داعية إسلامي ليبي يفتي بصيام من أفطر في يوم العيد.. ويدعو الحكومة الليبية إلى رفع يدها عن تحديد بداية عيد الفطر

الشيخ أحمد القطعاني لـ«الشرق الأوسط» : صلينا العيد الأحد وليس السبت.. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

نساء ليبيات في أحد أسواق طرابلس («الشرق الأوسط»)
TT

تحدى داعية إسلامي ليبي كبير الحكومة الليبية وأصدر فتوى بأنه يتعين على من أفطر في ليبيا يوم السبت 20 سبتمبر (أيلول)، على اعتبار أنه أول أيام عيد الفطر المبارك، قضاؤه، أي صوم يوم واحد فقط ولا كفارة عليه إن كان جاهلا، مؤكدا أنه لا عبرة بما أعلنته جهة حكومية ليبية، هي مركز الاستشعار عن بعد، بشأن تحديد يوم العيد لأنه مخالف للشرع.

وشدد الشيخ الدكتور أحمد القطعاني، وهو عالم ليبي مرموق في فتواه التي أعادت الجدل في ليبيا حول كيفية تحديد يوم العيد، على أنه لا حجة لمن اتبع مركز الاستشعار عن بعد بحجة أنه الجهة المخولة من الدولة في إثبات الشهور القمرية قائلا إنه بمنزلة حكم القاضي أو الإمام ويجب متابعته وحكم الإمام أو القاضي يرفع الخلاف، وهو ملزم لمحكومه كما نص على ذلك الفقهاء.

وحث القطعاني في حديث لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقره في العاصمة الليبية طرابلس، الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على التدخل الفوري لدى الجهات الحكومية في ليبيا لرفع يدها عن تحديد بدايات عيد الفطر المبارك، بعد الجدل الذي احتدم في ليبيا أخيرا في هذا الشأن وأظهر وجود تململ الكثير من العلماء والمتخصصين في الدين الإسلامي من هيمنة الجهات الحكومية على إعلان بداية أول أيام العيد.

وفي خطوة غير مسبوقة خالف الشيخ أحمد القطعاني، وهو عضو في مجلس الشؤون الإسلامية والأوقاف في ليبيا، احتفال ليبيا رسميا يوم السبت الماضي بعيد الفطر، وصلى في العاصمة الليبية طرابلس يوم الأحد فقط احتفالا بحلول العيد.

والشيخ القطعاني هو واحد من مجموعة علماء ومشايخ لا يزيد عددهم على أصابع اليد الواحدة اتخذوا موقفا مخالفا لما أعلنته السلطات الليبية بشأن تحديد يوم عيد الفطر.

وفي غياب منصب المفتي في ليبيا قبل سنوات، يتولى مركز الاستشعار عن بعد، وهو جهة حكومية، الإعلان عن كافة توقيتات المناسبات الإسلامية التي تبدو فيها ليبيا مخالفة على الدوام لإجماع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لكن إعلان المركز عن تحديد يوم السبت 19 سبتمبر كأول أيام عيد الفطر، فجر على نحو غير متوقع عاصفة من الانتقادات للمركز ودوره، في وقت سعت فيه أمانة اللجنة الشعبية العامة (الحكومة الليبية) التي يترأسها الدكتور البغدادي المحمودي إلى النأي بنفسها عن هذا الجدل مكتفية بتحديد الأيام الثلاثة الأوائل في شهر شوال الحالي وفقا للتقويم الهجري عطلة رسمية من دون تحديد موعد عيد الفطر.

وحاول عدد من العلماء المسلمين ومن بينهم الشيخ أحمد القطعاني الاتصال بالحكومة الليبية دون جدوى لحسم الأمر.

