تنظيمات إسلامية نسائية في الهند تطالب ببناء مساجد للنساء فقط

تؤم فيها النساء الصلوات الجامعة.. لكنها تجد معارضة من قبل رجال الدين

النساء في الهند يسعين الى تخصيص مساجد لهن (أ.ب)
TT

هل يمكن بناء مساجد للنساء فقط؟

يجري نقاش في الوقت الحالي حول هذا الأمر داخل الهند، حيث تطلب تنظيمات إسلامية نسائية بناء مساجد للنساء فقط تؤم فيها النساء الصلوات الجامعة، لكن، هناك معارضة شديدة من قبل رجال الدين. وتقول شايستا أمبير، رئيسة مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمات في الهند : «حان الوقت كي يسمح العلماء والقيادات الإسلامية بإنشاء مساجد خاصة للنساء في كل مدينة حتى يمكن للنساء أيضا إقامة الصلاة والمشاركة في تجمعات دينية»، مضيفة أن القرآن لا يعارض إمامة النساء للصلوات الخمس فقد كانت حفصة، إحدى زوجات الرسول، تؤم النساء في الصلاة. وتقول فاطمة موسى، رئيسة الجماعة الإسلامية في ولاية كيرلا: «الحظر المفروض على النساء في المساجد داخل الهند ليس من الإسلام ولا يوجد ما يبرره». وتضيف: «لا يوجد حظر في القرآن ولا في الأحاديث الشريفة على صلاة المرأة في المسجد، ولم يرِد عن الرسول ما يحظر ذلك. وعلى العكس فإن الكثير من النصوص القرآنية بها دليل على أن المرأة اعتادت الصلاة بحرية في المساجد في زمن الرسول الكريم، كما أنه في الوقت الحالي يسمح للنساء بالصلاة في الحرمين الشريفين بمكة والمدينة خمس مرات كل يوم. كما أن النساء في الكثير من الدول العربية ودول الخليج يتمتعن بهذه الحرية في أداء العبادة».

ومع ذلك، كان هناك رد فعل حاد من المعهد الديني الإسلامي الأبرز داخل الهند «دار العلوم ديوبند» الذي قال إن النساء المسلمات لا يمكنهن إمامة الصلاة. وقال نائب المسؤول عن قسم الفتوى في المعهد، المفتي إحسان قاسمي، إن الإسلام لا يسمح للنساء المسلمات بإمامة الصلوات في المساجد. ويقول مولانا نعيم الرحمن صادقي، وهو أكاديمي في معهد الندوة الإسلامي الذي يقع في مدينة لوكنو شمال الهند، إن هذه القضايا مثل إمامة النساء للصلاة والمساجد المخصصة للنساء فقط جاءت من الدول الغربية، وأشار إلى أن النساء يأتين إلى المساجد للمشاركة في الصلوات الجامعة التي تمارس الأنشطة العامة يتصرفن بذلك ضد تعاليم الشريعة الإسلامية.

ويقول صادقي إن هذه المحاولات تهدف إلى صرف الانتباه عن قضايا أكثر أهمية، مؤكدا أنه «على أخواتنا المسلمات أن ينشغلن بتعليم النشء وأمور دينهن وحماية أنفسهن من الضلال الأخلاقي».

وعلى الرغم من اعتراض العلماء، هناك حراك كبير في هذا الموضوع. وقد كان تأسيس مسجد للنساء في مدينة شيلونغ بولاية ميغاليا شمال الهند هو الإجابة عن كل هذه الأفكار النمطية المعادية للمرأة. وبدأت فكرة المسجد في عام 2008 بمبادرة من برلماني مسلم محلي. وقال سيد الله نونغروم، وهو مشرّع وسكرتير لاتحاد مسلمي شيلونغ منذ عام 1982: «إنها هدية إلى أمهاتنا وأخواتنا بمناسبة شهر رمضان».

