حظر إطلاق اللحى في بعض المؤسسات التعليمية والعسكرية في الهند

بحجة أن إطلاقها يشجع تطرف طالبان في البلاد

ينتمي المنخرطون في الجيش الهندي إلى قوميات وأديان عديدة ومتباينة (إ.ب.أ)
TT

خلق رفض المحكمة العليا الهندية، الطلب الذي تقدم به أحد الطلبة المسلمين إطلاق لحيته في المدرسة، وإشارتها إلى ربط اللحية بقيم الإرهاب والتطرف، نوعا من الامتعاض والغضب بين المنظمات الإسلامية في البلاد.

وكان الطالب محمد سالم، البالغ من العمر 16 عاما، والذي يدرس بالصف العاشر في مدرسة الإرسالية المسيحية في ولاية ماظايا براديتش، قد طرد من المدرسة عندما رفض الانصياع إلى التعليمات بحلق لحيته، حيث يعد حلق اللحى أمرا ملزما لكل الطلاب بالمدرسة. وقامت أسرة الطالب بتقديم التماس إلى المحكمة العليا في ماظايا براديتش التي حكمت لصالح المدرسة، ومن ثم لجأت أسرة الطالب إلى رفع قضيتها إلى المحكمة العليا الهندية التي رفضت قضية الطالب ضد مدرسته بالقول إنها لن تسمح «بطلبنة البلاد».

وقال القاضي مارخانديا كاتغو أحد قضاة المحكمة العليا الذي تلا قرار المحكمة: «إننا لا نرغب في وجود طالبان في البلاد، وقد تأتي إحدى الطالبات بعد ذلك لتقول إنها ترغب في لبس النقاب في المدرسة. فهل يمكننا السماح بذلك؟». وقال الطالب «إن من حق كل مواطن أن يلتزم بتعاليم دينه، وأنه يجب ألا يمنعه أحد من القيام بذلك في بلد علماني مثل الهند».

وعندما قال محاميه بي إيه خان، وهو مسلم أيضا، إن تربية اللحية جزء لا يتجزأ من الإسلام. رد القاضي عليه: «ولكنك لا تطلق لحيتك أنت أيضا».

وقالت المحكمة إذا كان الطالب غير مهتم باتباع قواعد المدرسة، فإن لديه الخيار بالانتقال إلى مؤسسة تعليمية أخرى.

وقال القاضي: «يمكنك الانضمام إلى مؤسسة تعليمية أخرى إذا كنت لا ترغب في اتباع القواعد، لكنك لا تستطيع أن تطلب من المدرسة تغيير قوانينها من أجلك».

وقد أغضبت تعليقات القاضي مارخانديا الأقلية المسلمة التي أدانت القرار بشدة، وقالوا إنه أمر مؤسف بالنسبة لدولة ديمقراطية كالهند.

وقد احتجت المنظمات الإسلامية على تصريحات كاتغو «الصادمة» بأن إطلاق اللحية يشجع تطرف طالبان في الهند.

كما أثار قرار المحكمة العليا انتقادات حادة بين رجال الدين المسلمين الذين خصصوا خطبة الجمعة لتناول هذه القضية وقالوا إن الحكم «تدخل في الفرائض الدينية».

وقال الشيخ مكرم أحمد إمام مسجد دلهي، في خطبة الجمعة: «إن المسلمين الهنود لا علاقة لهم بطالبان وإن الإشارة إلى ربط اللحية بطالبان يشير إلى شعور سلبي تجاه الأقلية المسلمة».

وقد عبر الشيخ سيد أحمد بخاري، إمام مسجد غاما في دلهي أحد أكبر مساجد القرن الثامن عشر، عن أسفه بسبب سلوك القاضي مارخانديا كاتغو، وقال: إنه بدلا من ربط اللحية بالإسلام ربطها بطالبان التي نرفضها. وقال إن اللحية والنقاب من الشريعة الإسلامية والتي يعد التدخل فيها من قبل أي شخص أمرا غير مقبول. وتساءل إذا كانت اللحية والنقاب مسموح بهما في الدول الغربية، فلماذا إذا لا يسمح به في دولة ديمقراطية؟ وقال المفتي الأكبر إن تربية اللحية سنة مهمة (وهو ما أمر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم) وأن على كل مسلم الالتزام به.

