جائزة نايف العالمية للسنة النبوية

TT

كان لي شرف الحضور، كغيري، في مناسبات جائزة نايف للسنة النبوية، وهذه الجائزة الربانية العالمية قد قضت دينا كان على عاتق الأمة الإسلامية، وهي أشرف وأرفع وأكرم جائزة؛ لكرم وجلالة صاحب السنة سيد الخلق ورسول الحق (بأبي هو وأمي) صلى الله عليه وسلم، وقد انطلقت الجائزة من المدينة المنورة، من طيبة الطيبة، حيث حياته الدعوية، وعاصمة دولته، ومنطلق رسالته، ودار هجرته، ومثواه الأخير، فديناه بالآباء والأمهات صلى الله عليه وسلم، وقد احتفل طلبة العلم والأخيار، واستبشر الصالحون بهذه الجائزة، وصار لها من القبول والذكر الحسن ببركة من كان السبب، ولإن كانت الجوائز في علم الآثار، أو فن التاريخ، أو للتخصصات العلمية، أو للاكتشافات والاختراعات محمودة ومحببة، فإن أعلاها مقاما، وأرفعها وساما، وأكثرها احتراما، وأوفاها إكراما، لهي جائزة نايف للسنة النبوية، لأن السنة النبوية شريعة مقدسة، ومنهج مطهر، وهي ميثاق شرف الملة، وضمير الأمة، والطريق المستقيم إلى جنات النعيم، وهي الشرح الأوفى والأكمل لنصوص القرآن، وهي مفتاح نجاح دولة الإسلام، والبوابة الكبرى لمعرفة دين الله والتفقه فيه، وهي العروة الوثقى للنجاة من المهالك، والعصمة من الزلل، والبعد عن الغواية والزيغ، وفي السنة النبوية أمان من الضلال، وعصمة من الانحراف، وحصن حصين من الإفراط والتفريط، وحرز من الغلو والجفاء، وهذه الجائزة العالمية الحضارية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ما بين حفظ لمتون السنة تأليفا فيها، وبحثا وشرحا، وتصحيحا وتضعيفا، حتى صار هذا المشروع قلعة حصينة في وجوه المارقين والزنادقة، والمنافقين والأدعياء ومرضى النفوس: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ)، ومشروع الجائزة هو أجمل جواب وأقوى رد على كل أعداء الإسلام لنقول لهم: هنا الرحمة، هنا العصمة، هنا البركة، هنا النجاة، هنا الفوز، هنا الوسطية، وقد قال صاحب السنة عليه الصلاة والسلام: «من رغب عن سنتي فليس مني»، ولئن احتفل العالم برموزه ونجومه ومبدعيه ومخترعيه، وصنّاع ثوراته ونجاحاته، فكلهم مجتمعين ذرة صغيرة أمام عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ غَرْفا مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفا مِنَ الدِّيَمِ فرموزهم غير معصومين، ولا مرسلين، ولا محصنين من الزيغ، ولا مبرأين من العيب، ولا خالين من النقص، أما إمامنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم، ورحمة الله للعالمين، وحجة الله على الأولين والآخرين، والمحجة للسالكين، عصم الله قلبه، وزكى فؤاده، ونزه بصره، وحفظ سمعه، وأثنى على منهجه، وامتدح سبيله، وأشاد بأخلاقه، ونوّه بذكره، وأوجب اتباعه، وحرم مخالفته، وجعل قوله وفعله حجة على كل أحد كائنا من كان، وبهذا صارت هذه الجائزة شامة في جبين الدهر، وتاجا على رأس العصر، ووساما على صدر التاريخ، وقصة جميلة على مر الأيام، وكل مَنْ درس حرفا، أو حفظ حديثا، أو صنف بحثا، أو أقام سنة، أو كرر الصلاة والسلام عليه، صلى الله عليه وسلم، بنية صالحة انضم إلى قافلته عليه الصلاة والسلام، وحُشر في زمرته، وصار تحت لوائه يوم القيامة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لأهل السنة ولأهل الحديث نصيب من قوله سبحانه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).

الحمد لله أن جائزة نايف للسنة النبوية ليست حكرا على بلد، ولا رهنا لدولة، ولا وقفا لطائفة دون أخرى، بل هي لأمة الإسلام جمعيا، ولكل مَنْ قال لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا عظم قدرها، وجل شأنها، وعز كيانها، وحيتها القلوب، ورحبت بها الأرواح، وهب إليها الجيل، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، وصدق الله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).