دراسة فقهية: المسلم غير مكلف بإقامة الشريعة في مجتمع غير مسلم

شددت على ضرورة مشاركة الجاليات الإسلامية في المجتمعات المقيمة فيها

TT

أكد الدكتور محمد الشحات الجندي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أن المسلم غير مكلف بإقامة الشريعة في مجتمع غير مسلم، مشددا على ضرورة مشاركة الجاليات الإسلامية بفعالية في الواقع السياسي للمجتمعات التي انتقلت إليها، لأن انتماء المسلم لدولة غير إسلامية أمر جائز شرعا، وأنه لا ضرر من تجاوز بعض الأحكام الشرعية في حال الضرورة عملا بمبدأ «الضرورات تبيح المحظورات» كجواز شراء المسلم عقارا بقروض ربوية.

وأجاب الدكتور الجندي على عدد من التساؤلات التي تواجه الجاليات الإسلامية في الغرب من خلال دراسة فقهية شاملة بعنوان «قضايا الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية»، صدرت مؤخرا عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

وحول مبدأ المواطنة للمسلمين في الدول غير الإسلامية ومدى ارتباطها بالولاء لنظام غير إسلامي، يقول الدكتور الجندي: «إن فريقا من العلماء المسلمين ذهب إلى جواز المواطنة من المسلم في دولة غير إسلامية متى كان مستمسكا بدينه ممكنا من العمل بشعائره متمتعا بالحقوق والواجبات».

وعما إذا كانت واجبات المواطنة بالنسبة للمسلمين الذين يقيمون في الغرب تجيز لهم الولاء للدولة غير الإسلامية، يرى الدكتور الجندي أنه لا يوجد مانع شرعي من ولاء المسلم لدولة غير إسلامية يتمتع فيها بحقوق المواطنة بمقتضى الجنسية والعهد أو الحلف الذي يجمع بينه وبين الدولة متى كان آمنا فيها على دينه ونفسه وذويه، ويمارس فيها شعائره الدينية بحرية ويتمتع بحقوقه كاملة.

وأكد في دراسته أن الولاء يتضمن معنى الرعاية والحماية والنصرة والمعاضدة، وهى في الإسلام تقوم على الحق والعدل والإنصاف، وشرطها المشروعية. وأضاف أن الولاء للإسلام لا يمنع الاعتراف بالغير واختلاف الأديان وتنوع الثقافات، مذكرا بأن الإسلام يسمح بالتعددية والوفاء بالعهود وأداء الحقوق للمخالفين، وبالتالي فإن للمسلم أن يحتفظ بهويته الإسلامية وشخصيته الإيمانية في ظلال الثقافة الغربية ومعطياتها الحقوقية. ورفض الدكتور الجندي رأي المحتجين على القول بـ«جواز ولاء المسلم لبلد غير مسلم يقيم فيه»، استنادا لتقسيم البلدان الذي جاء في الفقه الإسلامي، وعمد لتقسيمها إلى «دار إسلام»، و«دار حرب» و«دار عهد». وقال في دراسته إن هذه التقسيمات جاءت في سياق حالة الحرب قديما وهى حالة استثنائية، مشيرا إلى أن الإسلام يقر التعايش السلمي كأصل للعلاقة التي تحكم المسلمين وغير المسلمين.

أما عن مدى مشروعية مشاركة المسلم في النظام السياسي غير الإسلامي سواء بالترشح أو التصويت، فيرى الدكتور الجندي أن الانتخابات وسيلة تقرها الشريعة الإسلامية وهى سبيل لاختيار الولاة والرؤساء والنقباء لتمثيل مصالح قطاعات المجتمع بما يكفل وصول أفضل العناصر لتلك المناصب. وأضاف أن التصويت للمرشح إنما يكون على أساس قدرته وصلاحه للقيام بمسؤولية تمثيل المصالح العامة دون النظر إلى حبه أو بغضه ودون اعتبار للموافقة أو المخالفة في الرأي.

وأوضح الدكتور الجندي أن المسلمين في الدول غير الإسلامية بحاجة ماسة لإظهار هويتهم وإسماع صوتهم للمسؤولين وأولي الأمر، وقال إن مشاركتهم في الانتخابات مهمة للغاية وواجبة على كل جالية مسلمة تعيش في هذه الأقطار عملا بالقاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب».

أما عن مدى مشروعية شراء المسلم في الدول غير المسلمة لمسكن بفوائد ربوية، فيرى الدكتور الجندي أن هذا الأمر جائز طبقا لإجازة الفقه الحنفي التعامل بالربا بين المسلم وغير المسلم في غير دار السلام (الإسلام)، وذلك لأن المسلم غير مكلف شرعا بأن يقيم أحكام الشريعة المدنية والمالية والسياسية ونحوها مما يتعلق بالنظام العام في مجتمع لا يؤمن بالإسلام، وإنما يُطَالب المسلم بالأحكام التي تخصه فردا مثل أحكام العبادات وأحكام المطعومات والمشروبات والملبوسات، وما يتعلق بالزواج والطلاق وغير ذلك من أحكام الأحوال الشخصية.

وحول قضية زي المرأة المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية والانخراط في الحياة العامة، قال الدكتور الجندي إن الإسلام طالب المرأة المسلمة بستر جسدها عدا الوجه والكفين، لكن إذا ترتب على ارتدائها هذا الزي بعض أنواع الإيذاء، كما وقع بالفعل في بعض الدول الأوروبية، فإنه في مثل هذه الحالات ـ وما على شاكلتها ـ يتوجب على المرأة المسلمة أن تبذل قصارى جهدها للاحتفاظ بارتدائها الحجاب، فإذا فشلت مساعيها، فلا بأس أن تخفف من بعض زيها في أضيق الحدود، توفيقا بين مقررات الشريعة واعتبارات الأوامر الحكومية استنادا لقاعدة: «الضرورات تبيح المحظورات». وعن مدى مشروعية التحاق أبناء المسلمين بنظام التعليم والثقافة العلمانية في المجتمعات غير الإسلامية، أكد الدكتور الجندي أن طلب العلم في المدارس الغربية من جانب النشء المسلم في الدول الغربية، خاصة العلوم والمعارف الحديثة كالطب والهندسة والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم غير الدينية، يكون مطلوبا شرعا. أما العلوم الدينية فتعليمها يقع على عاتق الجالية الإسلامية نفسها.