ووصف الشيخ محمد بشير أحمد مفتي كشمير الأكبر، قرار المحكمة بأنه «تدخل في الشؤون الدينية».

وقال: «إن الهند بلد علماني وكل فرد لديه الحق في ممارسة دينه بحرية تامة. فرئيس الوزراء الهندي مانموهانغ سنغ يربي لحيته ويرتدي عمامة كجزء من شعائره الدينية. إذا فلماذا يحظر على المسلمين تربية لحاهم؟» وأضاف «إن القرار غير دستوري ويمكن أن يشكل خطرا على السلام. وقد استفز القرار الأقلية المسلمة ويمكن أن يكون له عواقب على المدى الطويل».

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تقوم فيه المحكمة العليا برفض طلب لأحد المسلمين بإطلاق لحيته في المؤسسات التي يحظر فيها ذلك. ففي العام الماضي، رفضت محكمة البنجاب وهاريانا الالتماس الذي تقدم به أحد العاملين المسلمين بالقوات الجوية الهندية، وهو أنصاري أفيتاب، بالحق في تربية لحيته، والقضية الآن لا تزال محل نظر المحكمة العليا الهندية.

ومن بين القضايا الأخرى، قضية محمد زهير الهندي المسلم، وأحد طياري القوات الجوية الهندية الذي تقدم إلى المحكمة العليا بالتماس يطلب فيه نقض «الأمر السري» للقوات الجوية الهندية الذي يحظر على العسكريين المسلمين تربية لحاهم أثناء الخدمة. لكن الحكومة الهندية تقوم بدعم سياسة القوات الجوية في منع العسكريين المسلمين الذين التحقوا بالخدمة بعد عام 2002 من تربية لحاهم، وقالت الحكومة للمحكمة إن تعليمات القوات الجوية الهندية علمانية وإن موظفي القوات الجوية فقط هم الذين يسمح لهم بتربية لحاهم، وقالت الحكومة إن اللحية ليست أمرا ملزما في الإسلام، وأشارت إلى أن غالبية المسلمين لا يربون لحاهم، وأن تربية اللحية أمر اختياري، ولا ينظر إليه على مستوى العالم على أنه أمر من الدين الإسلامي».

وقال قادة المجتمع المسلم والمنظمات الإسلامية في الهند، إن التمييز الطائفي جعل الحكومة تركز على الأقلية المسلمة في محاولة للتقليل من المسلمين ولمنعهم من الخدمة في الجيش.

فقد تم فصل الجندي حيدر علي أسام من الخدمة العسكرية لنفس السبب، لكنه أعيد إلى الجيش مرة أخرى بقرار من المحكمة العليا.

وهناك عدد من القضايا الأخرى من ولاية هاريانا الشمالية، حيث تم فصل أحد ضباط الشرطة من المسلمين وهو ستابال خان، عندما رفض الانصياع إلى الأوامر بحلق لحيته، وكذلك إحسان الله حق غازي شيخ، رجل الشرطة في مومباي والذي أمر أن يحلق لحيته التي داوم على إطلاقها لمدة 29 عاما أو مواجهة المحكمة التأديبية.

وقد قاد حظر تربية اللحية إلى صدور تعليقات سياسية، حيث طالب عمار سنغ، رئيس حزب سماغوادي الذي يدعم الأقلية المسلمة سياسيا، رئيس الوزراء مانموهان سنغ، «بالدفاع عن الحقوق». وقال عمار: «عبرت أنا ورئيس الوزراء عن قلقنا بشأن قضية اللحية، ورئيس الوزراء وحده هو الذي يملك الحق في الدفاع عمن يربون لحاهم. وقد تبنى رئيس الوزراء من قبل قضية الشيوخ الذين لم يسمح لهم بارتداء العمامة في فرنسا مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته لفرنسا العام الماضي. ومن ثم فإن عليه أن يثير قضية اللحية أيضا».

