رئيس معهد دراسات الشريعة في طوكيو: الهجوم على الإسلام زاده قوة

قال إن عقلانية الشعب الياباني تقربه من الإسلام

المركز الإسلامي في اليابان
TT

أكد الدكتور طيب المختار موتو، رئيس معهد دراسات الشريعة بجامعة تاكوشوكو في طوكيو، على أن روح التسامح التي يتحلى بها الشعب الياباني وعقلانيته يجعلانه من أكثر الشعوب قربا من طبيعة الإسلام وجوهره، مشيرا إلي أن دليله هو عدد المسلمين اليابانيين الذي يزداد يوما بعد يوم.

واعتبر الدكتور موتو، أن حملة التشويه وإثارة الشبهات والأكاذيب، التي يتعرض لها الإسلام، خاصة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة الأميركية، لم تنجح، كما يتوقع مثيرو هذه الحملة، في الحد من انتشار الإسلام، إنما كانت بمثابة وسيلة لنصرته ولشد الأنظار إليه والتعريف به وخاصة في اليابان.

وأشار الدكتور موتو، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، على هامش المؤتمر الذي نظمته رابطة خريجي جامعة الأزهر في القاهرة مؤخرا، بعنوان «الأزهر والغرب.. حوار وتواصل»، إلى أن أعداد من اعتنقوا الإسلام سواء كانوا في اليابان أو في بقية بلدان العالم قد تضاعف، خاصة بعد اتهام الدين الإسلامي بأنه دين يحث أتباعه على الإرهاب والقتل والتخريب والفوضى، مما دفع كثيرا من غير المسلمين للقراءة والبحث عن معرفة هذا الدين، الذي شكل لهم صورة مخيفة. لكنهم مع إدراك حقيقته صاروا من أتباعه بل ومن المدافعين عنه.

وقد طالب موتو، المؤسسات الإسلامية العالمية وعلى رأسها مؤسسة الأزهر، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، ورابطة العالم الإسلامي، بتوفير الكتب والمطبوعات التي تبين حقيقة الإسلام بأسلوب سهل ومبسط، وترجمتها إلى مختلف اللغات، وإرسالها إلى المراكز الإسلامية والمؤسسات التعليمية في سائر أنحاء العالم. وتحدث الدكتور موتو، عن الإسلام في اليابان، وموقف اليابانيين منه، بالإضافة إلى بعض القضايا الأخرى.

* بداية نريد إلقاء الضوء على الوجود الإسلامي في اليابان، ومدى تقبل الشعب الياباني للإسلام في ظل ما يشهده الواقع من حملة تشويه واتهام للإسلام بأنه دين يدعو للإرهاب والاستبداد؟

ـ الوجود الإسلامي في اليابان وجود حديث، فالإسلام دخل إلى اليابان في آواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما يذكر لنا المؤرخون. وقد بدأت معرفة اليابانيين بالإسلام على يد أحد علماء الأزهر وهو من مصر، بجانب بعض الأتراك المسلمين والتجار الهنود والعرب، الذين استقروا باليابان منذ أواخر القرن التاسع عشر. فيما بعد قام المسلمون بإنشاء جمعيات للثقافة الإسلامية، ثم تطورت إلى أن تم تأسيس جمعية مسلمي اليابان، التي تقوم بدور رئيسي في لم شمل المسلمين ورعاية شؤونهم.

وبفضل الحرية الدينية التي يتمتع بها اليابانيون، هناك إقبال متزايد على اعتناق الدين الإسلامي عن قناعة تامة، بعد أن أدرك اليابانيون أنه الدين الحق، خاصة وأن الشعب الياباني يتميز بالتسامح والعقلانية إلى أقصى درجة، ويملك وعي قبول للآخر. وعقلانية الشعب الياباني جعلته أقل تأثرا بالحملات المشبوهة التي يثيرها منتقدو الإسلام لتشويه صورته، خاصة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة الأميركية، واتهام الإسلام زورا وبهتانا بأنه دين يدعو إلى الإرهاب والتخريب وسفك الدماء. لكن هذه الحملة الظالمة لم تأت بنصر كما توقع الذين أطلقوها، بل صارت هذه الحملة بمثابة وسيلة وأداة لنصرة الإسلام ولشد الأنظار إليه والتعريف به، خاصة في اليابان، بدلا من محاصرته والحد من انتشاره.

ما يؤكد صحة هذه المقولة أن أعداد من اعتنقوا الإسلام سواء كانوا في اليابان أو في غيرها من بقية بلدان العالم قد تضاعفت، لأن اتهام الإسلام بالدعوة إلى الإرهاب والتشدد دفع كثيرا من غير المسلمين للقراءة والبحث والاطلاع لمعرفة حقيقة هذا الدين، الذي شكل لهم صورة مخيفة. لكن بعد أن تجلت لهم الحقيقة صاروا من أتباعه والمدافعين عنه.

