زواج القاصرة.. قضية عين أم ظاهرة؟!

علي بن محمد العشبان

TT

بين كل فترة وأخرى تطالعنا وسيلة إعلامية بتقرير أو خبر حول موضوع الصغيرات، وتتناول فيه هذا الموضوع وفق أحدث قضية معينة، أو حول إيجاد تقعيد للحد من ذلك، مما قد يوحي بأن الموضوع ليس قضية عين قد يكون تعسف صاحب الحق فيها في استخدام حقه مما ألحق الضرر بمن تحت ولايته، وإنما تناولت الموضوع وكأنه أصبح ظاهرة متفشية في المجتمع تقتضي سن نظام يحد منه.

لم أقع على دراسة علمية من مختص أو بحث محكم حول هذا الموضوع، وهل هو ظاهرة تستحق كل هذه الجلبة، أم قضية عين تعالج في إطارها الصحيح دون تضخم أو تقليل من حق من قد يلحقه ضرر بسب تعسف في استعمال الحق، ولم تخرج نتائج اللجنة المشكلة لهذا الغرض حتى اليوم.

ولا يخفى أن سن نظام ما حول هذا الموضوع أو تركة للأولياء - كما هو الأصل - ينبغي أن يستند على دراسة فقهية ونفسية واجتماعية وطبية، وليس للذوق الشخصي والانطباع الفردي.

ومن وجهة نظري أن لا غضاضة في سن نظام كهذا متى أوصت بذلك نتيجة الدراسة العلمية المختصة، ولا أجد ما يحتم سن هذا النظام إذا كان الموضوع قضية عين لا ظاهرة، ولكن أجد أن البلد بحاجة إلى كثير من المؤسسات التي تسهم في حل كثير من القضايا قبل وصولها إلى المحاكم، وتعالج بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى تعسف الأولياء في استعمال حق الولاية، أو تعسف الأزواج في استعمال حق القوامة، أو تعسف الزوجات والأولاد في المطالبة بحقوقهم، أو محاولة الانفلات من القوام والراعي والولي.

ولا شك أن من يطالب بسن هذا النظام ينزع إلى قاعدة سد الذرائع، كي يسد ذريعة تزويج القاصر من كبير في السن.

ويجب أن نتفهم من معنى وجود نظام أن المأذون سوف يتوقف عن إجراء العقد، كما يتوقف الآن في إجراء بعض العقود استنادا لنظام صادر فيها.

ولو وضعنا حاجزا مروريا في كل طريق أو تقاطع وقعت فيه مخالفة مرورية لقيدنا حركة الآخرين الملتزمين بأنظمة المرور وألحقنا الضرر بهم، وقد لا نصل للثمرة المرجوة من وضعه إذا وضع دون دراسة مستوفية من مختصين في جميع الجوانب وتراعي الموازنة بين المصالح والمفاسد.

ولا يعفي ذلك الفقهاء والوعاظ والخطباء من تحذير الناس من جعل البنات سلعة في عقد النكاح، ومن المبالغة في المهور، وحثهم على أن يكون همهم هو مصلحة البنت، وتزويجها بالرجل الكفء المناسب لها.

أما عن كيفية معالجة قضايا معينة متى وقعت، فإن لكل متضرر من تعسف شخص ما في استعمال حقه الحق في إقامة الدعوى لدفع الضرر قبل وقوعه أو رفعه بعد وقوعه، أما إن كان المتضرر قاصرا فإن لأبيه أو أمه أو وليه أو أي محتسب سواء كان شخصا أو مؤسسة (كهيئة حقوق الإنسان) الحق في إقامة الدعوى لرفع الضرر أو دفعه، ولو قصّر هؤلاء في ذلك فإنه لا يسقط حقه في إقامة الدعوى إذا بلغ واستبان الضرر.

ولا يخفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح من زوجها أبوها قسرا دون رضاها، كما نهى القرآن عن العضل، وللمتضررة الحق في إقامة الدعوى.

وينبغي لوسائل الإعلام عند العرض لمسائل كهذه أن لا تتناول الموضوع من زاوية واحدة، وأن يكون تناول الموضوع في حدود لا تتجاوز السلطة التشريعية والقضائية، وإنما توضح للناس طريق التقاضي الصحيح وأصول الترافع فيه، حتى يعرف الناس مقاطع الحقوق، فقد تفوت بعض الحقوق لأن أصحابها يجهلون أنها حق لهم، أو يجهلون كيفية الوصول إليها، أو رسخ في أذهانهم أن لا سبيل لهم في الترافع أمام القضاء.

* القاضي بالمحكمة العامة بالرياض