عند الإسلاميين والعلمانيين»، ونظمتها مؤخرا مؤسسة «عالم واحد»، بالتعاون مع مؤسسة «كونراد أديناور» الألمانية. شهدت الندوة حوارا ساخنا حول جدلية العلاقة بين الدين والدولة من وجهة نظر الإسلام والعلمانية، وتركز حديث الإسلاميين حول أهمية الاعتراف بوجود مساحات للاتفاق يجب تدعيمها، ومساحات أخرى للاختلاف يجب تضييق الهوة بينها عن طريق الحوار، ومن ثم تصنيف العلمانيين إلى فريقين، الأول يمكن التحاور وإقامة علاقة معه، يمكن بمقتضى هذه العلاقة إسهام العلمانيين العرب في مشروع النهضة الحضارية للأمة، والثاني لا يمكن بناء علاقة معهم، خاصة الذين يعتنقون فكرا هجوميا ويستخدمون لغة إقصائية، فهؤلاء لا يمكن إقامة أي علاقة معهم، للاختلاف الجذري في المنطلقات وفلسفة التعامل مع الأحداث. وأكدوا أن الدين من لوازم الحياة، وأن دعوة العلمانيين لإقصائه هي من أهم أسباب التطرف الإسلامي.

بينما تركز حوار العلمانيين حول إشكالية الدين بالدولة، وضرورة التفريق بين معنيين للدين ،الأول: هو الإيمان، الذي هو ـ من وجهة نظر العلمانيين ـ إخبار وبيان لرسالة، أي دين، والثاني: الدين، بمعنى المعتقد، مؤكدين أنه لا يوجد أي خلاف بين الدين بمعنى الإيمان والعلمانية، أي أن يعيش الناس في دولة مدنية، لا علاقة لها بالمعتقدات، أما الخلاف فيظهر إذا فرض المعتقد على المجتمع ككل، وبالتالي تتولد الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى التكفير والصراع. وأكدوا ضرورة تطبيق المنهج العلماني، للخروج بالمجتمعات العربية من التخلف وتحرير العقل من الخزعبلات التي يبثها الإسلاميون - على حد قولهم - عبر الفضائيات، وزعمهم امتلاك الحقيقة المطلقة (الدين)، وأنه لابد أن يفرض المثقفون سيطرتهم على المجتمع لإنهاء سيطرة الإسلاميين. في البداية، تحدث المفكر الإسلامي الدكتور أحمد كمال أبو المجد عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وزير الإعلام المصري الأسبق، مؤكدا أن الإسلام أقام العلاقات الإنسانية على أساس الحوار والإيمان بالتعددية وقبول الآخر، وكفل حرية الرأي والفكر للجميع، وأن مقابلة العلمانية بالدينية لا يجوز مطلقا.

وأضاف أن الإسلام جعل التعددية أيا كانت، تعددية فكرية أو دينية أو ثقافية، وهي سُنَّة من سنن الله في الكون، وجعل كذلك الدين من لوازم الحياة، وفى الوقت نفسه أباح حرية الاعتقاد، مصداقا لقول الله تعالى: «لا إكراه في الدين»، مشيرا إلى أن هذا النص القرآني لا يثبت معه ما يسمى بحد الردة، ولكن يوجد ما يسمى بحد التعذير، الذي يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال، لاختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان والحال. وتابع أبو المجد قائلا «إن الفتوى لا تجوز إلا للمتخصصين القادرين على استنباط الأحكام من أدلتها الصحيحة، وليس للجهلاء الذين يقيمون أدلتهم كلها على التأثيم، ويجعلون المجتمع في حالة تأثم، فالمتأثمون لا يبنون حضارة». ورفض أبو المجد مقولات العلمانيين بأنه لابد أن تقوم الدولة على أساس علماني، أي أن تكون دولة مدنية، لا علاقة لها بالمعتقدات، مؤكدا أن الدولة في الإسلام دولة مدنية يشكل الإسلام هويتها، كما أنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالدولة الدينية، كما يزعم العلمانيون، وأن السلطة السياسية في الدولة الإسلامية تقوم على نظام الشورى، وهو نظام ديمقراطي بالمفهوم الحديث.

وانتقد أبو المجد مخاوف العلمانيين من سيادة نزعة التدين في المجتمع المسلم، وربط ذلك التدين بدعم الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى التكفير والصراع، مؤكدا أن الإسلام يؤكد على قيم الحرية والاعتدال، وبالتالي فإن الإسلام كفل للجميع حرية الاعتقاد، وذلك بموجب النص القرآني «لا إكراه في الدين»، و«فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». واختتم الدكتور أبو المجد حديثه قائلا «إن الخلاف الحقيقي ليس خلافا بين الإسلام والعلمانية، طالما يقر كل من الطرفين ـ الإسلاميين والعلمانيين ـ باحترام قيمة العدل، وباحترام حقوق الإنسان والحريات»، مؤكدا أن الإشكالية بين الإسلاميين والعلمانيين تكمن في وجود تصور ومعرفة خاطئة لدى العلمانيين عن الإسلام بأنه دين يقصي الآخر، ولم يعترف بالديانات السماوية السابقة. ولفض هذا الاشتباك، يجب تحرير محل الخلاف، والبحث عن المشترك.

