أحمد الطيب: الأزهر ليس مؤسسة سياسية أو طائفية.. ولكنه مؤسسة علمية تهتم بنشر الإسلام الوسطي

شيخ الأزهر لـ «الشرق الأوسط» : سأقف ضد من يحتكر الحقيقة ويتجاهل الروافد التي صاغت العقل الإسلامي

د. أحمد الطيب شيخ الأزهر («الشرق الأوسط»)
TT

شدد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر على أنه سيقف ضد التيارات التي تحتكر الحقيقة وتتجاهل الروافد المتعددة التي صاغت العقل الإسلامي عبر تاريخه الطويل، مؤكدا أن دوره في المرحلة المقبلة هو تحقيق الانفتاح على التنوعات التراثية التي تضمن للعقل الأزهري أن يكون عقلا حواريا، ينفر من الانكفاء على مذهب واحد يؤمن به، ويعمى عن المذاهب الأخرى.

وأكد شيخ الأزهر في حديث لـ«الشرق الأوسط» في القاهرة أنه يدرس خطة لتطوير الدراسة في الأزهر في مختلف مراحل التعليم الأزهري تتناسب مع متغيرات المرحلة المقبلة، لافتا إلى أن الأزهر ليس مؤسسة حزبية أو طائفية وإنما هو مؤسسة علمية أكاديمية عالمية، وليس له أجندة سياسية، وأن هدفه الأول والأخير النهوض بهذه المؤسسة العريقة وتقوية دورها كحصن منيع للدفاع عن الإسلام.

وأشار إلى أن استراتيجيته تتركز في نشر ثقافة الاعتدال والتسامح ونشر تعاليم الإسلام الوسطي السمح، والتأكيد على الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب المصري، والحوار بين الأديان والحضارات. كما تطرق الحديث إلى بعض القضايا الإسلامية المطروحة على الساحة في الوقت الراهن.

* أعلنتم فضيلة الإمام خطة لتطوير التعليم بالأزهر، فما هي ملامح هذه الخطة؟

- شغلي الشاغل منذ بداية عملي كرئيس لجامعة الأزهر وحتى هذه اللحظة إصلاح التعليم الأزهري، وخطتنا تتمثل في تطوير المناهج الدراسية في مراحل التعليم قبل الجامعي بما يضمن تخريج طالب أزهري قادر على التعامل مع متغيرات العصر، يجمع في ثقافته بين الأصالة والمعاصرة، وسوف نستكمل أيضا مسيرة تطوير التعليم في جامعة الأزهر والتركيز على ربط الطالب الأزهري بتراثه العلمي الإسلامي دون المساس بالثوابت والمقررات الشرعية، وعموما سوف نركز في المرحلة القادمة على ثقافة الجودة في التعليم الأزهري بشقيه الديني والعلمي، والعمل على دعم وتوسيع قاعدة التعليم التكنولوجي والفني الذي يقدمه الأزهر.

* ذكرتم أنكم ستركزون في عملية تطوير التعليم في جامعة الأزهر على ربط الطالب الأزهري بتراثه العلمي الإسلامي، فما الجدوى من وراء ذلك؟

- لاشك أن ربط الطالب الأزهري بتراثه العلمي الإسلامي سيحقق منفعة كبيرة في تأسيس الطالب تأسيسا صحيحا وتكوينه تكوينا علميا تراثيا، لأن التراث هو الكفيل بالقضاء على التشدد والتطرف، لأن تراثنا تراث حواري وتعددي يعلي مبدأ تقبل الرأي الآخر، فعلومنا الإسلامية علوم خلافيات وحواريات وبحث عن دليل، فهذا النظام التعليمي وما يتركه من بصمات سيكولوجية في شخصية الدارس يجعله مستعدا لتقبل ممارسة هذا المبدأ، الأمر الذي يحميه من الأفكار المتطرفة، لذلك لا تجد متطرفا يتخرج من الأزهر.

* وماذا عن تطوير مناهج إعداد الدعاة والنهوض بالخطاب الديني..؟

- نعمل على إعداد منهج لتطوير الخطاب الديني يستهدف دعاة يملكون القدرة على التواصل العالمي مما يتطلب صقل القدرة على الإقناع الأمر الذي يتطلب بالضرورة إتقان اللغات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث نسعى لاستعادة دور الأزهر على المستوى الدولي لنشر ثقافة الاعتدال وتعريف العالم بصحيح الدين.

* هناك بعض المشكلات التي تعاني منها المؤسسة الأزهرية خصوصا مشكلة التعليم ومحاولات جماعات الإسلام السياسي اختراق المؤسسة التعليمية الأزهرية، كيف تواجهون هذه المشكلات؟

