مع التحية لمعالي رئيس مجلس الشورى

TT

نحيي معالي رئيس مجلس الشورى الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعسى الله أن يهيئ له من أمره رشدا. وإننا ننتظر منه ومن مجلس الشورى في عهده الثمار اليانعة، والنتائج الحميدة، بما يعود نفعه على الخاص والعام. ولمعالي الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد شكرنا الجزيل وثناؤنا الجميل، له ولإخوانه، على ما قدموا من جهود مشكورة وأعمال مبرورة، وفي شريف علم معالي رئيس مجلس الشورى فإن المجلس ينتظر منه البناء والتصحيح، والمراقبة والتقويم، فمجلس الشورى ليس جمعية ثقافية، ولا مؤسسة خيرية، ولا جامعة أهلية، وإنما هو ضمير الأمة، وصوت الشعب، والجسر بين الحاكم والمحكوم، وهو ديوان المصارحة والوضوح، ومجلس المناقشة والشفافية والنـزاهة، وليس علينا غضاضة من أن نتحدث علنا عن قضايانا الكبرى المصيرية، فقد تحدث صلى الله عليه وسلم أمام الناس جهارا نهارا عن قضايا الحرب والسلم، والمال العام، والمعاهدات، ومخاطبة ملوك الدنيا، والولايات والمناصب.

وتحدث أبو بكر الصديق على رؤوس الأشهاد في قضية الردة ومن منع الزكاة، واستشار الناس في مواجهة المرتدين على المنبر. وتحدث عمر عيانا بيانا عن مسائل العدل، وميزانية الدولة، ومحاسبة المقصر، وقضايا الفقر، وحل مشكلة عام الرمادة. والعالم الشرقي والغربي يناقش قضاياه تحت قبة البرلمان، نسمعهم ونراهم، ويخرجون بالرأي الصائب الذي يدلهم على مصالحهم. وإنما يضعف مجلس الشورى ويوهنه أمران، الأول: الإغراق في الجزئيات والدخول في تفاصيل التفاصيل لمسائل قد تحل في المؤسسات الحكومية. والثاني: ترحيل الأزمات وتأجيلها والتسويف في حلها.

وإننا ننتظر من مجلس الشورى الموقر أن يهتم بالقضايا الكبرى في الوطن، ولا ينتقل من قضية إلى أخرى حتى يقول كلمته في تلك القضية ويجمع أمره، فعندنا قضايا الفقر، والبطالة، والإرهاب، ومراقبة العمل الإداري والوظيفي، ومراقبة المال العام، والمصالحة الاجتماعية بين أطياف الشعب، وتقوية الدولة أمام التحديات، والخطاب الإعلامي الراشد، وتصحيح مسار التعليم، وبناء الأسرة، وحفظ حقوق الناس، واستقلال القضاء، وغيرها من القضايا المصيرية الكبرى. وإن في مسيرة مجلس الشورى السابقة ما يدعو إلى الشكر والامتنان، والعمل البشري والجهد الإنساني يحتاج إلى التجديد والتصحيح دائما، وبما أننا في وطن قدره الريادة، وحظه مكان الصدارة الدينية والتاريخية، فوجب حمل الأمانة، والقيام بالمسؤولية. والعالم لن ينتظرنا لحظة واحدة إذا سوفنا أو تأخرنا، فكل الدول تتنافس وتتسابق، كلٌ على شاكلته وطريقته لحفظ مكانته، وتحقيق مكاسبه والوصول إلى مصلحته. ونحن نعيش مرحلة تاريخية حاسمة كشفت فيها العولمة كلَّ سر، وأظهرت كل مكنون، وبيَّنت كل خافٍ، وأعظم حل للخطأ مواجهته، لا الفرار منه، والخلل يصلح بالقيام عليه لا بإنكاره، وبما أننا نعيش في كيان جاهد أبناؤه من مئة عام حتى حققوا المكاسب العظيمة، فإن الواجب الاستمرار في العطاء وطلب المزيد والطموح إلى الأعلى، والرقي إلى الأجمل، والاعتراف بالتقصير في جوانب، والتجرد في معرفة الحق والصراحة، والوضوح مع النفس ومع الناس، ومخاطبة العالم باللغة التي يجيدونها والأسلوب الذي يعرفونه، مع الحفاظ على الميثاق الرباني الذي شرَّفنا الله بحمله، واستأمننا عليه، وجعلنا نحن الأمة الوسط، والشاهدة على الأمم، وهذا يضاعف علينا المسؤولية ويعظم علينا الواجب، فمثلا: لقد وجّه خادم الحرمين الشريفين من سنوات بحل أزمة الفقر في البلاد، وزار الفقراء في أماكنهم. وواجبنا أن نسانده، بما في ذلك مجلس الشورى، أمينا مشرفا على حل هذه الأزمة، وعرض المشروع العملي الميداني لمعالجة هذا الداء قبل أن ينتقل إلى أزمة أخرى. ولا يكفي في حل الأزمات عرض وجهات النظر، والتوصيات الشفوية، وإسداء النصح الخطابي، بل نريد آليات وخططا مدروسة نلمس آثارها ونشاهد نتائجها في حياتنا، أما مهمة التوجيه والنصح والإرشاد فهي للعلماء والدعاة والمفكرين ورجال الإعلام.

بارك الله في معالي الرئيس، ووفقه وإخوانه في مجلس الشورى إلى كل خير، وأرشدهم لما فيه صلاح العباد والبلاد.