الأمين العام لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية: عائدات الأوقاف عوضت النقص الناجم عن تقلص التبرعات

عدنان باشا لـ «الشرق الأوسط» : التغييرات في الولايات المتحدة لم نلمسها على الأرض

ناشطون في هيئة الإغاثة الإسلامية أثناء توزيع بعض المساعدات
TT

نفى الدكتور عدنان بن خليل باشا الأمين العام لهيئة الإغاثة الإسلامية، التابعة لرابطة العالم الإسلامي، حصول انفراج على صعيد المضايقات التي تتعرض لها الهيئات الإغاثية الإسلامية، منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وقال إن «وضع المنظمات الخيرية في العالم الإسلامي وضع لا يحسد عليه». وتابع في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» أن «المضايقات لا تزال مستمرة، على الرغم من التغيرات التي تمت في الولايات المتحدة، والتصريحات المطمئنة في هذا الخصوص، فهناك صعوبة في التحويلات المالية، بسبب الاتهامات الباطلة المستمرة منذ 8 سنوات، التي تفتقد لأي سند قانوني أو دلائل مادية تدعم الافتراءات الكاذبة، التي أدت إلى تحجيم الانتشار الكبير الذي شهدته المنظمات الخيرية في العالم». وأكد على أن ملايين المحتاجين في العالم تضرروا جراء الممارسات التي انتهجتها بعض السلطات ضد الهيئات الخيرية. وخطورة الأمر كما يؤكد، لا تتوقف عند الحد من إمكانيات المنظمات الخيرية، وإنما تكمن في الاجتياح المستمر والمتصاعد للفقر والجهل والمرض في المجتمعات الإسلامية التي لا تزال تعاني من هذا الثالوث البغيض، ولا يوجد ما يكفي لمواجهته داخل كثير من الدول والمناطق، وبعضها تعتمد بعد الله على ما تقدمه هذه المنظمات الخيرية الإسلامية.

وحول ما إذا كان الوضع قد تحسن بعد وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، قال: «لم نجد حتى الآن أي أثر إيجابي للتوجهات الأميركية، الجديدة، والتغييرات الهيكلية في الولايات المتحدة الأميركية، وما تزخر به الجرائد من وعود، لم نر أنه تحول إلى واقع ملموس على المستوى التطبيقي، أي على أرض الواقع». وأشار الدكتور عدنان باشا، إلى أن العمل الخيري كان من أول المتضررين من الإرهاب: «العمل الخيري كان ضحية الإرهاب، فقد ساهم العمل الخيري في التقليل من حجم نتائج الكوارث وآثارها على المجتمعات، مما يحتم بقاء هذه المنظمات، فهي ضرورة، لأن تفاقم الفجوة التنموية يتيح المجال ويوفر البنية الصالحة لمزيد من الإرهاب، وتخلو الساحة أمام الذين يجيدون الاستفادة من هذه الأوضاع، في تجنيد الفئات المهمشة، وعددها غير قليل، لتكون وقودا لإشاعة الفوضى ومحاربة السلم الاجتماعي في المجتمع». وعما خسرته الساحات الإغاثية بغياب المنظمات الخيرية الإسلامية، أو تقليص نشاطها بسبب الضغوط التي تتعرض لها، قال: «خسر العالم المتحضر قبل غيره من الساحات الخيرية الكثير بغياب المنظمات الخيرية الإسلامية، فقد زادت مسؤولياته الأخلاقية، والحفاظ على السلم العالمي، الذي يمر عبر توفير الحاجيات الأساسية، وعلى الصعيد الميداني هناك الآلاف من الأيتام الذين لم تتمكن الهيئات الخيرية من توفير كل احتياجاتهم الغذائية والصحية والتعليمية، وتحولوا بسبب ذلك إلى أطفال شوارع، فالكثير من الملاجئ والمستوصفات الصحية والمدارس توقفت عن أداء مهامها، بل إن الكثير من المدارس النظامية التي كانت تمول من قبل الهيئات الخيرية، أصبحت فصولها خاوية سوى من المقتدرين، وهم قلة في الكثير من الدول الأفريقية والآسيوية، ناهيك عن معاهد التدريب المهني.. والتصحر الذي تفاقم بسبب عدم قدرة المنظمات الخيرية على حفر المزيد من الآبار، وزرع الأشجار لوقف التصحر، ومحاربة العطش». وعن تأثيرات الحرب على العمل الخيري الإسلامي على حركة التبرع لصالح الأيتام والأرامل والمعاقين وضحايا الحروب والكوارث، قال: «المتبرعون أصبحوا في رعب شديد من الاتهام بدعم الإرهاب، وتوقف البعض عن التبرع مخافة اتهامهم بدعم الإرهاب». وعن المواقف الرسمية للدول من قضية الهيئات الخيرية، كشف الدكتور عدنان باشا عن أن «بعض الدول خيرتنا بين البقاء أو فتح مكاتب جديدة، مثل السيراليون وساحل العاج، وهناك بعض الدول التي شرحت لنا ظروفها وما تلاقيه في مقاومة الضغوط التي تمارس عليها، ولكن في كل الأحوال أظهرت الأزمة من هو الصديق ومن هو غير ذلك».

