جدل بين علماء المسلمين الهنود حول مشاركة المسلمات في العمل السياسي

مشروع قانون لتخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان والمجالس التشريعية الولائية في الهند

مجموعة من المسلمات الهنديات في احدى المناسبات الدينية (أ.ب)
TT

فيما سعدت المرأة الهندية، بصرف النظر عن العقيدة الطائفية والديانة والمكانة الاجتماعية، بتمرير مشروع قانون تخصيص مقاعد في البرلمان للمرأة، والذي يمنح 33 في المائة من المقاعد للمرأة في البرلمان الهندي والمجالس التشريعية في الولايات، أعرب بعض علماء الدين المسلمين النافذين عن اعتراضهم الشديد على هذا التخصيص، وقالوا إنه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

يشار إلى أن المجلس الأعلى في البرلمان الهندي كان قد صادق على مشروع القانون في الفترة الأخيرة، وسيتم تقديمه خلال الفترة المقبلة إلى المجلس الأدنى من البرلمان، حيث من المتوقع التصديق عليه، وتلي ذلك موافقة الرئيس الهندي، وهو ما من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من المشاركة الفعالة للمرأة على الساحة السياسية. وبموجب هذا القانون، ستحصل المرأة على 181 مقعدا من أصل 543 مقعدا في المجلس الأدنى من البرلمان الهندي، و1370 مقعدا من أصل 4109 مقعدا في المجالس التشريعية بالولايات.

وتنبع معارضة رجال الدين من الحقيقة التي تقول إن مثل هذا التشريع لن يمنح المرأة مزيدا من الحقوق فحسب، بل سيشجع مزيدا ومزيدا من النساء المسلمات على الانخراط في العمل السياسي، ولن يكون ممكنا لهن في هذا المجال التمسك على نحو تام بتعاليم الشريعة الإسلامية.

وقد أصدرت «ندوة العلماء»، وهي أكبر جمعية إسلامية في شمال الهند ومقرها لوكناو، فتوى ضد مشاركة المرأة في السياسة، وتتفق هذه الفتوى مع الفتوى التي صدرت عام 2005 عن الجمعية الإسلامية النافذة ودار العلوم (ديوباند)، والتي تؤكد أن المرأة المسلمة لا تستطيع أن تظل بعيدة عن الاختلاط بالرجال أثناء العمل بالسياسة.

ويرأس ندوة العلماء مولانا سيدور رحمن عزمي ندوي، الذي يتمتع بالأخلاق الكريمة والكلام الطيب. إلا أن لهجته تغيرت بمجرد ذكر قانون تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان. ويقول رحمن إن السياسة تعد مهنة غير محببة «للنساء اللاتي تلقين تربية جيدة».

وأردف قائلا إن مكان المرأة «داخل المنزل» ولن يتم السماح لها بدخول عالم السياسة، حيث يستحيل لهن التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية مثل عدم مخالطة الرجال أو لبس الحجاب.

وأضاف رحمن «الإسلام لا يسمح للمرأة بنبذ البردة (وهي عزل المرأة عن الرجال) أو بإلقاء الخطب أمام الجماهير أو المطالبة بواجباتها. أمام المرأة خطوط عامة يجب عليها اتباعها، وهي البقاء في المنزل وارتداء الحجاب. خوض الانتخابات بأي حال من الأحوال أمر يسهل تحقيقه. هناك خيار واحد فقد أمام الطامحات في ذلك، وهو أن يتحولن إلى رجال. الله سبحانه وتعالى خلق المرأة من أجل تربية الأطفال، وليس من المفترض لهن أن يركبن الخيول أو يحملن السلاح أو يبعن الخمور أو يلقين خطابات في البرلمان».

وبسؤاله عما إذا كان من شأن ذلك أن يقود إلى مزيد من الأمية بين النساء المسلمات، قال رحمن «الإسلام لا يعارض تعليم المرأة، لكن الفكرة هي السماح لهن بالحصول على التعليم، لكن مع البقاء في حدود بيوتهن، حيث إن الإسلام يأمر بالبردة للمرأة، ويأمرهن كذلك بالاعتناء ببيوتهن».

ومع ذلك، لم تأخذ النساء المسلمات بهذه النصائح، ووصفنها بأنها «وجهات نظر شخصية»، كما اعترضن على أن يُطلق عليها فتوى، حيث إن الإسلام لا يحظر على المرأة أن تكون قائدة؛ كما أن الفتوى لا تصدر إلا للرد على أسئلة دينية.