وقال القطعاني لـ«الشرق الأوسط»: «يوم الخميس قبل الماضي اتصلنا باللجنة الشعبية العامة سائلين هل تم تحديد يوم العيد أم لا فقالوا لنا لا، وبقينا ننتظر ومساء الجمعة فوجئنا بمركز الاستشعار عن بعد يعلن أن العيد يوم السبت وهذا ما جعلنا نتأخر في رد الفعل، لم تكن الصورة واضحة لدينا».

وأضاف: «مع الأسف اللجنة (الحكومة) لم يكن رأيها واضحاً في هذه المسألة».

وإزاء حالة التململ التي عاشها الليبيون على مدى الأيام الماضية اضطر التلفزيون الرسمي الليبي بمختلف قنواته الأرضية والفضائية إلى تخصيص جانب من إرساله لبث ندوات دينية تؤكد صحة إعلان مركز الاستشعار عن بعد بعيد يوم السبت قبل الماضي وتحث على إطاعة أولي الأمر في لهجة غير معتادة تعكس حجم الانقسام الذي عاشه الليبيون أخيرا، لكن القطعاني قال: «إن طاعة أولي الأمر واجبة وهي أمر قرآني كريم، لكنها حسب ما نص عليه العلماء لا تكون في العبادات وإنما في المعاملات، مثل إصدار قرار يتعلق بتنظيم البيع والشراء وأمور الحياة، أما أن يصدر ولي الأمر أصلا أمرا بوقف الصلاة فهذا ليس من تخصصه، والصوم ليس من المعاملات بل هو من العبادات وهنا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». وتابع: «ولي الأمر لم يصدر قرارا ومركز الاستشعار عن بعد لا ينوب عن الحاكم ولا نعلم عن المركز أن له هذه الصفة التي لا يقولها ذو عقل أصلا».

ويعتقد القطعاني أن الحل يكمن في تدخل الزعيم الليبي، وقال «عندما تتيسر الأمور ونقابل الأخ العقيد، ومؤكد أنه على علم بما يجري، ينبغي اتخاذ قرار من قبل مؤتمر الشعب العام (البرلمان الليبي) لكف هذه الخلافات التي لا تسعد أحدا على الإطلاق».

بالنسبة لمعظم الدول العربية والإسلامية فإن السلطات الليبية تحرص على تطبيق مبدأ خالف تعرف من دون الالتزام بما حولها، وهو مشهد يتأسف له القطعاني الذي قال «قطعا، لا أشعر بالسعادة لهذا»، معتبرا أن الأصل بين المسلمين هو وحدتهم، وفقا لنصوص القرآن الكريم، وينبغي أن نحافظ على هذه الأمة الواحدة وأن نصوم معا ونفطر معا. وتابع: «ليبيا أفطرت السبت وبقية الدول العربية الأحد وأخرى الاثنين وجزء من باكستان أفطر الثلاثاء فقط، تصور خلافاً يمتد أربعة أيام وهو هلال واحد، هذه مهزلة يجب أن تتوقف».

وبينما كان منشغلا باستقبال المهنئين بالعيد قال القطعاني: «أعتقد أن الأمر لا يتعلق بالخوف من السلطة بقدر عدم الدراية بأهمية أخذ زمام المبادرة»، مشيرا إلى أن ترك الأمور تتفاقم كل عام سيؤدي إلى مزيد من الفرقة والانقسام والفتنة. وأضاف القطعاني: «إن من احتفلوا بالعيد في ليبيا وفقا للإعلان الرسمي يوم السبت قبل الماضي كانوا على خطأ، مشيرا إلى أن عموم الشعب لا يتحملون الإثم وإنما تبعاته تقع على مركز الاستشعار عن بعد».

وبعدما لاحظ أن هذا المركز لا يحق له التدخل في الأمور الشرعية التي يختص بها أهل الشأن، لفت إلى أن هناك قراراً صادراً عن رابطة العالم الإسلامي قبل سنوات يحرم دخول الشهور إلا وفقا للقضاء الشرعي أو العلماء.