وعما حققته الهيئات الخيرية، لا سيما هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، خلال الأزمة وكيف تعاطت معها، أو ما الذي تعلمته منها، قال: «أهم شيء الثبات والاستمرارية ولله الحمد، وهذا لم يكن بجهد أحد، وإنما بفضل الله عز وجل، لأن العمل الخيري كان ولا يزال وسيبقى لوجه الله، وكان من إيجابيات المرحلة تقييم الآليات واللوائح والأنظمة، والاهتمام بالشراكات الاستراتيجية مع كبريات المنظمات الدولية بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة». وعن دروس المرحلة، أوضح أن «الانفتاح على كل التجارب الإغاثية الدولية وممارسة الحضور الفعال في المنتديات الدولية واستنباط برامج وخطط جديدة تصب في مشروع تفعيل عجلة التنمية المستدامة في المناطق المحتاجة، من أهم دروس وإنجازات هذه المرحلة». وعما يعني بالشراكات الاستراتيجية، أفاد بأنه تم تنفيذ عدة اتفاقات دولية «مثلا عقد اتفاقيات مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لتنفيذ مشاريع مشتركة، وكذلك مع منظمة الأم والطفل، اليونيسيف، ومنظمة (دبل اتش يو)، بالإضافة للشراكة مع المنظمات الإقليمية». وأشار الدكتور عدنان باشا إلى عدد من المشروعات التي تقوم بها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، ومن بينها «6 مشاريع في مجال الإصلاح البيئي، وتدريب النساء على الاهتمام بصحة الطفل، بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية، وذلك في ست دول من بينها تونس وباكستان وأفغانستان». وأكد الدكتور باشا على وجود مكاتب تابعة للهيئة الإسلامية العالمية، في كل من السودان والصومال وفلسطين. وأن معظم النشاطات تتمحور حول مشروعات «كفالة الأيتام ورعاية المستوصفات والمدارس النظامية، وخروف العيد وسلال رمضان، وكل ذلك يعتمد على حجم التبرعات».

وتحدث الدكتور عدنان باشا بلغة الأرقام: «لدينا قوائم بـ93 ألف يتيم، ولدينا 46 مستوصفا ومستشفى وقافلة طبية عبر العالم، ولدينا 21 دار أيتام، و30 مؤسسة تعليمية و20 معهدا مهنيا، بالإضافة لآلاف الأطنان من المواد العينية». وعن دور مشروع «سنابل الخير» (الوقف) في دعم مشروعات الهيئة، لا سيما في ظل تقلص التبرعات، والحصار الخانق ضد المؤسسات الخيرية الإسلامية، قال: «الوقف أصبح حقيقة ماثلة للعيان، وكانت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، أول منظمة تقيم مشروع «سنابل الخير» (الوقف)، والحمد لله تجني الهيئة والمحتاجون ثمراتها، والأوقاف هي عبارة عن صروح معمارية تدر دخلا سنويا يساعد الهيئة على أداء رسالتها، وهي في حدود 7 ملايين دولار سنويا»، ووصف نظام الوقف الإسلامي بأنه «مصدر آمن وثابت لتسيير ما صنفناه بالمشروعات».

وعن نصيحته للهيئات الخيرية الإسلامية، قال: «ننصح جميع العاملين في المجال الخيري بانتهاج المبدأ الإسلامي الرائع. الوقف، هذه الركيزة التنموية يجب أن تكون قوام عمل كل نشاط خيري، حتى لا يتأثر العمل الخيري بالظروف، وتستمر فعالياته من دون انقطاع وفوائده الكثيرة، وهو ما أثبتته الأزمة الأخيرة». وختم حديثه بالإجابة عن سؤال بخصوص مستقبل العمل الخيري الإسلامي، وسط الحرب التي تشن على كل ما هو إسلامي بالقول: «للعمل الخيري رب يحميه، ثم إن المخلصين العاملين في هذا الحقل واثقون من أن هذه الغمة ستسفر وتنجلي عاجلا أم آجلا، ولن تزيد العمل الخيري إلا قوة وصلابة تواجه بها، بعون الله، كافة التحديات، ولم يكن هناك أكبر من هذا التحدي الذي نعاصره الآن على يد أكبر قوة في العالم».