وقالت الناشطة الاجتماعية شهلا مسعود «من هو الذي ينبغي عليه أن يقدم المشورة حول ما نفعله وما لا نفعله؟ إنها مؤامرة من أصحاب المصالح الخاصة هدفها إبقاء المرأة بين أربعة جدران داخل المنزل تحت غطاء القيود الإسلامية على الرغم من أن ديننا يساوي بين الرجل والمرأة».

إن إمكانية تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان جعلت على نحو مباغت المشاحنات الطائفية بين رجال الدين المسلمين شيئا قد ذهب أثره. فجميع القادة المتناحرين في المجتمع اتحدوا معا من أجل «إبقاء المرأة خارج الطريق الخطير من أجل مصلحتها الشخصية».

وبسؤال رجل الدين الشيعي البارز الشيخ قلبي جواد كيف سمحت دولة إسلامية مثل إيران للمرأة بالمشاركة في مختلف الأنشطة السياسية، فقد تبنى الموقف المعارض نفسه، حيث قال «الهند ليست إيران. إيران لديها أعضاء في البرلمان من النساء، ويخوض هؤلاء النساء العملية الانتخابية، لكنهن يتبعن نظام البردة على نحو صارم. وحتى عندما يجلسن في البرلمان، فإنهن يحافظن على العزلة التامة». وأضاف أن ذلك ليس ممكنا في البرلمان الهندي، فأي امرأة تدخل السباق الانتخابي سيكون عليها الذهاب إلى الحواري والأزقة، وأن تقف على المنصة وتحتك بالرجال. كيف يمكن للإسلام أن يسمح بكل ذلك؟

وتوجه دار العلوم (ديوباند) انتقادا حادا تجاه «السلوك غير الإسلامي» للمرأة المنخرطة في العمل السياسي، وهذا السلوك يثير القلق. وكانت دار العلوم أعربت عن وجهة النظر نفسها قبل خمسة أعوام عندما أصدرت فتوى تعارض خوض المرأة للانتخابات. وكان مولانا فريد الدين، أستاذ الحديث بجامعة دار العلوم، قد قال «إن المجتمع الذي يقبل قيادة امرأة لن يحرز أي تقدم. وإذا خاضت امرأة مسلمة الانتخابات، فيجب أن يكون زوجها هو من يعارض ذلك».

وعلى النقيض، تبنى مجلس قانون الأحوال الشخصية لمسلمي الهند موقفا تصالحيا بشأن هذا التشريع، وهو ما جاء بمثابة ضربة ضد الخصوم. وفي معرض تأييده لمشروع القانون، قال الشيخ رابي ندوي، الذي يرأس المجلس «هناك حاجة إلى منح المرأة أهمية أكبر في جميع المجالات، خاصة في مسائل الميراث والزواج والإصلاحات داخل المجتمع المسلم». وأضاف أن «روح الإسلام الحقيقية تتمثل في منح الإجلال والاحترام للمرأة، التي لا تحصل على حقوقها في كثير من الأحيان».

وتتناقض هذه التصريحات تناقضا تاما مع وجهة نظر العضو بالمجلس ورجل الدين الشيعي قلبي جواد، الذي ينتمي إلى تيار الصقور، وعارض بشدة مشاركة المرأة في السياسة، حيث إن أفضل ما تكون المرأة قادرة عليه هو أن تكون أما للسياسيين.

وفي حين يعارض الرجال في المجتمع الهندي هذا التشريع، فقد أيدته بشدة الأمينة العامة لمجلس قانون الأحوال الشخصية لمسلمات الهند باروين عبدي، التي قالت إن هذا التشريع من شأنه أن يساعد المرأة المسلمة على أن تخرج من القيود التي تحيط بها. وأضافت «أتفهم لماذا يعارض الرجال تخصيص 33 في المائة من المقاعد في البرلمان للمرأة».

ومع ذلك، تعارض بعض الجماعات السياسية الصغرى، التي تحظى بنفوذ كبير بين الناخبين المسلمين في الهند، مشروع قانون تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان، وقالت «إذا جرى التصديق على مشروع القانون هذا ليصبح تشريعا معمولا به، فسيتم إهمال وتجاهل المرأة المسلمة في المناطق الفقيرة والطبقات الاجتماعية الدنيا الأخرى».

