جدل فقهي في مصر بعد قرار الأزهر منع ارتداء الطالبات الأزهريات النقاب

اعتبره البعض اعتداء على الحرية الشخصية وأيده آخرون

النقاب بين الفريضة والفضيلة يثير جدلاً فقهياً في مصر («الشرق الأوسط»)
TT

أثار القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للأزهر، في اجتماعه، مساء يوم الخميس الماضي، برئاسة شيخ الأزهر، الدكتور محمد سيد طنطاوي، بمنع الفتيات الدارسات من ارتداء النقاب في مراحل التعليم الأزهري، جدلا واسعا في الأوساط الدينية ما بين مؤيد ومعارض. وكان المجلس الأعلى للأزهر قد أصدر قراره بمنع ارتداء النقاب في معاهد الفتيات، وفي كليات البنات، وفي المدن الجامعية للبنات بالأزهر. «الشرق الأوسط» استطلعت آراء بعض العلماء والأساتذة والمسؤولين في المؤسسة الأزهرية، للوقوف على مدى توافق هذا القرار مع الشريعة الإسلامية، وعما إذا كانت هناك أدلة على مشروعية النقاب..

وقال الدكتور محمد عبد المنعم البرى، الأستاذ بجامعة الأزهر، الأمين العام السابق لجبهة علماء الأزهر، معلقا على القرار: «إن النقاب ليس فريضة، وإنما هو فضيلة ولم توجد أدلة من القرآن أو السنة تؤكد أن النقاب فريضة بعكس الحجاب الذي ثبتت فرضيته بأدلة من الكتاب والسنة». وأضاف: «أرى أن مسألة ارتداء النقاب يجب النظر إليها على أساس كونها حرية شخصية، فإذا ما رأت المرأة أن جمالها قد يفتن الرجال أو قد يجلب لها المشكلات، كأن تتعرض للمعاكسات والتعليقات بالألفاظ النابية فمن حقها أن ترتدي النقاب حماية لها وللرجال من الفتنة». أما الدكتور محمد الدسوقي، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، أكد أن النقاب ليس فريضة على المرأة المسلمة، وإنما هو عادة التزمت بها بعض النساء في بعض المجتمعات الإسلامية،مضيفا أن الشريعة الإسلامية قد حددت مواصفات الزى الشرعي الواجب على المرأة المسلمة أن ترتديه، كما جاء في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: «يا أسماء إذا بلغت المرأة المحيض لا يظهر سوى هذا وهذا، وأشار إلى الوجه والكفين»، وبالتالي فإن وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، لكن للمرأة الحرية في أن ترتدي النقاب أو لا ترتديه، لأنه ليس بفرض، ومن هنا يكون منع المرأة من ارتداء النقاب في أماكن العمل أو الدراسة بعد أن تكشف عن شخصيتها هو بمثابة اعتداء على حرية المرأة. أما الداعية الإسلامي الشيخ رضا طعيمة، عضو المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة، فقال: «إن أهل العلم قد انقسموا حول حكم النقاب إلى قسمين: منهم من قال إنه فرض، ومنهم من قال إنه سنة. ويأتي في مقدمة القائلين بأنه سنة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه (حجاب المرأة المسلمة)، الذي استعرض من خلاله أقوال الذين قالوا إن النقاب واجب، وأقوال الذين قالوا إنه سنة، واستعرض كذلك أدلتهم الشرعية فرجحت لديه أقوال وأدلة الفريق القائل بأن النقاب سنة وليس بواجب».

