البروفسور الأميركي جون سبوزيتو: الصدام الغربي مع الإسلام أصله سياسي

الملتقى العالمي لخريجي الأزهر يحذر من تنامي الإسلاموفوبيا في الغرب

البروفسور جون سبوزيتو
TT

حذر 92 عالما وباحثا ومفكرا من شتى بقاع العالم من مغبة تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، والعداء المتنامي للجاليات المسلمة في أوروبا والغرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، مشددين على أهمية تفعيل مبادرات الحوار بين الأديان والحضارات من أجل إزالة سوء الفهم المترسخ لدى الغربيين عن الإسلام والمسلمين.

واتفق المؤتمرون بعد مناقشات استمرت ثلاثة أيام في الملتقى العالمي الرابع لخريجي الأزهر الذي عقد تحت عنوان: «الأزهر والغرب.. ضوابط الحوار وحدوده»، علي أن الأزهر هو المؤسسة العلمية التي صمدت في وجه التاريخ لأكثر من ألف عام، ويمثل المرجعية الكبرى للإسلام بمنهجه الوسطي القائم على التسامح والاعتدال، وهو المؤهل بتاريخه ومنهجه لإدارة الحوار مع الديانات السماوية الأخرى من منطلق إيمانه بالتعددية التي تشكل منهجه في الدراسة والدعوة.

ولفت المشاركون في الملتقى إلى أن «الاختلاف بين البشر في العقائد والأفكار سنة كونية ومشيئة إلهية عبر عنه القرآن في قوله تعالي (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، وهذا الاختلاف إذا أحسن استثماره يمثل مصدر ثراء تتكامل فيه الأمم وتتنامى به الحضارات».

ودعا البيان الختامي للملتقى قادة الديانات السماوية إلى «تحمل مسؤولياتهم في انتشال المجتمعات الإنسانية من وهدة التعصب والأنانية، وأن يتمثلوا توجيهات السماء في نشر روح المحبة والإخاء الإنساني».

وأوضح البيان أن «دعوات الحوار بين الحضارات لا تزال حتى الآن شعارات تتردد في المنتديات والمؤتمرات دون أن تتحول إلي منهج علمي يقود إلي التقارب الحقيقي».

ويتبنى المشاركون في الملتقى (الذين يمثلون أتباع الديانات السماوية الثلاثة) وضع ميثاق للحوار يقوم علي الاعتراف المتبادل بين الأديان السماوية، والبحث عن القواسم المشتركة وأوجه الاتفاق لاستثمارها في التقريب بين الأمم. وشدد البيان الختامي للملتقى على ضرورة وضع ضوابط لأطر الحوار وحدوده، والوقوف عند مناطق الالتقاء التي تدعم فكرة الإيمان، وتشيع أخلاقيات العلم والسياسية والاقتصاد. وبحسب البيان، فإن «أكبر العوائق أمام نجاح الحوار بين الحضارات سياسة الظلم التي يمارسها الغرب ضد المجتمعات الإسلامية، وهو ما يضع على عاتق المجتمعات المسيحية مسؤولية دعوة ساستهم إلى رفع هذا الظلم، والسعي إلي تحقيق العدالة التي تمثل روح الإيمان في رسالات السماء».

اتفق المشاركون في الملتقى على أن الرابطة العالمية لخريجي الأزهر تمتلك قدرات كبيرة لدعم الدور العالمي للأزهر، داعين إلى أهمية تسجيلها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة «الإيكو سوك» حتى تتمكن من تعظيم قدرتها علي الحوار مع المؤسسات واستثمار طاقتها في تحقيق رسالة الأزهر.

من جانبه، شدد الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر ورئيس «الرابطة العالمية لخريجي الأزهر» على «أهمية تخلي الغرب عن سياسة الكيل بمكيالين واحترام الثوابت الدينية للمسلمين ووقف حملات التشويه للإسلام، خاصة أن وسائل الإعلام الأوروبية ما زالت تقدم صورا نمطية وسلبية عن الإسلام والمسلمين وتصورهم بأنهم إرهابيون يجب الخوف منهم».

من جانبه أكد البروفسور الأميركي جون سبوزيتو، أستاذ الدراسات الإسلامية والأديان في جامعة جورج تاون ومؤلف كتاب «من يتكلم باسم الإسلام» بالمشاركة مع داليا مجاهد مستشارة الرئيس أوباما، على ضرورة تكثيف الحوار بين الثقافات والحضارات لتلافي أي أفكار شاذة تدعو لفكرة الصراع بين الحضارات.

وأشار إلى الاهتمام الأميركي بالإسلام، خاصة الاتجاه نحو دراسة الإسلام من منطلق أنه دين أقام حضارة عريقة في التاريخ الإنساني ويتمتع بكثرة أتباعه، لافتا إلى بناء مركز للعلاقات الإسلامية المسيحية في جامعة جورج تاون.

وقال البروفسور سبوزيتو إن النزاع بين الغرب والعالم الإسلامي بعيد كل البعد عن الحتمية، لأن هذا النزاع يتعلق بالسياسة أكثر من تعلقه بالمبادئ وبالمظالم السياسية وبالمخاوف بدلا من الدين أو تصادم الحضارات والثقافات، مشيرا إلى أن «النزاع الدائر حاليا بين العالم الإسلامي والغرب ليس بسبب الاختلاف العقائدي والحضاري، وإنما بسبب تبني المعايير المزدوجة تجاه الدول الإسلامية، ويقف وراء ممارسة هذه السياسة الخاطئة بعض الجماعات واللوبيات التي لها تأثير على متخذي القرار في الغرب».

وشدد على أن بناء الاحترام بين الإسلام والغرب بشكل عام والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص يتطلب بناء الثقة، كإقامة خطوات عملية لها علاقة بالسياسة العامة والخارجية، وهو ما يجعل للدبلوماسية دورا مهمّا في هذا المجال.

أما المخرج السينمائي الأميركي اليهودي جاكوب بندر، فقد أكد أن علاقات المسلمين باليهود الذين عاشوا في ظل الحضارة الإسلامية قد عبر عنها الفيلسوف المسلم ابن رشد في عهد وجود المسلمين بالأندلس، وتأثيره على الحاخامات اليهود بشكل جعل هناك تقاربا بين الثقافتين الإسلامية واليهودية، داعيا إلى بذل الجهود المشتركة لإعادة تلك العلاقات الطيبة.

ولفت توم بلوك، وهو باحث أميركي يعمل بمنظمات حوار الأديان، إلى أن اليهود والمسلمين كانت علاقاتهم متداخلة منذ وقت ليس ببعيد، بل تعلم مفكرون يهود منذ ثلاثة قرون من أبناء عمومتهم المسلمين في مصر عددا من التقاليد التي تظهر بوضوح في اليهودية المعاصرة، مشيرا إلى تأثر المفكر اليهودي موسى بن ميمون، الذي يعد من أهم علماء اللاهوت اليهودي، بالتعليم الإسلامي.