البلقان: جمعية «المعرفة» لرعاية الأيتام تقدم الرعاية الثقافية والتعليم الديني

مأساة الأطفال في البوسنة لا تزال مستمرة بعد 14 عاما على انتهاء الحرب

رعاية الايتام يحث عليها الدين الاسلامي
TT

انتهت الحرب في البوسنة، لكن آثارها لا تزال تفعل فعلها، بعد أكثر من 14 عاما على انتهائها. ففي أثناء الحرب قتل أكثر من 4 آلاف طفل في سراييفو لوحدها، وهجر المئات من الأطفال عبر ما كان يسمى بـ«سفارة الأطفال» التي يرأسها أحد الصرب، وذلك بحجة إنقاذهم من الموت، لكنهم «قتلوا» على مستويات أخرى، حيث اختفت آثارهم تماما، ولم يعودوا إلى أهاليهم، بعد أن سلموا، وقيل بيعوا إلى أسر ليس لديها أطفال، أو كنائس وشركات لا يعرف ماذا فعلت بهم. وإن كانت بعض الصحف الإيطالية قد أماطت اللثام عن بعض تلك الجرائم، ومنها احتجاز الكثير من أولئك الأطفال في سراديب تابعة للأديرة الكنسية، وبعضهم تم تحويلهم إلى ديانات أخرى، حيث كانوا أطفالا صغارا لا يعرفون شيئا، ولا يستطيعون التمييز بين الخير والشر والحق والباطل والصحيح والخطأ.

وبعد الحرب لم تتوقف المأساة بل ظلت مستمرة ولكن بطريقة أخرى، وبوتيرة مختلفة، فقد كشفت التحريات الجنائية عن فقد 242 طفلا من مناطق الفيدرالية البوسنية (51 في المائة من مساحة البوسنة) في خلال سنتين. ووفقا لما أعلنته الشرطة العدلية في سراييفو فإن 206 أطفال فقدت آثارهم تماما، بينما لا يزال البحث جاريا عن 36 آخرين. ولا تعرف الأسباب الحقيقية لفقدان الأطفال، وما إذا كان ذلك قرارا شخصيا كالفرار من منزل العائلة، أو اختفاء قسري بفعل فاعل. وما إذا كان ذلك في إطار الجريمة المنظمة كسرقة الأطفال من أجل توفير أعضاء بشرية، أو صناعة مواد التجميل أو الاستغلال الجنسي، أو كل ذلك جميعا. ولم تستطع الجهات المعنية، وتحديدا وزارة الداخلية البوسنية الكشف عن أسرار غياب الأطفال، حيث يأتي أقرباؤهم للإعلان عن فقدهم، نافين معرفة حيثيات الاختفاء. وهو ما مثل لغزا غريبا لدى الدوائر المهتمة. يضاف إليهم نحو 100 ألف نسمة غادروا البوسنة منذ انتهاء الحرب، وهناك احتمالات بقائهم في أرض المهجر دون عودة. وهم فئة خاصة من المفقودين، لها أبعادها الجيوديموغرافية، والجيوسياسية وغيرها. كما هناك آلاف من الأطفال الأيتام الذين فقدوا آباءهم، وهم في عداد المفقودين بشكل من الأشكال، سواء بسيطرة الشوارع الخلفية عليهم، أو انخراطهم في عالم الجريمة، أو ممن افتقدتهم المدارس والمحاضن الدافئة كما افتقدوها.

وقال رئيس جمعية «المعرفة» لرعاية الأيتام، جمال الدين بربوتوفيتش (52 عاما)، ويعمل أستاذا للرياضيات، متزوج وله ولدان أحدهما حافظا لكتاب الله، وكان قائدا عسكريا أثناء الحرب في منطقة بوجيم بالشمال الغربي للبوسنة، «المعرفة، مؤسسة صغيرة لرعاية الأيتام في مدينة جوراجدة، تأسست قبل 8 أعوام وتقتصر نشاطاتها على تقديم بعض الخدمات للأيتام، في مقدمتها الرعاية الثقافية، كتعليمهم أمور دينهم، وحمايتهم بذلك من المخدرات، والجنح والجنايات كالسرقة، ومساعدتهم في إعداد واجباتهم المدرسية في مجال الرياضيات والفيزياء، وندربهم على الإعلامية، ونعلمهم الحروف العربية ولدينا 23 طالبا حفظوا جزء عم.. كما نقدم لهم بعض المساعدات المادية والعينية، كدفع إيجارات السكن للمستأجرين من ذويهم، وهذا خاص بمن لا يعيشون في أملاكهم الخاصة من المهجرين من مناطق أخرى». وعما إذا كانت المؤسسة قادرة على الوفاء بالتزاماتها حيال الأيتام الذين «تكفلهم» قال «نحن نقدم ما نستطيع تقديمه من قوت أطفالنا، فليس لدينا أوقاف لهذا الغرض، ولا توجد جهات تقوم بتمويلنا أو مساعدتنا على أداء هذه المهمة التي تطوعنا للقيام بها، بعد أن رأينا ظهور بوادر انحراف لدى الأطفال الأيتام وغيرهم بسبب فقدهم لأحد والديهم، وانشغال الأم أو الأب عنهم». وعن الاحتياجات الضرورية للأيتام في جوراجدة، ذكر بربوفيتش «يحتاجون للكتب المدرسية، لاسيما أن أسر الأيتام من أفقر السكان، حيث لا توجد مواطن عمل في جوراجدة».

وعن حاجة الأيتام المالية أكد بربوتوفيتش أن «حاجة الأيتام كبيرة، ولكنهم في حاجة للمواساة ولو بمبلغ 50 يورو في الشهر للواحد منهم». وعما إذا كان يملك مقر الجمعية أو النادي الذي أطلق عليه اسم «المعرفة» أشار إلى أن «النادي مؤجر، حيث إن إقامة مقر للجمعية يكلف نحو 50 ألف يورو». كما أكد على ثنائية الدين والعلم لتحقيق النهضة المرجوة «تحتاج أجيالنا إلى الدين والعلم فهما جناحا الطيران في أجواء المعرفة المتكاملة والتقدم المنشود».