- أولا يجب أن يعلم الجميع أنني لست بعيدا عن مشكلات الأزهر ومشكلات التعليم قبل الجامعي فيه، بحكم عملي كرئيس لأعرق جامعة في العالم وهي الجامعة الأزهرية فضلا على عملي بجوار الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي في المجلس الأعلى للأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، وسوف أعمل في إطار أن الأزهر هو القلعة الكبرى للثقافة الإسلامية والمرجعية العليا للعقل الإسلامي أينما كان، وسأعمل جاهدا على فتح ملف التعليم الأزهري بشكل كامل، وسنعمل على الاستعانة بالخبراء والمتخصصين لتطوير المناهج الأزهرية في مختلف مراحل التعليم الأزهري التي أرى أنها تحتاج إلى تطوير كل خمس سنوات، وفيما يتعلق بمحاولة اختراق بعض التيارات السياسية أو الفكرية أو الدينية لجامعة الأزهر أؤكد أن الأزهر يمثل القلعة الحصينة للثقافة الإسلامية، ولن يمكن اختراقها بأي حال من الأحوال، وأنا أزهري حتى النخاع وما يتفق مع الأزهر ومع مبادئه الراسخة منذ أكثر من ألف عام هو صديقي وأرحب به، أما من يهدم المبادئ التي تربينا عليها أو يريد أن ينشر فكرا غير فكر الأزهر فسنقف له بالمرصاد الفكري، لأن التعليم الأزهري يؤهل الدارس لفهم الإسلام فهما صحيحا: عقيدة وشريعة وسلوكا، فهما يقوم على تأصيل قاعدة التعددية وقبول الآخر، والانفتاح على التنوعات التراثية التي تضمن للعقل الأزهري أن يكون عقلا حواريا، ينفر من الانكفاء على مذهب واحد يؤمن به، ويعمى عن المذاهب الأخرى التي صاغت العقل الإسلامي عبر تاريخه الطويل، هذا هو تراثنا الذي كان السبب الرئيسي في صنع حضارة إنسانية كبرى ما زالت حتى هذه اللحظة موضع دهشة كثير من علماء الحضارة في الشرق والغرب.

* بحكم دراستكم في جامعة السوربون التي حصلتم منها على درجة الدكتوراه واحتكاك فضيلتكم بالثقافة الغربية، وبالتالي فهم العقلية الغربية، كيف ترون مستقبل الحوار مع الغرب وما هي العقبات التي تقف في طريق هذا الحوار؟

- أولا أود أن أصحح لك معلومة وهي أنني حضرت رسالة الدكتوراه في السوربون ولكن تم مناقشتي وحصولي عليها من جامعة الأزهر، أما عن مسألة الحوار مع الغرب أؤكد لك أن المسلمين يدخلون هذا الحوار من منطلق الإيمان بالتعددية الدينية والثقافية والحضارية، وهذه التعددية إنما تعود إلى الحقيقة الكونية والإنسانية التي يؤكدها القرآن الكريم وهي أن الله تعالى لو أراد أن يخلق الناس على عقيدة واحدة ولغة واحدة ولون واحد وثقافة واحدة لفعل، لكن لم يرد هذا التماثل والتوحد، وشاءت إرادته أن يخلق الناس مختلفين في كل ذلك بل شاءت إرادته أن يستمر قانون الاختلاف بين البشر لغة وعقيدة ولونا وثقافة إلى آخر لحظة في عمر هذا الكون كما جاء في قوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، هذه الحقيقة ترتب عليها ترتيبا منطقيا حقيقة أخرى هي أنه إذا ما أريد للناس أن يعيشوا في سلام حيثما كانوا وكيفما كانت عقائدهم وثقافاتهم فإن العلاقة بينهم يجب أن تنحصر في علاقات التعاون والاحترام المتبادل، وهي العلاقة التي سماها القرآن الكريم بالتعارف في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» ففي هذا تأكيد وحدة الأصل الإنساني وتأكيد ضرورة التآخي بين أبناء الأب الواحد والأم الواحدة ومن هنا يستبعد الإسلام كليا فلسفة الصراع في علاقات الأمم والشعوب، لكن للأسف وجدنا في هذا العصر بالذات هجوما حادا على الإسلام من قِبل مؤسسات غربية سياسية ودينية وتوجيه الاتهام لهذا الدين العظيم باعتباره دين عنف وإرهاب، على الرغم من الجهود التي بذلت لتصحيح تلك الصورة الخاطئة في العقل الغربي فإن هناك عقبات كثيرة حالت دون ذلك أهمها عقبة التعميم من جانب بعض الغربيين الذين يعممون أحكامهم المسيئة على الإسلام والمسلمين انطلاقا من تصرفات شاذة تحدث من جانب فئة ممن لا يفهمون حقيقة الإسلام وفي المقابل فإن بعض المسلمين لم يتخلصوا من عيب التعميم وانطلقوا في حكمهم على الغرب كله بأنه عدو للإسلام والمسلمين، لكن الأمر غير هذا فلا بد أن يتخلص الطرفان من عيب التعميم حتى يثمر الحوار ويحدث التقارب والتفاهم بين الطرفين لتحقيق السلام والتعايش السلمي بين الشعوب والحضارات.

* وماذا عن علاقة الأزهر بالكنيسة؟

- علاقتنا بالكنيسة طيبة للغاية، والأزهر والكنيسة حريصان على التمسك بالوحدة الوطنية للشعب المصري ويقفان بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بوحدة المصريين الذين هم كالجسد الواحد.

* وماذا عن علاقتكم بالإعلام، وكيف ستتعاملون مع وسائل الإعلام خلال المرحلة المقبلة؟

- نحن نقدر دور الإعلام الذي يؤدي رسالته بأمانة وصدق وإن شاء الله سيكون هناك تنظيم للعلاقة مع وسائل الإعلام، بحيث يكون هناك توحيد لمصدر المعلومة التي ستحصل عليها وسائل الإعلام حتى لا تحدث بلبلة، ونحن الآن أمامنا ملفات كثيرة نقوم بدراستها ربما تحتاج منا بعض الوقت للبت فيها.