وأضاف الشيخ طعيمة: «إن رأي الشيخ الألباني له وجاهته، وهو الرأي الراجح لقوة أدلته. لافتاً إلى أنه، في بعض الأحيان، يكون ارتداء النقاب واجباً على المرأة إذا ما كان جمالها يمثل فتنة للرجال. مستنكرا وصف بعض العلماء للنقاب بأنه عادة جاهلية». وتساءل طعيمة: «لمصلحة من يسيء بعض العلماء إلى النقاب؟، فكان أجدر بالعلماء الذين يسيئون للنقاب أن يعرضوا لجميع الآراء بموضوعية من دون تجريح، ويثبتوا أن النقاب هل هو سنة أو فرض». بينما يؤكد الشيخ سعد الألفي، مستشار قطاع المعاهد الأزهرية، عميد معهد القرآن الكريم الأزهري النموذجي، أن قرار المجلس الأعلى للأزهر، بمنع ارتداء النقاب في معاهد الفتيات وكليات البنات بالأزهر قرار له أسبابه القوية التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهذا القرار ينطلق من كون أن النقاب ليس فريضة، وبالتالي فمن حق الأزهر أن يصدر ما يراه مناسبا. وقال: «قرار المجلس الأعلى للأزهر قد حدد الأماكن التي يمنع فيها ارتداء النقاب، وهي الأماكن التي لا يوجد بها الرجال، وما دامت المرأة ترتدي النقاب خشية أن يرى الرجال شيئاً من وجهها، وبالتالي منع الأزهر ارتداء النقاب في أماكن معينة لا يوجد بها رجال لا يعد اعتداء على حق المرأة، بل ربما كان هذا القرار في صالح المرأة أولا وأخيرا، لأن بعض الشباب يتخفى ويرتدي النقاب ويدخل إلى أماكن الفتيات. واختتم الشيخ الألفي حديثه قائلا: «إن قرار الأزهر بمنع ارتداء الفتيات النقاب في أماكن معينة هدفه حماية الطالبات من أشخاص قد يتسللون إلى المدينة الجامعية متخفين وراء النقاب».

من جانبها قالت الدكتورة سعاد صالح، عميدة كلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر سابقا، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة: «إن الفقهاء المسلمين اتفقوا فيما بينهم على أن بدن المرأة الحرة البالغة كله عورة ما عدا الوجه والكفين، استنادا لقول الله تعالى في سورة النور: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن). أما تغطية الوجه فهي من باب المندوب والمستحب، وليست من باب الواجب الذي يترتب على تركه الإثم والعقاب، فضلا عن أن هناك أحاديث نبوية تؤكد وتبين أن وجه المرأة لم يكن عورة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. وأضافت قائلة: «بعد نزول سورة الأحزاب التي جاء فيها قول الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، فقد جعلت هذه الآية النقاب (أي لبس النقاب) من باب الفضيلة وليس من باب الفريضة، كما وردت في صحيح البخاري أحاديث صحيحة تبين أن النساء كن لا يسترن وجوههن في مجال المشاركة مع الرجال وفي الذهاب إلى المسجد. وأشارت إلى وجود فرق بين ترك الواجب، وهو ستر جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، وبين ترك المستحب وهو ستر الوجه، فالأول يترتب عليه الإثم والعقاب، أما الثاني فيترتب عليه الأجر والثواب لمن فعله ولا يترتب عليه الإثم والعقاب لمن تركه. بينما يرى الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، أن ارتداء النقاب مسألة خلافية بين العلماء، لكن الرأي الأصوب والأرجح في ارتداء النقاب أنه واجب. وقال: «للمرأة أن تكشف وجهها أمام المرأة وأمام زوجها وخطيبها، وكذلك أمام الطبيب للجراحة وأمام القاضي للشهادة وفي التعليم إذا كانت المعلمة امرأة». واستشهد الشيخ البدري على القول بأن النقاب واجب بأن النسوة كن يطفن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة (أي بعيدا عن الرجال) فكن إذا حاذين الرجال أسدلن. وتابع الشيخ البدري قائلا: «إن قرار المجلس الأعلى للأزهر بمنع ارتداء المرأة للنقاب في المعاهد والكليات الأزهرية والمدن الجامعية التي لا يدخلها الرجال أمر عادي، لكنني كنت أتمنى أن يكون هذا القرار ترغيبا وليس فرضا».

أما الشيخ محمد محمود حمودة، موجه القرآن الكريم في الأزهر، فيرى أن علماء وفقهاء الأمة أجمعوا على أن الحجاب فرض بأدلة صحيحة من الكتاب والسنة، أما النقاب فلم يثبت بأي أدلة قطعية. وعليه لا يعد النقاب واجبا، بل هو مستحب في حق المرأة الجميلة. وأكد الشيخ حمودة أن القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للأزهر برئاسة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي أخيرا هو قرار صائب، يهدف إلى نشر الثقافة الدينية الصحيحة، وبيان ما هو واجب وما هو ليس بواجب. وقد وجدنا في كثير من الأوقات أن بعض أبنائنا وبناتنا في الأزهر يفهمون السنة على أنها فرض، وهذا نتيجة لانتشار ثقافة التشدد، ومنهج الأزهر يدعو إلى الوسطية والاعتدال ومحاربة التشدد.