أما منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية، أمين لجنة الحريات بنقابة المحامين المصريين، فيرى أن الإسلام هو منهج حياة ارتضاه الله ـ عز وجل ـ لإقامة مجتمع تسوده الفضيلة، وتنمو فيه نوازع الخير، وبالتالي فإن الإسلام أو الدين يشكل هوية الدولة، وإن الإسلام لا يعترف بالدولة الدينية بمفهومها الثيوقراطى. وأضاف أن هناك فريقا كبيرا من العلمانيين يريدون تطبيق الفكر العلماني تحت مفهوم أن (العلمنة) لديهم لا تعني أبدا نفى الدين أو إقصائه عن المجتمع، بل حصره في مكان ضيق في الحياة، والدفع به في المساجد، حتى لا يحدث تفاعل بين الدين والحياة.

ومن جانبه، رفض المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب «الوسط الإسلامي» دعوة العلمانيين إلى الفصل بين الدين والدولة، وإقصاء الدين كليا عن الحياة، بحجة عدم امتلاك للحقيقة المطلقة لأحد، مؤكدا أن مقولات العلمانيين بضرورة إقصاء الدين عن الحياة، رغم مبرراتهم، هو ادعاء لامتلاكهم الحقيقة المطلقة. وهذا النهج الإقصائي الذي يمثل احتقارًا لقيمة هامة (الدين) لدى المجتمع، هو التطرف بعينه. وهذا الفكر الذي يعمل على إقصاء الدين عن الحياة قد خلق نوعا آخر من التطرف المضاد لدى الإسلاميين، فهم أيضا يدَّعون امتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي لو استمر المجتمع على هذا النهج؛ لانتهى إلى حروب أهلية وصراعات لا تنتهي. وأضاف المهندس أبو العلا ماضي «إن الإشكالية تكمن في فهم العلمانيين لعلاقة الدين بالدولة. وهذه الإشكالية لا بد أن تناقش بين الإسلاميين والعلمانيين على أساس كيفية تنظيم هذه العلاقة، لأن أي مجتمع له قيم مرجعية ومحددات وثوابت ينطلق منها. وبالنسبة للمجتمع الإسلامي، فمرجعيته هو الدين الإسلامي، وهذا يختلف عن الاجتهادات والتفسيرات التي تلائم الواقع». على الجانب الآخر، طرح العلمانيون فكرتهم حول جدلية العلاقة بين الدين والدولة، حيث يرى الدكتور مراد وهبة أستاذ الفلسفة، رئيس منتدى ابن رشد أن «العلمانية ـ من وجهة نظر الفكر العلماني ـ تعني التفكير النسبي بما هو نسبي، وليس بما هو مطلق، أي عدم امتلاك الحقيقة المطلقة. وهذا المنطلق للفكر العلماني هو الذي أحدث مواجهة مع السلطة الدينية التي تدعى أنها تملك الحقيقة المطلقة». وفرّق الدكتور وهبة بين مفهومين للدين في الفكر العلماني، وعلاقة الدين بالدولة، المفهوم الأول للدين: هو الإيمان، الذي هو ـ من وجهة نظر العلمانيين ـ إخبار وبيان لرسالة، أي دين، وأن الإنسان عندما يؤمن بهذه الرسالة؛ يحاول بعقله أن يفهم مغزى الخبر وأبعاده. والمفهوم الثاني: الدين بمعنى المعتقد، مؤكدا أنه لا يوجد أي خلاف بين الدين بمعنى الإيمان والعلمانية، أي أن يعيش الناس في دولة مدنية لا علاقة لها بالمعتقدات، أما الخلاف فيظهر إذا فُرض المعتقد على المجتمع ككل، وهذا معناه فرض حقيقة مطلقة، سواء كان الناس يؤمنون بها أم لا؛ وبالتالي تتولد الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى تكفير من لم يلتزم بذلك، ويموج المجتمع بالصراع. وخلص وهبة إلى أنه لا بد أن تترك الدولة المعتقدات حرة، ولا تلزم بها أحدا، وأن الدين بمعنى المعتقد (المطلق) يكون مقبولا في حدود من يقبلونه، كما أن الدين بمعنى (الإيمان) لا علاقة له بالدولة، لأنه أمر شخصي، لافتا إلى أنه إذا أردنا أن نتحاشى الصدام والصراع بين الإسلاميين والعلمانيين؛ لا بد أن نحرر العقل من امتلاك الحقيقة المطلقة؛ وإلا ستكون كارثة حضارية. من جانبها، اتفقت الدكتورة منى أبو سنة أستاذ الأدب الإنجليزي، أمين عام منتدى ابن رشد مع الرأي السابق، مؤكدة أن تطبيق المنهج العلماني ضرورة للخروج بالمجتمعات العربية من التخلف وتحرير العقل من الأفكار التي يبثها مَنْ يسمون أنفسهم بالمفكرين الإسلاميين عبر الفضائيات، وزعمهم امتلاك الحقيقة المطلقة (الدين). وأضافت أن التيار الإسلامي في مجتمعاتنا العربية ـ بزعمه امتلاك الحقيقة المطلقة ـ اختطف الجماهير، وشغلها بهذه المقولة، مشيرة إلى أن مسألة العقيدة وحدود الاتفاق والاختلاف بين العلمانيين والإسلاميين غير واقعية، لأنه لا توجد علاقة بينهما، باعتبار أنهما تياران مختلفان في الرؤية والتوجه. وأكدت الدكتورة منى أبو سنة ـ في ختام حديثها ـ على ضرورة أن يفرض المثقفون سيطرتهم على المجتمع، بدلا من الإسلاميين.