جدل فقهي وطبي حول مشروعية نقل الأعضاء من موتى جذع المخ والمحكوم عليهم بالإعدام

ناقشه مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر

TT

أنهى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر دورته الثالثة عشرة لمؤتمر نقل وزراعة الأعضاء البشرية أخيرا، التي ترأسها الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر رئيس مجمع البحوث الإسلامية، وبحضور نخبة من أعضاء مجمع البحوث والمجامع الفقهية الأخرى، في مقدمتهم الدكتور عبد السلام العبادي رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، والدكتور وهبة الزحيلي عضو المجامع الفقهية، إلى جانب نخبة من كبار الأطباء في مصر، في مقدمتهم الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء المصريين.

وشهدت هذه الدورة مناقشات ساخنة وخلافات فقهية بين العلماء المشاركين حول قضيتين أساسيتين، على الرغم من اتفاق الجميع بجواز نقل الأعضاء وزراعتها بالضوابط الشرعية، الأولى تدور حول إشكالية تعريف الموت ونقل أعضاء من موتى جذع المخ لينتفع بها مرضى آخرون، وهو ما تضمنه مشروع قانون أعدته نقابة الأطباء المصريين وتقدمت به إلى البرلمان المصري، الذي ينص على أن موتى جذع المخ هم أناس تستحيل عودتهم للحياة.

أما القضية الثانية التي كانت محل خلاف، فكانت فتوى لشيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بجواز نقل أعضاء من المحكوم عليهم بالإعدام في قضايا القتل العمد وهتك العرض بعد تنفيذ الحكم فيهم، من دون موافقتهم، باعتبار أن المحكوم عليه بالإعدام منتهك للحرمات، وبالتالي فإنه بعد صدور الحكم عليه أصبح مسلوب الإرادة وليس له الولاية على نفسه.

وأثارت تلك الفتوى موجة عارمة من الخلاف والتساؤلات التي دارت بين الفقهاء والعلماء المشاركين في المؤتمر حول مشروعية نقل أعضاء من شخص محكوم عليه بالإعدام من دون موافقته أو موافقة وليه، حيث انقسم العلماء والأطباء في المؤتمر ما بين مؤيد ورافض لنقل أعضاء من موتى جذع المخ، وذلك لخلافهم حول تعريف الموت.

وتزعم الدكتور القرضاوي تيار الإجازة بقوله إن «نقل الأعضاء أخذ جدلا واسعا في مصر، رغم حسمه في الكثير من الدول الإسلامية، ومنها السعودية التي أجازت نقل الأعضاء والتبرع بها». وذهب القرضاوي إلى أن تعريف الأزهر للموت يسبب إشكالا، حيث عرفه بأنه مفارقة الإنسان للحياة مفارقة تامة، وهو تعريف لغوي لا يفيد شيئا، ولا بد أن يحدد موقفه من موت جذع المخ. مشيرا إلى أن الموت قضية ترك للناس تحديدها، فلا نص شرعي فيها، ويحكم الناس فيها بخبراتهم، وهو متغير من عصر إلى آخر، ولا يوجد ما يمنع بعد الحكم بأن الموت الحقيقي هو موت الدماغ أن يتم نقل الأعضاء من الميت بموت جذع المخ، وعلينا أن نأخذ بما وصل إليه العلم الحديث.

ودعا القرضاوي إلى حسم قضية نقل الأعضاء نهائيا من الموتى، وغلق الباب فيها بما تم إقراره من قبل المجامع الفقهية الإسلامية، بأن موت جذع المخ بشكل يجعل من المستحيل العودة للحياة هو موت حقيقي، ولا يوجد حديث يقول إن الموت يكون بتوقف القلب، وعليه يؤخذ بالعلم، فلا يمكن أن تظل الاجتهادات القديمة تتحكم فينا، ولا بد أن ننظر في الأمر نظرة واقعية لتحقيق مقاصد الشريعة.

وعن نقل الأعضاء من الأحياء إلى الأحياء، أجاز القرضاوي ذلك، على أن يكون الأمر تبرعا، حيث تعد المسألة هنا صدقة، مع التقيد بأنه لا يجوز التبرع بالعضو الذي لا مثيل له كالكبد والقلب، والعضو الذي لا يمكن الاستغناء عنه، كما لا يجوز التبرع بالأعضاء التناسلية حتى بعد وفاة الإنسان، لأنها تظل حاملة للشفرة الجينية. واتفق مع الدكتور القرضاوي فيما ذهب إليه الدكتور عبد السلام العبادي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، حيث أكد أن «الشخص يعتبر ميتا لو توقف قلبه وحكم بذلك الأطباء، وكذلك لو تعطلت جميع أجهزة دماغه تعطلا نهائيا وأخذ دماغه في التحلل، على أن تحكم بذلك لجنة طبية من ثلاثة أطباء ليس لهم مصلحة في إصدار الحكم بموت الشخص. فيما اعتبر شيخ الأزهر، الدكتور محمد سيد طنطاوي، أن «عملية نقل الأعضاء من الميت للحي جائزة بشرط تحقق موته»، وتمسك بتعريف الميت بأنه «من فارق الحياة تماما على أن يحكم بذلك الأطباء».

