جامع خالد بن الوليد التاريخي في حمص يتألق في رمضان بصلوات التراويح والتهجُّد

الجمعية الخيرية وزّعت مواد عينية على 300 أسرة فقيرة من القاطنين في الحارات المجاورة للجامع

جامع خالد بن الوليد التاريخي في مدينة حمص السورية («الشرق الأوسط»)
TT

في وسط مدينة حمص السورية التي تتوسط المدن السورية يتوضع جامع خالد بن الوليد التاريخي، حيث يوجد في جانب منه قبر الصحابي الجليل خالد بن الوليد ـ سيف الله المسلول ـ رضي الله عنه، وهو الذي أحب مدينة حمص، وقضى فيها أواخر أيامه ودفن في تربتها، وصارت حمص ومنذ عشرات السنين تلقب بمدينة ابن الوليد نسبة له، وبني جامع كبير قبل مئات السنين أصبح من أهم معالم المدينة لجمال عمارته واتساعه وكثرة ما يحيط به من حدائق خضراء جميلة (حيث كانت سابقاً عبارة عن مقابر تم نقلها قبل حوالي نصف قرن من قبل بلدية المدينة واستثمار الأرض كحدائق مجاورة للجامع)، كما تأسست قبل سنوات جمعية خيرية باسمه (جمعية خالد بن الوليد بحمص)، أخذت مقراً لها بجانب الجامع، وتعمل الجمعية في شهر رمضان على توزيع المؤن الغذائية على فقراء المدينة، خاصة الأسر المحتاجة المقيمة في الأحياء القريبة من الجامع.

وقال ماجد زعرور، رئيس الجمعية، لـ«الشرق الأوسط»: «قامت جمعيتنا، ومنذ بداية الشهر الفضيل، بتوزيع مواد عينية مثل السكر والطحين والأرز والسمن والألبسة، وهي من التبرعات التي تأتي للجمعية من الميسورين وفاعلي الخير على 300 أسرة فقيرة، تسكن قريبة من جامع خالد بن الوليد، كذلك تقوم الجمعية بتقديم وجبة إفطار يومياً لصائم فقير، وعملت الجمعية في الأيام الأخيرة وبمناسبة افتتاح المدارس على توزيع ألبسة ومستلزمات مدرسية استفادت منها 40 أسرة فقيرة». وجامع خالد بن الوليد، الذي يكتسب في شهر رمضان المبارك روحانية خاصة من قبل المصلين، تبرز في صلوات التراويح، كما يشهد الجامع يومياً وبمناسبة الشهر الفضيل إقامة صلاة التهجّد في الساعة الثالثة من فجر كل يوم. كما يشهد إعطاء دروس دينية وختم القرآن الكريم ودروس في التجويد. ويتميز بناء الجامع إضافة لأقسامه المعروفة من المصلى الكبير، والصحن الواسع، والقبب المعدنية الجميلة ذات الطراز العثماني، والمآذن الرائعة، وبنائه من حجر البازلت الأسود؛ لتوفرها بكثرة في مدينة حمص، حيث تلقب أيضاً بأم الحجار السود، يتميز أيضاً بوجود متحف إسلامي يأخذ جانباً من المبنى، ويضم مقتنيات من التراث الإسلامي والكتب النادرة اكتشفت في منطقة الجامع، وبناء جامع خالد بن الوليد الحالي عبارة عن مبنى عثماني، يتميز بقببه المعدنية الضخمة، التي تتوهج تحت أشعة الشمس ومئذنتيه الباسقتين، وبالأروقة النحيفة المبنية بالحجارة السوداء والبيضاء، المتناوبة في صفوف أفقية على الطريقة الهندسية السورية التقليدية. وبناء الجامع الحالي يعتبر من أحدث المباني الأثرية في حمص، حيث بني مكان المقام المملوكي. يذكر المؤرخ الأثري رياض البدري: «من المؤكد أن الظاهر بيبرس أدرك ضريح خالد، فبنى فوقه مسجداً صغيراً، وكان المسجد الحالي بقربة سيدي خالد قديماً، وقام بإصلاح قبره سنة 644 هـ».

ولم يكن قبر خالد آنذاك إلا مقاماً من المقامات، التي كثرت في حمص في ذلك العصر، ولم تذكر أوصاف عن بناء هذا القبر. وأكبر الظن أنه كان كالمدارس والمدافن الأيوبية والمملوكية التي نشأت آنذاك. وكان تجديد الملك الظاهر بيبرس لمقام خالد أثناء عبوره حمص للإغارة على مدينة سيس، عاصمة أرمينيا الصغرى (كليلية)، وهي الآن بلدة صغيرة جنوب الأناضول. وتشير إلى حادثة مروره كتابيتان أثريتان مهمتان لا تزالان محفوظتين في جانب مقام خالد بن الوليد في مسجده الحالي، وهما مكتوبتان بخط نسخي جميل. وقد رأى والي الشام ناظم باشا، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، أن يجدده فهدم الجامع القديم وأقام مسجداً حديثاً بدلاً منه، فأتى بقببه البيضاء المحيطة بالقبة الكبرى، ومئذنتيه الرشيقتين على نسق جوامع استانبول، وانتهى من بناء الجامع المذكور في سنة 1912م، وله حرم مربع الشكل تقريباً (5،30 ×5،30) فوقه قبة قطرها (12) متراً مربعا وترتفع إلى 30 متراً، وفي صدر الحرم ثلاثة محاريب، وفي الزاوية الشمالية الغربية ضريح ثالث لعبد الله بن عمر بن الخطاب كما قيل، وصحن الجامع واسع، وأبعاده (36 × 47) مترا،ً وفي عام 1972 قامت الحكومة السورية بإجراء ترميمات وإصلاحات في الجامع انتهت في منتصف عام 1974م. ويضم الجامع منبرا خشبيا أثريا يتألف من ست قطع، الركيزة والجانبين ومحفورة بالزخارف النباتية، وكذلك باب المنبر مزخرف بأشكال نباتية، وواجهته صنعت على طراز الفن العجمي الجميل، ولها مقرنص لطيف تحته لوحة كتب عليها أبيات شعرية، وهي:

لخالد بقعة الخير جامعة فلا يضام ولا يرتاع جامعها شاد السباعي اسمعيل منبرها وافته من رحمة الباري عواطفهاحوى زخاريف نور في صناعته فأشرقت حيث تاريخ ظرايفها وهذا الشعر يشير إلى أن اسمعيل السباعي أمر بصنع المنبر في سنة 1197هـ، أي قبل أكثر من 300عاماً.