وقال سالم بهات ـ الصحافي المقيم في دلهي ـ إن القليل سيوافقون على رأي القاضي كاتغو بأن كل مسلم يطلق لحيته إما أنه متطرف أو يؤيد طالبان. وقال: «هناك العديد من غير المسلمين أيضاً يطلقون لحاهم، فاللحية ليست رمزاً للاستقامة أو التطرف أو التعصب. وإن هذا التصريح التابع للقاضي كاتغو الملمح إلى أن كل الرجال الملتحين طالبانيون غير مبرر إطلاقًا، فضلا عن أنها مميزة من الناحية العنصرية». وقال ظفر الإسلام خان ـ رئيس مجلس شورى مسلمي عموم الهند، والمعروف اختصارًا بـ(إيه آي إم إم إم)، وهو مجلس ينضوي تحته جميع المنظمات الإسلامية بالهند ـ إن تصريحات كاتغو الملهبة للمشاعر تتنافى مع حقوق الإنسان الرئيسية. وقال ظفر الإسلام خان: «إن هذا الرأي الغريب وغير المبرر يتلاشى أمام الحقوق الإنسانية والمدنية والدينية التي كفلها الدستور لكل مواطن هندي. ولا يمكن مساواة طلب مسلم بأن يتم السماح له بإطلاق لحيته على أنها طلبنة (أي إكساب الطابع الطالباني) للبلاد. كما أن التعبير عن مثل هذا الرأي من مقعد المحكمة العليا يعد أمرًا خطيرًا وذلك على أساس أنه تعدٍ صريح على الحقوق الدينية والمدنية والإنسانية لملايين المسلمين والآخرين ممن يطلقون لحاهم ويُرون مرتدين البردة وهو التقليد الذي أبقي عليه منذ أكثر من ألف عام في بلادنا، وقبل حتى أن يتنامى إلى مسامع أي أحد كلمة (طالبان) أو الدلالة الضمنية التي تحويها». وقال إن مجلس مشاورات مسلمي عموم الهند يعكف حالياً على دراسة هذه القضية، وقد نعقد العزم على الاستئناف ضد هذا الرأي الصادر من قاضٍ على رأس أعلى جهة قضائية أثناء استماعه لقضية قانونية تتناول الحقوق المدنية والدينية.

ووصفت منظمة الطلاب الإسلامية في الهند تعليق المحكمة العليا على اللحية بأنه محبط، كما أنه يتعارض مع النسيج العلماني الذي تقوم عليه البلاد. وذكر شعيل ـ رئيس المنظمة ـ أن القاضي مارخانديا كاتغو لم يكلف نفسه حتى التحقق من حقيقة أن إطلاق اللحية ليس له علاقة بطالبان، بل إنها ممارسة دينية فحسب. وأكد أن حق إطلاق اللحية يعد حقًا جوهريًا أصيلا بموجب المادة رقم 25 في الدستور الهندي، والتي تنص على حرية الهندي في اعتناق، وممارسة، ونشر ديانته، وعلى أساس هذا الشرط تم السماح للسيخ في الهند بإطلاق لحاهم، وارتداء العمامة، بل وحتى أن يحملوا سكيناً معهم. وتعتبر الحكومة ملزمة بتوضيح كيف تختلف اللحى التي يطلقها السيخ عن تلك التي يطلقها المسلمون. كما أنه ليس هناك شيء يتعلق باللحية على وجه الخصوص في اليهودية، أو المسيحية، أو الإسلام. كما أن اللحية ليست أمرًا قرآنيًا، أو تعليمًا أساسيًا للإيمان. إلا أن المسلمين يطلقونها على سبيل الإعجاب بها، وكتقليد لنبيهم محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذي يعتبرونه أسوتهم، وأنه مثال حي للإنسانية.