* هلا أعطيتنا فكرة عن معهد دراسات الشريعة في جامعة تاكوشوكو والمهام التي يقوم بها؟

ـ كان المعهد فكرة تبنيتها مع مجموعة من زملائي، الذين درسوا في الأزهر والجامعات المهتمة بتدريس علوم الدين والثقافة الإسلامية في بقية دول العالم، خلال حقبة الستينات والسبعينات، حيث تمكن بعض هؤلاء الدارسين بتوفيق الله تعالى من تقلد مناصب رفيعة في مواقع مهمة في المجتمع الياباني، وبخاصة في الجامعات اليابانية، بالإضافة للتزايد المستمر في أعداد الطلاب المسلمين من أبناء اليابان، الذين لا يجدون وسيلة غير السفر إلي الجامعات الإسلامية الكبرى، سواء في الأزهر أو في الجامعات السعودية وغيرها، مما يمثل عبئا ماديا ونفسيا عليهم، نظرا لطول فترة الدراسة في الخارج، فضلا عن شغف اليابانيين لمعرفة صحيح الدين الإسلامي من المتخصصين في الجامعات اليابانية.

هذه الظروف شجعت على تأسيس معهد لدراسات الشريعة. وقد تأسس المركز بالفعل عام 2002 كهيئة تابعة لمعهد الدراسات الدولية في جامعة تاكوشوكو، وابتداء من أبريل(نيسان) عام 2007 تحول مركز دراسات الشريعة إلى معهد مستقل بذاته. ومن أهداف المركز الرئيسية كذلك، أن يقوم بإجراء أبحاث شاملة ومسح شامل لاحتياجات الفرد المسلم من مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، مع تركيز خاص على علاقة كل هذه الأمور بالشريعة الإسلامية.

* وكيف تستفيدون من نتائج هذه الأبحاث؟

ـ نقوم بإيصال نتائج بحوثنا إلى الشركات اليابانية العاملة على نطاق واسع، التي تهتم بتصدير بعض المنتجات إلى بلدان العالم الإسلامي. ولتحقيق هذه المهمة تشكلت في عام 2002 لجنة الشريعة كهيئة دائمة يضمها مركز دراسات الشريعة، وهى تتكون من متخصصين وخبراء في الشريعة الإسلامية، وتربطهم علاقات متينة مع علماء العالم الإسلامي، وتساعد لجنة الشريعة الشركات اليابانية في التعرف على القواعد الشرعية المتعلقة بالمنتجات، التي تصدر إلى العالم الإسلامي، أو يتم طرحها في اليابان للمسلمين اليابانيين.

تضم اللجنة أيضا أعضاء من جمعية مسلمي اليابان، وبعضهم تخرج في جامعات إسلامية في بلدان العالم الإسلامي كالأزهر وجامعات السعودية وماليزيا وقطر وغيرها، ومن أهم واجبات اللجنة إصدار شهادة «حلال» للشركات المعنية وبخاصة المنتجة للأطعمة. ونحاول في الوقت الحالي إلزام الشركات بضرورة تعيين أحد المسلمين في خطوط إنتاجها كمراقب، لتكون مواصفات المنتج مطابقة لقواعد الشريعة الإسلامية، وهذا النشاط الذي يقوم به معهد دراسات الشريعة يسهم بشكل كبير في التعريف بتعاليم الإسلام، وبالتالي إثارة اهتمامات الشعب الياباني بالإسلام كدين ينظم حياة الناس ويهتم بجوانب حياة الإنسان المادية والإيمانية.

* ما هي أهم العقبات التي تواجه المسلمين في اليابان وكيف تتغلبون عليها؟ ـ قلة وجود ترجمات لتفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية والكتب والمطبوعات الأخرى، التي تعرف بالإسلام وتبين تعاليمه للناس، وخاصة أن هناك تعاليم دعا إليها الإسلام مثل الحفاظ على الوقت وتقديس العمل الجاد وإتقانه. هذه التعاليم هي بالنسبة للشعب الياباني عادات مقدسة، وبالطبع هي تتفق مع الإسلام الذي يدعو إلى العمل الجاد، كما أن الشعب الياباني يرفض الإجازات، ويتقن عمله بأفضل صورة ممكنة من دون الحاجة إلى رقابة، وإنما ذلك التزام ومنهج حياة، وهذا ما يدعو إليه الإسلام.

ونحن نريد أن نوصل إلي الشعب الياباني رسالة، أن الإسلام سبق إلى هذه الأمور، وأن عملهم المتقن يعد في شريعة الإسلام نوعا من العبادة، التي يثاب عنها صاحبها في الآخرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، عندما يعلمون ذلك فهذا يقربهم من الإسلام أكثر وأكثر.