وأضاف نونغروم، موضحا السبب الذي يقف وراء ذلك: «رأيت النساء المسلمات وهن يؤدين الصلاة بصعوبة كبيرة بسبب غياب المساحة التي يمكنهن أداء الصلاة فيها أو غياب خصوصية المكان، ولا سيما في العمل أو عندما تكون المرأة خارج المنزل. وإذا كان يمكن للنساء الذهاب إلى السوق، الذي يعتبر أسوأ مكان بالنسبة للمرأة المسلمة، وفق الشريعة الإسلامية ونحن معشر الرجال لا نعترض على ذلك، فلماذا إذا لا تذهب النساء إلى المساجد ليؤدين الصلاة هناك؟ لماذا يعترض المتشددون على ذلك؟».

وخلال شهر رمضان الأخير أدت النساء في مدينة لوكنو بولاية أوتار باراديش للمرة الأولى الصلاة إلى جانب الرجال في مسجد سني. وجاءت خطوة إقامة صلاة تجمع بين النساء والرجال بعد مبادرة من أعضاء مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمات في الهند. وفي مشهد نادر، أدى الرجال والنساء الصلاة سويا في مسجد بمنطقة لال كوان. ويزعم مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمات في الهند أنه بسبب بعض القيادات الدينية المزعومة لم تكن النساء في الولاية قادرات على إقامة الصلاة في المساجد. وتقول بارفين عبدي، السكرتيرة العامة في مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمات في الهند: «تعد مبادرتنا مجرد خطوة أولى للثورة على القيادات الدينية المزعومة، ضيقة الأفق التي تعتقد أنها حماية الإسلام، فالجميع متساوون أمام الله ومن ثم ما السبب وراء وجود أي نوع من التمييز في أداء الصلاة داخل المساجد».

ويقول مولانا خالد رشيد فرانجي محلي: «يحصل الرجال على الأجر عندما يقيمون الصلاة داخل المساجد وتحصل النساء على نفس الأجر عندما يؤدين الصلاة في منازلهن»، معربا عن عدم موافقته لما يحدث. ويقول: «من المفترض أن يقوم المرء بإقامة الصلاة خمس مرات في كل يوم، ومن غير المعقول أن تغلق المرأة منزلها في كل مرة تذهب فيها للصلاة في المسجد». وأعرب عن استيائه مما حدث أخيرا بهدف إتاحة الصلاة في المسجد أمام النساء وحذّر من أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى الكثير من المشاكل التي ربما تلوث قدسية أماكن العبادة. ويضيف: «بعض الناس يفسرون تعاليم القرآن والأحاديث بطريقة خاطئة من أجل إرضاء أغراضهم الدنيئة، وقد قال القرآن تحديدا إنه يفضل للنساء ألا يتركن منازلهن إلا إذا كان هناك سبب لا يمكن تجاوزه مثل الضرورات الطبية. لا يمكن أن نترك معدن الذهب في العراء مثل الحديد. ويجب حماية النساء كما لو كن ذهبا».

واستجابة لرد فعل رجال الدين المسلمين، لا سيما من المعاهد الإسلامية، قالت رئيسة مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمات في الهند لـ«الشرق الأوسط»، إن المعارضة لمقترحها «لا أساس لها». وأضافت: «لا نقول إن النساء سوف تؤم الرجال في الصلاة، لكن نقول ببساطة إن المرأة يمكن أن تؤم النساء فقط خلال الصلاة ويجب ألا تكون هناك معارضة لذلك من رجال الدين المسلمين».

وللوقوف في وجه المحظورات النمطية السائدة، تم بناء مسجد بولاية مدينة برديش في شهر رمضان تقام فيه الصلاة للنساء فقط. وأمّت الصلاة امرأة تدعى شابينا بانو. وقامت المدرسة المتقاعدة نور بقش بوضع النهاية إلى هذا المحظور النمطي السائد منذ وقت طويل. وتقول: «يحظر عدد ممن تسمى قيادات أهلية النساء من أداء الصلاة، ولذا أقمت هذا المسجد لهذا الهدف النبيل. ويجب على العلماء والبارزين في المجتمع المساهمة بأي صورة من أجل بناء مساجد للنساء حتى يمكنهن أداء الصلاة في المساجد مع مراعاة مبادئ الإسلام».

وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي تواجه هذا الاتجاه، تقوم منظمة نسائية في ولاية تاميل نادو جنوب الهند تحت قيادة شريفة خانام (43 عاما)، ببناء مسجد النساء في منطقة بودوكوتاي بعد أن عجزن عن الدخول إلى مساجد مخصصة للرجال فقط. وبدأ العمل في بناء المسجد عام 2004 ولم يتم بناؤه حتى الآن بسبب عدم توافر الأموال. ومن المقرر أن يكون هذا المسجد للنساء فقط تحت إشراف نساء، وبالإضافة إلى كونه مكانا للعبادة فإنه سوف يكون مكانا لحل المشاكل الأهلية والمجتمعية. ويعني إبعاد النساء أنه لا يتم معالجة المشاكل التي تواجههن، وإذا تم معالجتها فإن القرارات يتم اتخاذها من دون استشارتهن، ولذا قررت شريفة ونساء أخريات أن يؤسسن مسجد لهن يمكن معالجة مشاكلهن فيه. وعلى الرغم من أن هناك معارضة كبيرة من رجال الدين، لم تتوان شريفة ومن معها مستشهدات بآيات قرآنية لتبرير حق المرأة في الصلاة داخل المساجد. وداخل الهند، تقوم النساء المسلمات في الأغلب بأداء الصلاة في عمارات قريبة من المساجد ويكون داخل بعض المساجد الكبيرة أماكن منفصلة للصلاة. وتقول شريفة، التي قامت بدراسات عليا في التاريخ: «تصلني بانتظام مكالمات تحمل تهديدات، لكنها لا تثنيني عن سعيي للنجاح. ووجّه إليّ كلام بذيء وهناك تهديدات لحياتي، لكن لا يمنع القرآن النساء من الصلاة في المساجد، بل المجتمعات هي التي تقوم بذلك». وتضيف إن جامع مسجد، وهو أكبر مساجد الهند ويوجد في دلهي، كان هدية لجاهانرا، ابنة الإمبراطور المنغولي شاه جاهان، الذي بنى هذا المسجد الفخم. لكن، ما تطلبه النساء المسلمات في شمال الهند حاليا، قامت به النساء في ولاية كيرلا الجنوبية منذ عدة أعوام، ففي مطلع عام 2000 قامت مجموعة من النساء في ولاية كيرلا بإثارة قضية حق النساء في توفير أماكن لهن في المساجد عندما أدت طالبات مسلمات الصلاة داخل مسجد الجامعة. وفي كل جمعة تذهب الكثير من الطالبات المسلمات في كلية الوحدة (بنات) بمانجيري في منطقة مالابورام لأداء الصلاة في المساجد. وهناك انتقادات شديدة لذلك. وزادت حدة الجدل عندما سمح إمام مسجد بالايام جمعة في ثيروفاناثابورام للنساء بالدخول إلى المسجد لأداء الصلاة، وأداء صلاة التهجد في شهر رمضان. وبعد ذلك أصدر مجلس الأئمة في هذه المدينة فتوى مضادة تحظر على النساء الذهاب إلى المساجد. ورد الإمام على فتوى المجلس بالإشارة إلى أن المساواة بين الجنسين ركن محوري في الإسلام. وقال إن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، والأحاديث تؤكد في الكثير من المواضع على أنه لا يجب منع النساء الراغبات بالذهاب إلى المساجد من القيام بذلك. وأضاف أن بصحيح البخاري مسلم نصوصا تؤكد على أنه يمكن للنساء أداء الصلاة في أماكن العبادة. وينظر إلى هذين الكتابين على أنهما من أعظم كتب الحديث. وقد كان رد فعل النساء المسلمات في الولاية فورياً، حيث خرجت المؤسسات النسائية الإسلامية في الولاية مثل قسم المرأة في جماعة الإسلامي الهندية والمنظمة الإسلامية للفتيات إلى الشوارع لاستنكار موقف القيادات الدينية المتشددة. وألقت القيادات النسائية كلمات خلال هذه التجمعات ضد القيادات الدينية التي ترفض «التغير مع الزمن، وتمنع النساء من حريتها في أداء العبادة التي كلفها لها الرسول».

