رئيس المؤتمر الإسلامي الأوروبي: نطالب بتشريعات تحفظ حقوق المسلمين في الغرب

محمد بشاري لـ «الشرق الأوسط»: نتعامل مع النقاب في فرنسا على أنه «عادة»

محمد بشاري
TT

اعتبر الدكتور محمد بشاري رئيس المؤتمر الإسلامي الأوروبي ورئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا، أن أخطر عقبة تقف في طريق الحوار بين الإسلام والغرب هي تزايد ظاهرة الخوف من الإسـلام (الإسلاموفوبيا) من خلال انتشار بعض المفاهيم الخاطئة عن الإسلام التي كرست لها عدة عوامل أهمها المناهــج الدراسية في معظم المدارس والجامعات الغربية.

وحول تداعيات أزمة منع ارتداء النقاب في فرنسا وكيفية تعامل المسلمين معها، قال الدكتور بشاري في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في مؤتمر «الأزهر والغرب.. ضوابط الحوار وحدوده» الذي نظمته الرابطة العالمية لخريجي الأزهر في القاهرة مؤخرا: إننا نتعامل مع مشكلة منع النقاب في فرنسا على أنه عادة وليس فريضة، ونطالب بتشريعات تحمي الوجود الإسلامي في الغرب وتحفظ للمسلمين حقوق المواطنة وتتصدى لمبادئ التمييز والعنصرية.

* بداية نريد منكم إعطاء فكرة موجزة عن المؤتمر الإسلامي الأوروبي والمهام التي يضطلع بها؟ ـ المؤتمر الإسلامي الأوروبي هو عبارة عن مظلة يندرج تحت لوائها العديد من المؤسسات الإسلامية المنتشرة في حوالي 33 دولة أوروبية، حيث اجتمعت هذه المنظمات واتفقت على تنسيق العمل فيما بينها، وقررت تكوين منظمة واحدة تعرف باسم المؤتمر الإسلامي الأوروبي ليقوم بتمثيلها والدفاع عن حقوق المسلمين أمام الاتحاد الأوروبي.

* لكن ما دور المؤتمر الإسلامي الأوروبي في معالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا والعداء الغربي للإسلام؟

ـ نحن نضع بالفعل ظاهرة الإسلاموفوبيا في مقدمة أولوياتنا للبحث عن أسبابها وطرق معالجتها، خاصة أن المعهد الأوروبي ضد الكراهية أصدر حديثا تقريرا عن الإسلاموفوبيا جاء فيه: «إن الإسلاموفوبيا ما زالت أمرا واقعا رغم اتصاف هذه الدول الأوروبية بالشــجاعة والسماح لبعض المسلمين بالوصول للمراكز القيادية فيها، وأنه رغم الاتجاهات الإيجابية عند القيادات السياسية ما زالت حالة الخوف من الإسلام والمسلمين ماثلة».

وفي هذا الإطار نعد حاليا بالتعاون مع لجنة التنسيق التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي لعقد مؤتمر باليونسكو لوضع آليات تصحيح لصورة الإسلام في المناهج الغربية، بعد أن قمنا برصد لعدد من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام في المناهج الدراسية التي يدرسها الطلاب في معظم مدارس وجامعات الغرب التي أدت إلى ترسيخ الصورة الذهنية الخاطئة لدى كثير من الغربيين عن الإسلام، وقد قررنا أن نجتمع مع قيادات التعليم في الدول الأوروبية ونبين لهم خطورة ما تتضمنه مناهج التعليم في إعــاقة التواصل والتعاون بين الحضارات والثقـافات وبين الإسلام والغرب وخلق أجواء غير صحية في العلاقات، وسنطالبهم بتصحيح هذه المعلومات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين وسنقول لهم إذا كنتم تريدون أن تنشأ الشعوب على ثقافة السلام والحوار والتعاون الإيجابي فلتتخلوا عن هذه الأفكار الخــاطئة.

كما أننا نعد حاليا للقاء آخر يتم في عام 2010 في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل حول دراسة الأسباب التي أدت إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا للمطالبة بتشريعات تحمي الوجود الإسلامي والشعور الإسلامي في أوروبا، وعدم المساس بحرية المعتقد والمشاعر الدينية، فليس تحت بند حرية الرأي أن تنال من حرية المعتقد للآخر، وأن تصور رموزه الدينية في صور مهينة، وهذا اللقاء سيدعى إليه أعضاء من البرلمان الأوروبي وباحثون ومفكرون وكتاب غربيون.