وأكد أن بيع الإنسان لأحد أعضائه باطل وحرام، بينما يجوز أن يتبرع بجزء من أعضائه، بما لا يضره، سواء كان للأقارب أو غيرهم، كما يجوز نقل جزء من إنسان ميت إلى حي لإنقاذ حياته. وأضاف قائلا: «لن نرجح موت جذع المخ إلى أن يتفق الأطباء على ذلك».

وقال الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري وعضو مجمع البحوث الإسلامية: «إن قضية الاجتهاد في الفقه الإسلامي دائما ما نرجع فيها إلى الفقهاء القدامى، وهؤلاء الفقهاء لم يقولوا شيئا في قضية نقل الأعضاء وزراعتها، وعندما تحدثوا عن تعريف الموت الطبيعي، ذكروا لنا علامات معينة، لكن لا بد أن نأخذ بما جاء به العلم الحديث حول تعريف الموت، خاصة ما يطلق عليه موت جذع المخ ،وهذا أمر يحسمه لنا الأطباء، وهم أهل الذكر في هذه المسالة».

أما الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق، فيرى أن نقل الأعضاء نوع من العلاج الحديث، وهو أمر جائز بشرط عدم الضرر من المنقول منه إذا كان حيا، وتحقق الموت من المنقول منه إذا كان ميتا، مع عدم اعتبار الميت بجذع المخ ميتا حقيقيا. من جانبه اعتبر الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر ومفتى مصر السابق: «أن ما أطلق عليه موت جذع المخ ليس موتا حقيقا تترتب عليه الأحكام الشرعية، وبالتالي لا يجوز نقل أعضاء من موتى جذع المخ، لأنهم لم يموتوا موتا شرعيا، استنادا إلى عدة أمور»، كما يقول الدكتور الطيب.

وأضاف: «أول هذه الأمور، هو أن موضوع نقل الأعضاء أثير من قبل، وفوجئت عندما كنت مفتيا للديار المصرية بأن هيئات علمية كبيرة جدا في أميركا وأوروبا أرسلت مذكرات إيضاحية تجمع على أن المصاب بموت جذع المخ لا يكون ميتا في الحقيقة، وذكروا علامات كثيرة جدا». وأضاف: «لقد لوحظ على موتى جذع المخ حركات ارتدادية عندما أخذ منهم أعضاء وسمع لهم أنين، وبناء عليه كونت رأيي برفض نقل الأعضاء ممن يطلق عليهم موتى جذع المخ، خاصة أنه لا يوجد إجماع بين الأطباء على أن الإصابة بسكوت جذع المخ تعد موتا حقيقا».

وعن تعريفه للموت، يقول الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء المصريين إن الموت يعرف بأنه «المفارقة التامة للحياة»، ويعتبر الشخص ميتا إذا تبينت فيه إحدى العلامتين الآتيتين.. الأولى: التوقف الكامل الذي لا رجعة فيه لوظائف الجهاز التنفسي والجهاز القلبي الوعائي، والثانية: التوقف الكامل الذي لا رجعة فيه لكل وظائف الدماغ بأجمعه، بما في ذلك جذع الدماغ، على أن «يتم التحقق من الوفاة بصورة قاطعة بواسطة لجنة تشكل من ثلاثة أطباء متخصصين على الأقل، ويكون قرارها بالإجماع وبناء على معايير طبية دقيقة».

بينما يرى الدكتور صفوت لطفي رئيس قسم التخدير والعناية المركزة بكلية الطب بجامعة القاهرة ورئيس الجمعية المصرية للأخلاقيات الطبية، أن موت جذع المخ ليس موتا حقيقا، لأن الموت هو نقيض الحياة، وموتى جذع المخ فيهم حياة، وهم في غيبوبة عميقة قد يفيقون منها بعد وقت معين، مستدلا على صحة كلامه بأن هناك امرأة حامل أصيبت بموت جذع المخ، واستمر نمو الجنين في بطنها حتى اكتمل نموه.

وأضاف أن موتى جذع المخ هم أناس يحتضرون، والشريعة الإسلامية لا تجيز إنهاء حياة إنسان يحتضر لإنقاذ حياة شخص آخر.

أما الإشكالية الأخرى التي دار حولها جدل ساخن بين العلماء، فتتعلق بفتوى شيخ الأزهر، التي أجازت نقل أعضاء من الشخص الذي يحكم عليه بالإعدام في جرائم القتل العمد وهتك العرض وبعد تنفيذ الحكم عليه من دون إذنه أو إذن وليه.

وأضاف، أن من نفذ فيه حكم بالإعدام ليس له حق في أن يكون له ولاية على جسده شرعا بعد إعدامه في تلك القضايا، وعلى أن يكون ذلك النقل لإنقاذ حياة مريض ومن دون مقابل.

فيما اعترض الدكتور القرضاوي على هذه الفتوى، حيث اشترط أمرين لجواز نقل الأعضاء من المحكوم عليه بالإعدام، وهو ما أيده أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والمشاركون في المؤتمر جميعهم، والشرط الأول أن يكون النقل بموافقة المحكوم عليه بالإعدام أو وليه بعد تنفيذ الحكم فيه، والثاني أنه لا يجوز أخذ عضو من المحكوم عليه بالإعدام في حالة عدم وجود موافقة له أو من أهله أن يحكم القضاء بذلك. وقد أيد فتوى شيخ الأزهر الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء المصريين والدكتور عبد الرحمن العدوي مقرر لجنة البحوث الفقهية في مجمع البحوث الإسلامية.