وقال «تدخل هذا المركز وإعلانه عبر وسائل الإعلام الرسمية مواعيد الصيام والعيد، أحدث ربكة وجعل الناس تفطر في غير الموعد المفترض»، موضحا أنه «ربما نتساهل في الإعلان مبكرا عن رمضان وبداية الصوم، لأن صوم يوم إضافي ليست مضرة، إنما أن نفطر في شهر رمضان يوما، فهذه في الحقيقة توجب على الإنسان أن يقول رأيه وبصراحة».

وروى القطعاني لـ«الشرق الأوسط» أنه صلى العيد يوم الأحد وسط بعض المواطنين الليبيين من دون التعرض لأي مضايقات أمنية أو حكومية، لافتا إلى أن العديد من الليبيين أفطروا يوم الأحد خلافا للإعلان الحكومي والرسمي.

وسئل عما إذا كان هذا التململ يعني بداية صحوة لدى العلماء، قال «ليبيا بلد تمتاز بحس ديني مرهف والناس فيها يعتبرون الدين هو محركهم الأوحد وليس الأول، وليبيا تشبه دائما عبر تاريخها بالمدينة المنورة وليس عبثا أن المذهب الشائع والسائد في ليبيا هو المذهب المالكي».

وتابع «دائما الدين الإسلامي هو العامل الرئيسي في حياة الناس، دائما علماء ليبيا لهم آراء مخالفة للمركز ومع ذلك لا نتعرض لأي مضايقات». وقال ليست هذه المرة الأولى التي نخالف فيها المركز. نصوم دائما حسب ما نعتقد وليس وفقا لما يعلنه المركز.

وحول رؤيته لحسم هذا الجدل، قال «نرى أن تعطى القوس لباريها والجهة الوحيدة المخولة بالأمور الشرعية هي الجهات الشرعية، وليس مركز الاستشعار عن بعد فهو هيئة علمية، وفي كل بلاد المسلمين يستأنس برأيها فقط، لكن لا تقبل آراؤها من دون نقاش أو جدال».

وشدد على أن موضوع الإفطار والصيام هو موضوع شرعي وليس من اختصاص جهة فلكية، مشيرا إلى أن هذا الموضوع يطرح مجددا ضرورة إنشاء جهة موحدة للفتاوى في ليبيا.

وطالب مجلس الشؤون الإسلامية في ليبيا في رسالة رسمية من مركز الاستشعار عن بعد الابتعاد نهائيا عن إعلان عن بدايات الشهور الهجرية ويترك هذا الموضوع للمختصين.

ولا يوجد في ليبيا مفتٍ، بينما قال القطعاني «لا نقول حان الوقت بل تأخر الوقت لهذه الخطوة»، وأضاف «المفتي رجل يجمع الناس على كلمة سواء وهو لا يأتي بشيء من عنده، وهو مثلي ومثلك يخطئ ويصيب، فإن نطق المفتي بأي رأى في الشرع وجب علينا كمسلمين أن نتبع رأيه، إذن نحن نتوحد حتى ولو على خطأ، لأن توحد المسلمين نفسه شيء عظيم».

يشار إلى أن وسائل الإعلام الرسمية تجاهلت بياناً صحافياً أصدره القطعاني وتناولته مختلف المواقع الالكترونية الليبية، يعلن فيه أسفه الشديد على ما وصفه بـ«المخالفة الشرعية» التي وقع فيها مركز الاستشعار عن بعد بإعلانه يوم السبت قبل الماضي أول أيام شهر شوال، حيث لم يؤخذ بالرأي الشرعي في المسألة بخصوص اختلاف بداية اليوم الشرعي عن اليوم الفلكي.

ولفت البيان إلى أن الجهات المعنية بالإعلان عن العيد لم تتصل بمجلس الشؤون الإسلامية والأوقاف لمعرفة الرأي الشرعي في المسألة، مؤكدا أن القطعاني قام بصلاة العيد جماعة بمدينة طرابلس صباح الأحد قبل الماضي.