وتذكر الدكتورة زينات شوكت علي، أستاذة الدراسات الإسلامية بإحدى كليات مومباي، مجموعة من الأحاديث النبوية ومنها أحاديث وردت في صحيح البخاري تؤيد هذا الموقف. وتظهر الأحاديث الشريفة وتاريخ الإسلام في عصوره الأولى مشاركة بعض النماذج من النساء في العديد من الأنشطة، حيث شاركت النساء في أنشطة قومية وعملن مستشارات ومع إدارتهن الجيدة لشؤون المنزل كن يذهبن إلى الصلاة في المساجد في الصلوات الجامعة، وهذا حسب ما ورد في صحيح البخاري. وقبل عدة أعوام، أمرت محكمة محلية في مدينة مانجيري بشمال ولاية كيرلا بالسماح للنساء لأداء الصلاة في مسجد محلي بعد دعوى قضائية رفعتها امرأة تدعى بي. خديجة. وبنى نيلمبرا ماريكار حاجي، وهو أحد أقارب خديجة، مسجد نور عام 1997 للنساء إلى أن تم إغلاقه لترميمات قبل ثلاثة أعوام. ومات حاجي قبل إعادة افتتاح المسجد وبعد ذلك لم يسمح للنساء بدخول المسجد، وعليه رفعت خديجة دعوى قضائية أمام المحكمة. ويدافع مثقفان مسلمان في كيرلا، وهما القاضي بي كيه شمس الدين، القاضي السابق بمحكمة كيرلا العليا، والأستاذ الجامعي كيه أم بدر الدين، نائب رئيس الجامعة السابق بجامعة أليغرا الإسلامية، عن حق النساء في أداء الصلاة داخل المساجد. وتقول عائشة كوتيلانغادي، رئيسة فرع الجماعة الإسلامية في منطقة مالابورام بولاية كيرلا: «تُمنع النساء من الدخول إلى المساجد من قبل نفس القوى التي حرمت على النساء المسلمات القراءة والكتابة. ويبدو أن جزءا من القيادة الإسلامية المحافظة لديها مصلحة في الإبقاء على النساء المسلمات متخلفات تعليميا واجتماعيا». ويوافق على ذلك أي حماد، السكرتير العام لجمعية تعليم مسلمي الهند: «تذهب النساء في مختلف أنحاء العالم إلى المساجد لأداء الصلاة، ويحدث ذلك في مكة والمدينة. وتشعر النساء بإحساس بالانتماء عندما يصلين في جماعة. فلماذا يتم حرمانهن من ذلك؟» وتخشى القيادات الدينية المتزمتة من أن طلب النساء المسلمات بأن يتاح لهن الصلاة في المساجد سوف يكون بداية لحملة ضد الكثير من تعاليم الشريعة الأخرى مثل تعدد الزوجات والطلاق والحجاب. وتقول عائشة محمود فاروقي، التي تدرِّس الدراسات الإسلامية بالجامعة العثمانية بحيدر آباد، إن معظم المساجد في الدول العربية مسموح فيها للمسلمات بأداء الصلاة وقد أصبحت هذه القضية مهمة بالنسبة للنساء المسلمات في الهند، ويمكن من خلال ذلك أن تظهر حقيقة رجال الدين ضيقي الأفق. ووصفت الإسلام بأنه دين تقدمي وقالت: «هذا هو السبب الذي يجعل الغرب ينظر إلى الدين الإسلامي على أنه دين يعود إلى 1400 عاما ماضية ويجب علينا أن نستفيد من الأشياء الإيجابية في الغرب وأن نطبقها على قيمنا الإسلامية».

وتقول زارينا باتي، التي تكتب في قضايا المرأة المسلمة في الهند، إن السبب الرئيس لهذا الاتجاه المتزمت من جانب رجال الدين المسلمين في الهند هو أن الثقافة التي تساوي بين الجنسين لا تزال غائبة في هذه البلاد على الرغم من ظهورها في مختلف أنحاء العالم. ومن الشخصيات النسائية البارزة أسماء بارلاس ورفعت حسن من باكستان (وتقيم رفعت حسن حاليا في أميركا) وأمينة ودود، وهي آفرو- أميركية وزكية مير حسين من إيران وفاطمة مرنيسي من المغرب. وترى هذه الشخصيات أن القرآن لا يوجد فيه تمييز على أساس النوع. وتحتاج الهند بصورة ملحة إلى ثقافة تساوي بين الرجل والمرأة وتنظيم النساء المسلمات وتعريفهن بمكانتهن في الدين الإسلامي.