* ذكرتم أن سبب تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب يكمن في مناهج التعليم، ألا توجد أســباب أخرى غير ذلك؟

ـ نعم يوجد. لا شك أننا نعاني من ظاهرة المفاهيم المشوشة عن الإسلام بوضوح في الغرب وفي الشرق أيضا؛ في البلاد الإسلامية، وقد أحدثت هذه المفاهيم آثارا وخيمة بظهور التطرف والعنف والإرهاب من قبل أفراد وجماعات ومنظمات تتخذ من بعض آيات القران الكريم ومن بعض الأحاديث النبوية شعارات لتصل بها إلى ارتكاب أعمال لا يقرها الإسلام ولا القوانين الوضعية ولا الأخلاق الإنسانية.. أيضا زيادة عدد المسلمين في الغرب وانتشار المساجد والمراكز الإسلامية والمجازر التي تقدم اللحوم الحلال بل والبنوك الإسلامية في بعض البلدان.

وبدأ يظهر المسلمون في الحياة الانتخابية في تلك الدول، فترى بعض الجماعات أن المسلمين يريدون أن يفرضوا ثقافتهم على الغرب، وهذا الشعور بلا شك يغذي روافد الخوف والكراهية. كما يستقي الناس في الغرب المعرفة بالإسلام من قراءة الكتب والترجمات المتاحة وغالبا ما تكون ممتلئة بالأخطاء، فذلك هو المصدر الأول الذي يعتمد عليه عامة الجماهير، ثم يأتي بعد ذلك الإعلام وهو ضعيف جدا في مادة الإسلام وفي كثير من الأحيان نجده موجها ضد الثقافة الإسلامية.

وأيضا مع اتساع رقعة الإسلام في الغرب وامتلاء الثقافات الغربية بالكراهية ضده وبدون أي دراسات جادة لمضمونه ومحتواه سوى كتابات لبعض المستشرقين الذين هم أنفسهم قد ورثوا من نفس الثقافة المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وعامة الناس ليس أمامهم عن الإسلام سوى هذه الكتابات.

* لكن هناك دراسات منصفة عن الإسلام قام بها مستشرقون منصفون؟

ـ الحقيقة تقول إن نشر مثل هذه الكتابات والإقبال عليها كان ضعيفا لا يصل إلى حد التأثير في الجماهير العريضة، فكانت في دائرة الخاصة من أهل الثقافة الغربية ومن هؤلاء القلة من اعتنق الإسلام، فكان من الطبيعي أن ينظر الناس إلى كتاباته على أنها شاذة عن الثقافة العامة الموروثة وليست من قبيل تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين.

* بعد هدوء الضجة الإعلامية حول قرار الحكومة الفرنسية بمنع ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات الحكومية ودوائر العمل الرسمية، ظهرت مشكلة أخرى مماثلة تتعلق بالحديث حول إصدار قانون يمنع ارتداء النقاب في فرنسا، كيف تتعاملون مع هذه المشكلة؟

ـ أولا لا بد أن نذكِر بظروف افتعال هذه القضية وهي أنه بعد خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة، في يونيو (حزيران) الماضي، الذي تحدث خلاله بشجاعة عن علاقة الإسلام بالغرب، جاء فيه أن من حق المرأة في أميركا أن ترتدي كيفما شاءت من الزي وأن تعيش حريتها، وبعد هذا الخطاب قام بزيارة إلى ألمانيا وفرنسا وثارت ردود أفعال متباينة حول موقف أوباما من العلاقة بين الإسلام والغرب التي كشف عنها في خطابه، ففي فرنسا اقترح عدد من النواب من اليمين واليسار مشروع قانون لمنع النقاب وتم تصعيد الأمر، وعمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على تشكيل لجنة من البرلمانيين لمناقشة ومتابعة القضية، وبعيدا عن الجدل الفقهي فإننا مقتنعون بأن النقاب «عادة» و«ليس فريضة»، وبالتالي نتعامل مع هذه المشكلة على هذا الأساس.