وفي الوقت الذي يناقش فيه المتحمسون والمعارضون مشروع القانون على أسس المجتمع الديني والطوائف، فماذا عن النساء أنفسهن من المجتمع المسلم على سبيل المثال؟ هل تريد المرأة المسلمة التي تطمح إلى الاضطلاع بدور في الحياة العامة حصة منفصلة؟ وإذا أرادت المرأة ذلك، فهل يجب أن تتفق هذه الحصة مع الفلسفة نفسها التي تحكم تخصيص مقاعد للطوائف الاجتماعية المختلفة، والقبائل والطبقات الاجتماعية الدنيا الأخرى؟ هل يُعقل أن نتحدث عن حصة ثانوية؟

وتحدثنا إلى بعض البرلمانيات الخبيرات من النساء المسلمات، اللاتي أعربن عن استيائهن تجاه استخدامهن كدروع من جانب القادة السياسيين ورجال الدين المعارضين لمشروع القانون. وقال معظمهن إن هذه المخاوف التي تم الإعراب عنها يجب أن تُناقش، لكن «دعنا نقم بالخطوة الأولى». وتقول القائدة البارزة بحزب المؤتمر الوطني محسنة كيدواي: «لا تتحدثوا من أجلنا، ولا تحدثوا الانقسام بيننا، ودعونا نتحدث عن أنفسنا».

وقالت نجمة هبة الله، البرلمانية التي تمثل حزب بهاراتيا جاناتا السياسي اليميني «تشدد رجال الدين هو السبب وراء التمثيل الضعيف للمرأة المسلمة في الحياة السياسية بالبلاد. إذا تم تمرير مشروع القانون فإنه سيتحتم على جميع الأحزاب، بما في ذلك حزب الرابطة الإسلامي الهندي، ترشيح المرأة في الدوائر الانتخابية المخصصة لها. ومن سيعترض على هذا التشريع سيقف وحيدا».

وقالت ماوسام نور، البرلمانية المنتمية لحزب المؤتمر الوطني من بنغال، إنه لا يوجد أي قانون لحصة ثانوية في أي دولة علمانية «إنني أمثل دائرة مالدا غرب بنغال، والتي تعد تركيبة السكان فيها مختلطة، حيث تشمل الطوائف المعترف بها وأعدادا متماثلة من المسلمين والهندوس. لكنني أعلم أنه ما لم يكن هناك تخصيص للمقاعد في البرلمان، فلن يكون هناك طريق أمام نهوض المرأة».

ومن المثير للاهتمام أن جميع الأصوات الدينية ليست معارضة لمشروع القانون، حيث إن بعض رجال الدين يؤيدونه. ورحب أحد رجال الدين المسلمين البارزين من كشمير بتمرير مشروع قانون تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان، ووصفه بأنه خطوة مهمة تجاه تمكين المرأة.

وقال المفتي الأكبر في كشمير مولانا بشير الدين «هذه خطوة مهمة تجاه تمكين المرأة. سأحث المسلمات في الهند على الانخراط في السياسة وخوض الانتخابات من أجل التمثيل في البرلمان والمجالس التشريعية بالولايات. عليهن تمكين أنفسهن».

وأضاف مفتي كشمير أنه في ظل وجود مخاوف بشأن كون مشروع القانون غير إسلامي، «فإنني أطالب الأحزاب السياسية بترشيح النساء من الأقليات على قوائمهم، بحيث يتم تفنيد جميع المخاوف إزاء مشروع القانون».

يشار إلى أن بشير الدين يرأس المحكمة الشرعية في جامو وكشمير ويرأس كذلك مجلس قانون الأحوال الشخصية بالولاية. كما أنه مخول باتخاذ قرارات بشأن القانون الإسلامي وإصدار الفتاوى.

وقال بشير الدين «مما لا شك فيه أن الدولة تهمنا جميعا. لا يحتاج المسلمون إلى الاعتقاد بأنه لا يوجد شيء يخصهم، أو أن البلاد لا تهمهم. عليهم إحراز تقدم والمشاركة في بناء الدولة وفي تمكين أنفسهم». وأدلى بشير الدين بهذه التصريحات ردا على معارضة مشروع القانون من جانب بعض الأحزاب على أساس أنه معارض لتعاليم الدين الإسلامي.

وتبنى مولانا خالد رشيد، الذي يرأس أقدم مدرسة إسلامية في لوكناو وهي فيرانكي محل، رأيا مؤيدا لمشروع القانون، حيث قال «ليس ثمة خطأ بشأن مشاركة المرأة في الحياة السياسية وخوض الانتخابات. وقبل كل شيء، كان لعدد كبير من النساء المسلمات أداء جيد في السياسة».